"الأزهر والأوقاف والإفتاء": الحفاظ على النفس يسبق أداء الفريضة

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

"الأزهر والأوقاف والإفتاء": الحفاظ على النفس يسبق أداء الفريضة

"الأزهر والأوقاف والإفتاء": الحفاظ على النفس يسبق أداء الفريضة

اتخذت السعودية إجراءات استباقية للوقاية من فيروس كورونا، والحد من انتشاره فى أكبر تجمع للمسلمين حول العالم، بمواسم العمرة وفريضة الحج، من خلال التعليق المؤقت لتأشيرات العمرة وزيارة الحرم النبوى، بينما ذهب علماء الدين إلى ما هو أبعد، بالقول بجواز إلغاء فريضة الحج هذا العام إذا استدعت الضرورة، ورأى ولى الأمر ذلك، بعد الرجوع إلى الجهات المختصة والمعنية من الأطباء وأهل العلم، لأن الحفاظ على النفس والمجتمعات من المقاصد الكلية للشريعة.

"الطيب": وقف "العمرة" مأجور دفعاً للضرر ومنعاً لانتشار الوباء

الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أكد فى بيان سابق للمشيخة، أن الإسلام حث على دفع الضرر، وأمر باتخاذ كل التدابير والاحتياطات لمنع انتشار الأمراض والأوبئة، وأن تعليق العمرة جائز ومشروع ومأجور، بل هو واجب شرعى، لحفظ النفس باعتباره أحد مقاصد الشريعة الإسلامية وتدور حوله الأحكام الجزئية والفرعية حمايةً للناس وللمجتمعات.

 وأوضح «الطيب» أنه مع الإجراءات الوقائية الاستباقية التى تتخذها المملكة لمنع تفشى الأوبئة بين المسلمين الراغبين فى أداء الشعائر الدينية من عمرة أو زيارة للمقدسات الإسلامية، ويجب على الجميع توخى الحذر، واتباع كل التعليمات الوقائية التى أعلنتها منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة حول العالم، كما طالب جميع المسئولين باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على صحة المواطنين ومنع تفشى الوباء وهى مسئولية وضرورة دينية، لا يجوز التهاون فيها.

"جمعة": يجوز إلغاء "الحج" هذا العام إذا شكّل خطراً على حياة البشر

 

وقال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إنه يجوز إلغاء فريضة الحج هذا العام إذا أكدت الجهات المختصة أنه يشكل خطراً على حياة البشر، مضيفاً: «دفع انتشار أى وباء يشكل خطراً على البشرية، وحماية النفس البشرية من المقاصد الكلية التى دعا إليها الإسلام، فعندما يخرج أهل العلم من الصحة ويطلبون المنع، فالمنع هنا جائز، وتعليق العمرة وزيارة الحرم النبوى، هنا يندرج تحت قاعدة أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وله ما يبرره من مشروعية الحفاظ على الأرواح، ودفع ما يعرضها للخطر المحقق أو الغالب على الظن».

وأوضح الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، فى بيان، أن أحكام الشريعة الإسلامية تؤكد الحفاظ على أرواح وسلامة المعتمرين وضيوف الرحمن، وتعليق العمرة يأتى استناداً للعديد من القواعد الفقهية الراسخة، كما أكد الدكتور أيمن أبوعمر، مدير الفتوى وبحوث الدعوة بالأوقاف، أنه يجوز إلغاء موسم الحج إذا اقتضت الضرورة بسبب فيروس كورونا، وحكم الشرع فى تلك المسألة نابع من الرأى الطبى، وإذا قال أهل الذكر، وهم الأطباء هنا، إن التجمع بهذه الصورة فيه احتمال هلاك للناس، لم يبق أمامنا إلا أن نستجيب، مضيفاً: «الله قال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، والإسلام يعطى لحياة الإنسان قيمة كبيرة جداًً، ويحافظ عليها قدر المستطاع».

"مهنى": أهل الطب من أهل الذكر ويجب الأخذ برأيهم.. ومصاب واحد فى المناسك قد يسبب أزمة لملايين المسلمين

وأكد الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، أن الرسول قال «لا ضرر ولا ضرار»، وأمرنا ألا ندخل بلاد الطاعون، وإذا كنا فى بلد الطاعون ألا نخرج منه، قائلاً، فى تصريحات لـ«الوطن»: «الإسلام أمرنا أن نأخذ بالأسباب فى الأمور الدينية، وأهل الطب من أهل الذكر، علينا الأخذ برأيهم، ومناسك العمرة والحج تشهد حضوراً للمسلمين من كل بقاع الدنيا، وقد يحضر شخص حامل للفيروس، وهو لا يدرى، فيسبب أزمة لملايين المسلمين، لذلك فالقرار مهم للغاية، وأمن الطريق وأمن الإنسان مسئولية الدولة بمؤسساتها».

"طايع": إطعام الجائع وكساء العارى أَولى مائة مرة من نافلة العمرة

وحول ثواب تلك الشعائر وفضل تكرارها، قال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، لـ«الوطن»، إن قضاء حوائج الناس من إطعام الجائع، وكساء العارى، أَولى مائة مرة من تكرار العمرة، لأن تكرارها من باب النوافل، بينما قضاء الحوائج فروض كفايات، لافتاً إلى أن «الأوقاف» كانت من أوائل المؤسسات الدينية التى طالبت مَن أدى حج الفريضة أن يجدد النية مع الله بتوجيه ما ينفق فى حج النافلة إلى قضاء حوائج الناس، ففقه الأولويات يقدم إطعام الجائع وكساء العارى ومداواة المريض والإسهام فيما لا تقوم حياة الناس إلا به من صحة، وتعليم، ومرافق، على حج النافلة وتكرار العمرة وسائر النوافل.

 "آمنة": الرسول حج مرة واحدة

وقالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن تكرار الحج والعمرة لم يفرضه الإسلام، ولم يفعله النبى الكريم، الذى أدى حجة واحدة، والأَولى إنفاق تلك الأموال على باب الوجوب، فعن ابن عمر أن رجلاً جاء إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أى الناس أحب إلى الله؟ وأى الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضى عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشى مع أخى فى حاجة أحبَّ إلىَّ من أن أعتكف فى هذا المسجد -يعنى مسجد المدينة- شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه فى حاجة حتى يتهيأ له ثبّت الله قدمه يوم تزول الأقدام»، تلك هى حوائج الناس، وهى أَولى وأوجب من النوافل.

وقال عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إنه لا بد من أخذ قرار منع العمرة الذى صدر وقرار منع الحج الذى يمكن أن يصدر بمحمل الجد، فالأمر خطير، وهناك مؤسسات طبية ودينية تتم مراجعتها جيداً قبل اتخاذ قرار مهم بهذا الشأن. وأضاف أن كل قرارات المنع تنطلق من مبادئ أساسية فى الشريعة هى حفظ النفس، وتحقيق مقاصد الشريعة فى ذلك، ووجوب طاعة ولاة الأمور ومنظمى الحدث، وقد أجمعت المؤسسات الدينية قاطبة على جواز منع الحج والعمرة إذا كان هناك مانع قوى مثل الوباء المنتشر.

وأوضح: إذا كان الشخص الذى يريد الحج مريضاً أو مسناً لا يضمن الحياة للعام القادم واستعد للحج ثم جرى إلغاؤه، فسيكتب الله له ثواب الحج بإذن الله بالتزامه وحرصه على الصالح العام، وطاعته لولاة الأمور وحفظه لمقصد مهم من مقاصد الشريعة.

وقال الدكتور علوى أمين، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن تعليق العمرة وتأجيل الحج لم تكن الواقعة الأولى، ففى القديم هناك عشرات السنوات التى شهدت إلغاء الحج، وفى العصر الحديث شهد عام 1915، واقعة مماثلة لوجود خطر على الحجاج.

فوفقاً لفتوى مشهورة، موجودة على موقع دار الإفتاء، فإنه عام 1914 خلال الحرب العالمية الأولى، كان السفر إلى أرض الحجاز صعباً وطريقه غير مأمون، والظروف غير مهيأة لسفر بواخر نقل الحجاج المصريين ذهاباً وعودة، وفيه مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.

وشهد هذا العام صعوبة فى توفير مواصلات نقل المواد الغذائية بالحجاز ومرتبات الغلال التى كانت ترسلها الحكومة المصرية إلى هناك سنوياً، ولم تستطع اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التى تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات، أو اتخاذ إجراءات واحتياطات صحية كانت تعتادها كل سنة للوقاية من الأوبئة والأمراض المعدية.

وأشار «أمين» إلى أن الوزارة استطلعت فى ذلك الوقت رأى الشيخ محمد بخيت المطيعى، مفتى الديار فى هذا الوقت، لبيان موافقة الشرع، فأفتى بأنه يجوز للحكومة فى ظل هذه الحالة إعطاء النصائح الكافية للحجاج، بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلاً حتى تزول الأخطار ويتوافر أمن الطريق، وهو شرط فى وجوب الحج. 


مواضيع متعلقة