كبير الياوران الأسبق يروي ذكرياته مع مبارك: أراد ترك الحكم أكثر من مرة

كتب: منة العشماوي

كبير الياوران الأسبق يروي ذكرياته مع مبارك: أراد ترك الحكم أكثر من مرة

كبير الياوران الأسبق يروي ذكرياته مع مبارك: أراد ترك الحكم أكثر من مرة

تفاصيل جديدة ربما تُروى لأول مرة، على لسان كبير الياوران الأسبق برئاسة الجمهورية، اللواء طيار ساجي لاشين، الذي لازم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لسنوات كثيرة أثناء عمله، وكان على تواصل معه بعد تركه منصبه، حيث تحدث عن جوانب إنسانية وشخصية في حياة الرئيس الراحل الذي غيبه الموت أمس، ولكن لا تزال تفاصيل من حياته ومواقفه وصفاته غير معلومة لكثيرين، وإلى نص الحوار..

في البداية.. ما هي طبيعة وظيفة كبير الياوران.. ومتى توليتها؟

كبير الياوران هو كبير المستشارين العسكريين لرئيس الجمهورية، ويتبعه ياور بحري وياور جوي وياور أرضي، ويتبعه كل ما هو عسكري سواء في الشرطة أو الجيش في رئاسة الجمهورية.

توليت المنصب منذ عام 1984، كنت في البداية نائبًا للياوران لنحو 4 أعوام، ثم حصلت على منصب كبير الياوران لمدة عامين، والرئيس الأسبق بنفسه هو من اختارني وطلبت منه انتهاء عملي عام 1990.

هل كنت ملازمًا لمبارك؟

كنت بحكم عملي أجلس معه يوميًا لمدة 10 دقائق نتحدث عن أمور العمل، بخلاف المراسم والتنقلات التي لابد من حضوري معه فيها.

قال لي "أنت زي القطط بسبع أرواح.. ولو حطيت رجلك في طيارة هاكسرها لك"

ولكن كيف اختارك مبارك لهذا المنصب؟

تاريخي مع مبارك كبير، ولديه معرفة بي منذ كنت طالبًا بكلية الطيران، وكان حينها معلمًا يحمل رتبة رائد حتى أصبح قائدًا للقوات الجوية، وأنا قائد سرب، وثقته بي كانت كبيرة جدا وتعود لعدد من المواقف التي شاهدها مني، أبرزها بعد حرب أكتوبر 1973.

فرغم أني كقائد سرب لم أكن مطالبًا بالمشاركة في الطيران وإنما فقط مراقبة الطائرات القادمة من الجانب الإسرائيلي لحماية الطيارين، لكن كنت أصر دائمًا على الإقلاع معهم، حتى جاء يوم 23 أكتوبر الذي تعرضت فيه لضربة جوية كادت أن تنهي بحياتي، فأثناء العودة من مهمة لضرب ثغرة إسرائيلية أصاب صاروخ ظهر الطائرة وبدأت تحترق، فطلبت من الاثنين الملازمين السقوط بالباراشوت وبقي معي النقيب إبراهيم صالح، وكان خلفنا 4 طائرات إسرائيلية، وكنت لازالت متحكمًا في الطائرة، حتى حدث اشتباك كبير، وجاءت ضربة أخرى على الجناح الأيمن، وكنت على يقين أن الطائرة ستنفجر.

حاولت الخروج منها من خلال خاصية تعمل على فتح الكابينة، إلا أن كان الأمر صعبًا، حيث أن الجناح تأثر من الضربة، والتف الحديد على بعضه ولم تفتح الطائرة، ما جعلني أنطق الشهادة لمعرفتي بأني سأموت، حتى جاء طيار إسرائيلي لم يكتف برؤية الطائرة تحترق فقرر ضربها بصاروخ ما تسبب في كسر الجناح الأيمن، وتمكنت من الخروج وسقطت بالباراشوت، ونجيت.

وماذا قال لك مبارك بعد نجاتك؟

اكتشفت أن مبارك أخبر شقيقي بوفاتي، حيث أنني لم أكن أخبرتهم بأني لازالت على قيد الحياة، وعيّن بدلًا مني رقم اثنين قائدًا للسرب، فتواصلت مع مبارك، فقال لي "انت لسه عايش زي القطط بسبع أرواح"، ثم سألني هل ذهبت للمستشفى فأجابته بـ"لا"، فسألني لماذا، فأجابته أن لدي مهمة أخرى الساعة الـ5 مساءًا، فرد "اذهب حالا إلى المستشفى ووقف كل المهام".

وفي اليوم التالي طلبت خروجي من المستشفى، لكن فريق الأطباء والمدير رفضوا، واتصلوا بمبارك يخبروه بأن لدي كسر ومشاكل كبيرة في العمود الفقري، وأني أريد الخروج، فتحدث معي حسني مبارك، وطلب مني الراحة، ولكني أخبرته بأني لا أستطيع ترك زملائي، ولابد من الذهاب للمطار فقال لي "ماشي بس لو حطيت رجلك في طيارة هكسرهالك"، وأكدت له أني سأتابع الأمر في غرفة العمليات، الأمر الذي جعل الرئيس الأسبق يثق بي لأن لدي مبادئ وانتماء للوطن.

بحكم قربك منه.. ماذا كان يكره مبارك وما الأمر الذي لم يكن يسامح فيه؟

كان لا يحب الواسطة والمنظرة والإسراف، ولا يسامح في الاستثناءات أو الترقيات الخاطئة حتى إذا كانت لأقاربه، وكان يرفض ذلك تمامًا، ويمكن أن يصل الأمر لإقالة من يفعل ذلك.

وأتذكر أنه كان مقررًا في إحدى المرات زيارة أسيوط، وكنا مضطرون للسفر ليلًا ولم يكن متاحًا وقتها سفر ليلي، فذهبت إلى مدير المطار واتفقت على تركيب مشاعل لإضاءة الطريق، ولم يكن يعلم مبارك بذلك، واعتقد أنه سيسافر إلى المنيا بالسيارة ويستقل الطائرة من هناك، إلا أنه عندما شاهد هذا المجهود قرر صرف مكافأة شهر لجميع الموظفين في المطار وطاقم الطائرتين، ولكنه لم يصرف لي كوني طيارًا، حتى لا يُقال عنه أنه يجاملني أو يجامل الطيارين بشكل خاص.

لم يذهب لتناول الفول والطعمية في مطعم التابعي بعد توليه الرئاسة

برأيك.. ما الذي افتقده مبارك كرئيس؟

الرئيس الراحل كان إنسانًا بسيطًا، ولم أنس عندما أخبرني أنه قبل أن يكون رئيسًا كان يحب الذهاب إلى مطعم التابعي لتناول الفول والطعمية، ومنذ أن أصبح رئيسًا للجمهورية لم يستطيع الذهاب مرة أخرى.

كنت ملازمًا للرئيس الأسبق.. ما الشيء الذي لا يعرفه الناس عنه؟

مبارك كان يريد ترك الرئاسة منذ نحو عام 1995 بعد 15 عامًا من توليه الحكم، وفي عام 2000 كان يريد تركها نهائيًا، وظل في منزله فترة ثم عاد مرة أخرى وكذلك في عام 2005، حيث كان يشعر بالضيق من مسؤولية الرئاسة، وبأنه تعب، وأنه مقيد وليس حرًا، وهُدد بالقتل أكثر من مرة.

وفي عام 2008 أيضًا أراد ترك الرئاسة نهائيًا بعد وفاة حفيده، والتي مثلت صدمة كبيرة جدًا له ولزوجته وابنه، ولكنه اضطر للاستمرار، وفي عام 2011 لم يكن متمسكًا بالسلطة، ولكنه كان خائفا على مصر.

في حرب تحرير الكويت طلب من الجنود عدم قتل أي عراقي

وما هي أبرز صفاته ومميزاته؟

كان طيبًا ومتواضعًا وبسيطًا وملتزمًا بالصلاة ولا يدخن السجائر أو يشرب الخمر، كما كان أيضًا دبلوماسيًا جدًا، وليس لديه طموح للسرقة أو النهب، ويعامل الجميع باحترام، ويرفض القتل والعنف تمامًا، وأتذكر أنه في فترة الحرب بين العراق والكويت، قال "احموا الكويت دون قتل عراقي".. وأتذكر أيضًا أنه أصدر قرارًا بأن من يحكم عليه بالإعدام يظل عامين وليس عامًا واحدًا قبل تنفيذ الحكم، فربما يظهر شيء جديد يغير مسار القضية.

وماذا عن هواياته؟

أحب كثيرًا لعب الإسكواش، حتى أنني أتذكر مرة في الكويت بعد انتهاء العمل الساعة الثامنة مساءًا أنه ذهب للعب الإسكواش مع أحد الأمراء، وكان يفضل أحيانًا القراءة، ولديه مكتبة جميلة في منزله، وكان يكره "الكرش"، فعندما يرى أحد المحيطين به لديه بطن زائدة يعلق على الأمر.

اصطحبني في البلكونة وقال لي "الناس بره بتقول عليّ إيه"

هل كان يتابع مبارك الأخبار؟

"مبارك" كان يحب معرفة الأخبار جدًا، وما يقال عنه، فلم أنسى أول مرة بعد ذهابي للرئاسة أن اصطحبني إلى فيلته الخاصة بالإسماعلية، وجلسنا في البلكونة، قائلًا لي: "قولي بقى الناس بره بتقول عليا إيه".

ماذا كان يفعل مبارك في وقت فراغه؟

كان الرئيس الأسبق يستضيف أصدقائه في حديقة منزله المفضلة لديه، وكانوا أصدقاء بسطاءً من خارج الوسط السياسي يجلسون ويتناولون الشاي ويتحدثون سويا، كما كان يحرص على تناول الطعام مع أسرته، وبشكل خاص كان يحب الطعام البسيط مثل الفول والطعمية.

صور نادرة لمبارك مع كبير الياوران الأسبق ساجي لاشين 


مواضيع متعلقة