"الورق المستورد" يكسر صمود صناعة ازدهرت منذ 1700 عام!

كتب: بسنت ماهر

"الورق المستورد" يكسر صمود صناعة ازدهرت منذ 1700 عام!

"الورق المستورد" يكسر صمود صناعة ازدهرت منذ 1700 عام!

شهدت صناعة الورق فى مصر على مر العصور الماضية حالة من الاستقرار دون أى خلل يُذكر، خاصة منذ بداية القرن الرابع الميلادى، أى منذ 1700 عام تقريباً، عندما بدأ القدماء المصريون فى تصنيع ورق البردى واستخدامه فى أغراض الكتابة والطباعة، ومع مرور الوقت كانت صناعة الورق سبباً فى ارتفاع درجة المعرفة والوعى، كما أنها تمكنت من تعزيز الثقافة المكتوبة والمطبوعة.

وتمتلك مصر ما يقرب من 60% من المواد الخام المستخدمة فى إنتاج الورق، بالإضافة إلى دخول المزيد من الاستثمارات لهذا القطاع، والتى بلغت 8 مليارات جنيه، وذلك وفقاً لأحدث إحصائيات شعبة الورق والكرتون بغرفة الصناعات الكيماوية.

وبالرغم من وجود مردود إيجابى لهذه الاستثمارات عن طريق مساهمتها فى تحقيق قيمة مضافة، وتوفير الوظائف لـ30 ألف شخص من العمالة المباشرة، وأيضاً توفير فرص عمل من العمالة غير المباشرة، بالإضافة إلى توفير احتياجات كافة قطاعات الدولة، إلا أنها باتت فى الفترة الأخيرة تلاحقها العديد من الأزمات، خاصة منذ تحرير سعر الصرف فى عام 2016 حتى الآن، لتواجه صناعة الورق خلال الشهور الأخيرة حالة من انخفاض الأسعار عالمياً مقابل ارتفاعها فى السوق المحلية، الأمر الذى أدى إلى زيادة الواردات من الورق بنحو مليون طن بقيمة 500 مليون دولار، والتى أجبرت المصانع المحلية على التوقف الجزئى خاصة فى ظل عدم قدرتها على المنافسة.

الأزمة تهدد 90 مصنعاً محلياً و30 ألف عامل

وتوضح الأرقام أن أسعار الورق المحلى وصلت إلى 13.6 ألف جنيه للطن مقابل 15.8 ألفاً، كما تراجعت أسعار الورق المستورد لتسجل 10 آلاف جنيه مقابل 14.5 ألفاً، الأمر الذى يشير إلى أن سعر طن الورق المحلى تراجع بنحو 2200 جنيه، مقارنة بـ4500 جنيه للطن المستورد، مما يؤدى إلى تدمير الصناعة فى مصر، والتى تضم نحو 90 مصنعاً منها 20 تحت الإنشاء نتيجة ارتفاع أسعار الورق المحلى بحوالى 35%.

وترجع أسباب تفاقم الأزمة إلى ارتفاع تكلفة تصنيع الورق، حيث تشير أغلب التقارير الصادرة عن غرفة الصناعات الكيماوية إلى أن تكلفة تصنيع الطن الواحد من الورق محلياً تصل إلى 5 آلاف جنيه دون احتساب سعر الخامات، فى حين تبلغ التكلفة الصناعية العالمية أقل من 3 آلاف جنيه للطن.

كما يُعد ارتفاع أسعار الطاقة فى مصانع الورق والتغليف أحد أركان ارتفاع تكلفة الطن، حيث يسجل سعر الغاز الطبيعى فى القطاع حوالى 5 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، فى المقابل يبلغ السعر عالمياً نحو 2.8 دولار، مما يشير إلى أن سعر الغاز فى قطاع الورق فى مصر أعلى بقيمة 2.2 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، خاصة أنه يمثل 65% من تكلفة إنتاج الطن الواحد.

ويتصل تفاقم الأزمة أيضاً بانخفاض الجمارك المفروضة على الورق المستورد بشكل عام، حيث تبلغ نسبتها 10%، بالإضافة أن الورق المستورد الأوروبى يدخل مصر دون جمارك، وذلك طبقاً لاتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى.

وكان لهذه الأسباب مردود سلبى على العديد من الشركات، حيث أظهرت القوائم المالية للشركة العامة لصناعة الورق «راكتا» تراجع المبيعات خلال الربع الثالث من 2019 بمعدل 32% لتسجل 18.670 مليون جنيه، مقابل 27.479 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2018، بالإضافة إلى ارتفاع خسائر الشركة بمعدل 18.5% لتسجل 27.83 مليون جنيه خلال الربع الثالث من 2019 مقارنة بـ23.47 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2018.

كما كشفت القوائم المالية لشركة يونيفرسال لصناعة مواد التعبئة والتغليف والورق عن انخفاض المبيعات خلال الربع الثالث من 2019 بنسبة 16% لتسجل 111.2 مليون جنيه مقابل 133.7 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من العام السابق عليه، بينما شهدت الأرباح تراجعاً بـ12% لتصل إلى 6.4 مليون جنيه مقابل 7.4 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2018.

وفى هذا الصدد طالب المهندس مصطفى عبيد، نائب رئيس شعبة الورق والكرتون فى اتحاد الصناعات، الدولة بتحديد احتياجاتها فى كل قطاع عند إصدار رخص جديدة، حيث يتم الموافقة على إنشاء مصانع تنتج نوعيات من الورق لا تحتاجها السوق، فى حين يوجد نقص بأخرى.

وأضاف أن مصر تستورد 60% من استهلاكها الورقى نتيجة انخفاض الأسعار عالمياً وهو ما إدى إلى تضرر المصانع المحلية وتراجع قدرتها على المنافسة.

وأوضح «عبيد» أن شركات القطاع تواجه مشكلات عديدة، منها التعثر مالياً وتسويقياً خاصة فى أكبر 3 مصانع للورق المتمثلة فى «راكتا وقنا ومصر إدفو»، مضيفاً أن هذا التعثر ناتج عن زيادة التكلفة.

وتابع «عبيد»: «باقى المشكلات التى تعانى منها صناعة الورق تشمل تطبيق قوانين البيئة وتفعيل برنامج التحكم فى التلوث الصناعى، حيث إن المصانع بحاجة إلى إعطائها مهلة لتوفيق الأوضاع لأن التكلفة الناتجة عن هذا التوفيق مرتفعة لا تستطيع المصانع تحملها إلا خلال فترات زمنية طويلة، علاوة على مشكلات تتعلق بأسعار الغاز وضريبة القيمة المضافة، والتى تمت مناقشتها فى مجلس النواب.

وقال المهندس شريف عثمان، رئيس شركة العبور للورق، إن شركته تواجه انخفاضاً فى المبيعات بصورة كبيرة نتيجة انخفاض سعر طن الورق المستورد بصورة كبيرة، الأمر الذى أدى إلى التوجه بتخفيض الطاقة الإنتاجية تجنباً لإلحاق الشركة أى خسائر خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى أن الورق المستورد استحوذ على حصة كبيرة من مبيعات العام الماضى، بما يمثله من خطر على الصناعة المحلية التى أصبحت غير قادرة على هذه المنافسة غير العادلة.

"إيماك": تقدمنا بطلب لفرض "رسوم وقائية" والحكومة رفضته

وقال وليد زكى، المدير المالى لشركة إيماك للورق، إن الشركة أول من تقدم بطلب لفرض رسم وقاية على الورق ولكن تم رفضه نتيجة التغيير الذى حدث فى التشكيل الوزارى خلال الشهور الماضية، مضيفاً أن حجم مبيعات الشركة انخفضت من حوالى 47 ألف طن إلى 35 ألف طن، بالإضافة إلى انخفاض سعر البيع أيضاً، مضيفاً أن هذا التراجع فى المبيعات أثر على حجم العمالة بالشركة نتيجة انخفاض العوائد التى كان يتم الحصول عليها.

وقال مارك أديب، محلل القطاع الصناعى بشركة فاروس القابضة، إن إجمالى الإنتاج المحلى من مختلف أنواع الورق يبلغ 1.5 مليون طن سنوياً، وهو رقم ضعيف جداً مقارنة بحجم الصناعة العالمية، مضيفاً أن سبب انخفاض تكلفة طن الورق عالمياً أن المصانع الأوروبية تستخدم أحدث خطوط الإنتاج والماكينات التى ظهرت فى مجال صناعة الورق، وهى ذات استهلاك للطاقة أقل بـ15% من الأنواع القديمة، بالتالى طاقتها الإنتاجية أعلى، وذلك على عكس المصانع المحلية التى مازالت تستخدم طرق الإنتاج التقليدية.

وتحتاج تلك الصناعة أيضاً إلى ضرورة رفع الرسوم الجمركية على الورق المستورد لمدة عام، إلى ما فوق الـ30% لحماية المصانع المحلية من الاستيراد الذى تسبب فى ضرر السوق المصرية، كما تمتلك مصر تجربة جيدة فى إنشاء مجمع للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لصناعة الجلود، حيث يدل ذلك على إمكانية توجه الدولة بربط صناعة الورق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإنشاء مدينة على غرار الروبيكى للجلود تتخصص فى صناعة مدخلات صناعة الورق، خاصة فى ظل توافر المواد الخام المستخدمة فى هذه الصناعة مثل قش الأرز والذرة.


مواضيع متعلقة