بعد انتشار كورونا.. الإفتاء عن صلاة الجماعة للمريض: الملائكة تتأذى

كتب: سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسي

بعد انتشار كورونا.. الإفتاء عن صلاة الجماعة للمريض: الملائكة تتأذى

بعد انتشار كورونا.. الإفتاء عن صلاة الجماعة للمريض: الملائكة تتأذى

تلقت لجان الفتوى بدار الافتاء المصرية، سؤالا حول حكم صلاة الجماعة، لمن كان مريضا بمرض معد، ويخشى أن يؤذي الناس، وينتشر بينهم المرض، وذلك مع إنتشار فيروس كورونا المميت.

وجاء نص الإجابة عبر موقع دار الافتاء الرسمي بقولهم: 

حرص الإسلام على لم شمل المؤمنين وضم قوتهم المادية والمعنوية بعضها إلى بعض حتى يكونوا يدا واحدة وصفا واحدا وقوة عظمى في عمل الخير وصد الشر، ولذلك كان من أهم شعائر الإسلام المؤكدة لتلك الوحدة صلاة الجماعة، قال تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا".

وقال عز وجل "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين"، وقال سبحانه وتعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، فلا ينبغي للمؤمن أن يكتفي بكونه صادقا بل لا بد أن يكون قريبا من المؤمنين الصادقين وفي جماعتهم في بيوت الله وعلى طاعة الله عز وجل، فالمؤمن لا يعيش فردا منعزلا وإنما يحيا فردا في جماعة وأمة وثيقة الروابط والصلات.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"، قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة، رواه أبو داود والنسائي والحاكم.

وعن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرخص له؛ فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى، دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟" قال: نعم، قال: «فأجب» رواه مسلم.

دلت هذه الآيات والأحاديث الشريفة، على عظيم قدر صلاة الجماعة وأهميتها في حياة المسلم، حتى قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة"، وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" رواه مسلم.

وأفاد بأن المرض كان مما يستساغ معه التخلف عن صلاة الجماعة، فإن اجتمع مع المرض ما يتأذى منه المصلون أو ينفرهم أو يلحق بهم الضرر تعين على المريض الامتناع عن الجماعة حتى يذهب عنه ذلك، فإيذاء المسلمين أو التسبب في إلحاق الضرر بهم يتنافى مع مقاصد الشريعة من صلاة الجماعة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أكل من هذه البقلة -الثوم- وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الثوم والبصل، وقيل: يا رسول الله، وأشد ذلك كله الثوم، أفتحرمه؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كلوه، ومن أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه" رواه أبو داود.

وقاس العلماء بطريق الأولى منع المريض بمرض معد على المنع الوارد في الحديث في شأن الإيذاء برائحة الثوم والبصل، إذ إن المصلين يتأذون من المريض المصاب بمرض معد أشد من تأثرهم وتأذيهم بمن أكل البصل والثوم.

وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكل شيئا منهما بألا يقرب المسجد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه.

ويؤكد المنع ما ورد في الحديث عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنا قد بايعناك فارجع" رواه مسلم.

قيل: لأن الجذام يتعدى عادة، وقيل: لئلا يظن أحد العدوى إن حصل له جذام. "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (2/ 364، ط. دار الجيل، بيروت).

تابعت الدار: هذا وقد ورد حديثان ظاهرهما التعارض، لكن حقيقة ما تناوله كل واحد منهما يختلف عما تناوله الآخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا عدوى ولا صفر ولا هامة"، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: "فمن أعدى الأول؟" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يورد ممرض على مصح"، رواه مسلم.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 213-214، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال جمهور العلماء يجب الجمع بين هذين الحديثين وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث لا عدوى المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى.

وأما حديث لا يورد ممرض على مصح فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء ويتعين المصير إليه] اه.

تابعت: المرض لا يعدي ولا تنتقل العدوى وتصيب الإنسان بذاتها، وإنما بقضاء الله وقدره، فهناك أمراض جعلها الله تعالى سببا لنقل العدوى بالمخالطة، أو بتعبير أدق لحدوث مرض مماثل لشخص آخر، ولكن ذلك على سبيل العادة الجارية، كتأثير النار بالإحراق، والماء بالري، والطعام بالشبع.

فإن كل التأثيرات وما شابهها إنما تقع بإرادة الله، وتتخلف كذلك، فهذا ما يجب الإيمان به، أما العمل فينبغي للمريض بمرض معد أن يحترز عن مخالطة الأصحاء حتى لا يكون سببا لجريان العادة عليهم أو سببا في زعزعة إيمانهم بأن ذلك قدر الله الواجب عدم الاعتراض عليه، إذ لا يد للمريض الأول فيه على الحقيقة.

ولكن الناس عادة في مثل هذه المواقف قد تذهل عن هذا المعنى ويغلب عليها سوء الظن فتقع بينها وبين المريض الوحشة والنفوريقول العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 476، ط. دار الكتب العلمية).

ويؤخذ مما ذكر أنه يعذر -أي من تخلف عن صلاة الجماعة- بالبخر والصنان المستحكم بطريق الأولى قاله في "المهمات"، وتوقف في الجذام والبرص، والمتجه كما قال الزركشي أنه يعذر بهما؛ لأن التأذي بهما أشد منه بأكل الثوم ونحوه، قال: وقد نقل القاضي عياض عن العلماء أن المجذوم والأبرص يمنعان من المسجد ومن صلاة الجماعة ومن اختلاطهما بالناس.

وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي، عن المجذوم والأبرص وذي الروائح الكريهة، هل تسقط عنه الجمعة والجماعة، ويمنع من شهودهما؟

فأجاب رحمه الله في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 240، ط. المكتبة الإسلامية) بقوله: "نقل ابن العماد عن بعض مشايخه أن الأبخر ومن به صنان مستحكم كمن أكل نحو الثوم، بل أفحش، قال: ومن رائحة ثيابه كريهة كذلك، وعن المالكية أن من ابتلي بجذام أو برص وهو من سكان المدارس والرباطات أزعج وأخرج؛ لحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وأتاه صلى الله عليه وآله وسلم مجذوم ليبايعه فقال: (أمسك يدك فقد بايعتك)، وورد أنه أكل معه، ولعله لبيان الجواز، إذا علم ذلك فيمنع من به ذلك من شهود الجمعة والجماعة ومن الشرب من السقايات المسبلة ولا يمنع من الصلاة وحده خلف الصفوف، وللغير منعه من الوقوف معه".

وبناء على ما سبق:

فإنه إذا تمكن المريض بمرض معد، أن يحضر صلاة الجماعة ويتخذ موضعا يصح له فيه الاقتداء بالإمام، ويغلب على ظنه ألا يتضرر به الناس، فيجوز له ذلك، وإلا فلا يجوز له إيذاء المسلمين بمرضه، ولا التسبب في الإضرار بهم.

وإن كان الإضرار من باب التسبب في جريان العادة، إذ كثير من الناس قد يذهلون عن أن وقوع المرض بالقدر لا بالعدوى، والانتقال من المريض الأول، فتقع العداوة أو الكراهية والنفور على خلاف ما قصده الشرع الشريف من صلاة الجماعة، وبث الشعور بالإخاء والمحبة بين المسلمين.


مواضيع متعلقة