نسائم معرض الكتاب

نسائم معرض الكتاب
مع مطلع كل عام ميلادي جديد تهل علينا نسائم يناير الباردة .. لا أقصد هنا نسائم عيد الميلاد المجيد ولا نسائم الأحداث التي تلت قرارات السادات الشهيرة في مطلع الثمانينيات ولا حتى نسائم ثورة يناير
النسائم التي أقصدها هنا هي نسائم معرض القاهرة الدولي للكتاب
ذلك العرس الثقافي الكبير والذي يقام بصفة دورية منذ أكثر من نصف قرن في نهاية شهر يناير وتحديدا في فترة إجازة منتصف العام الدراسي للمدارس والجامعات .. لم يتم إلغاء المعرض غير مرة واحدة فقط وكانت عام 2011 وذلك لظروف البلاد وقتها واندلاع ثورة يناير
كانت البداية في العام 1969 عندما كانت القاهرة تحتفل بمرور ألف عام على تأسيسها على يد القائد الفاطمي جوهر الصقلي .. وقتها قرر ثروت عكاشة وزير الثقافة أن يكون الاحتفال ثقافيا كذلك وعهد إلى طيبة الذكر الراحلة الدكتورة سهير القلماوي رئيس المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر - وهو الاسم القديم للهيئة المصرية العامة للكتاب - بتنظيم ذلك العرس الثقافي الكبير وكانت انطلاقته الأولى في أرض المعارض بالجزيرة - وهو المكان الحالي لدار الأوبرا المصرية - وقام الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بافتتاح الدورة الأولى للمعرض ليصبح الحدث الثقافي الأهم والأقدم عربيا ثم انتقل المعرض لأرض المعارض في مدينة نصر عام 1980 واستمر المعرض في الانعقاد هناك قبل أن يحط به الرحال العام الماضي في مركز مصر للمعارض الدولية في القاهرة الجديدة
اكتفى المعرض خلال سنواته التسع الأولى بأن يكون منفذا لبيع الكتب فقط قبل أن يتحول بعد ذلك لأكبر المنصات الثقافية في عالمنا العربي
مرت العديد من الأحداث الهامة على معرض القاهرة للكتاب لعل أبرزها ما حدث في عام 1981 والذي شهد مشاركة إسرائيل لأول مرة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بأمر مباشر من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات لكن مشاركتها لاقت اعتراضات ضخمة ورفض قاطع من جانب الشارع المصري لقرار التطبيع الاجباري وسرعان ما تحولت إلى مظاهرات اجتاحت الجناح الإسرائيلي بالرغم من حمايته من قوات الأمن وكانت مشاركة فاشلة .. تكرر الأمر بعدها بأربعة أعوام في العام 1985 عبر جناح أصغر في سرايا العرض فقط ولكنه لاقى نفس الرفض ليتم منع مشاركة إسرائيل تماما منذ عام 1987 وحتى اليوم
يأتي الحدث الأبرز الثاني في عام 1992 حين عُقدت أشهر المناظرات في تاريخ المعرض حيث ترتب عليها عمليتي اغتيال وقعتا لاحقا نجحت إحداهما وفشلت الأخرى .. حيث أعلنت الهيئة المصرية العامة للكتاب في الأول من يونيو عام 1992 أن هذا العام سيشهد مناظرات حول موضوعات شائكة في معرض الكتاب تحت عنوان مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية وكان أطراف المناظرة الشيخ محمد الغزالي والمستشار محمد مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة كممثلين عن التيار المؤيد للدولة الدينية بمختلف فصائلها وفي مواجهتهم الدكتور فرج فودة رئيس حزب المستقبل آنذاك والدكتور محمد أحمد خلف الله العضو البارز بحزب التجمع كممثلين عن الدولة المدنية .. وانتهت المناظرة التي أدارها سمير سرحان وحضرها ما يقرب من ثلاثين ألف شخص بتفوق كاسح للدكتور فرج فودة على الغزالي بشكل واضح حيث جعلهم فودة لا يستطيعون أن ينبسوا بكلمة واحدة ويقال أن يومها تقرر اغتيال كل من فرج فودة والذي نجحت عملية اغتياله بالفعل كما ذكرنا سالفا والأديب نجيب محفوظ والذي حفظته العناية الإلهية ونجا من بين أيدي قاتله .. قال وقتها الكاتب المصري الكبير ووزير الثقافة السابق حلمي النمنم أنه تأكد من اغتيال فرج فودة بعد أن رأى الهزيمة في أعين من ناظروه
شهد المعرض كذلك عدد من الأزمات في دوراته مثل عملية معرض الكتاب والاحتجاجات الشديدة من قبل الجماعات المتشددة عام 2000 على بعض المنشورات والكتب الصادرة عن دور نشر حكومية وخاصة والتي تحولت إلى تظاهرات نادرة الحدوث وقتها كما تعرض بعض الناشرين وباعة الكتب إلي التضييق على كتبهم ومنع بعضها من قبل الدولة عام 2005
في دورة هذا العام والتي تحمل الرقم 51 تم اختيار العظيم الراحل جمال حمدان صاحب موسوعة شخصية مصر وكتاب اليهود أنثروبولوجيا ليكون شخصية المعرض وتم اختيار جمهورية السنغال كضيف شرف المعرض وهو التقليد الذي بدأ منذ العام 2006 وكانت ألمانيا أول ضيف شرف للمعرض أنذاك
أصبح المعرض في العقد الأخير محطة للشباب من مختلف الفئات العمرية ولا أقصد هنا فئة الروائيين والكُتاب فحسب بل أقصد فئة رواد المعرض والتي أصبحت غالبيتها من الشباب بمختلف أعماره ليصبح المعرض فرصة كبيرة لتنشئة جيل جديد على حب الثقافة والقراءة وأخذه بعيدا عن مختلف المؤثرات الفاسدة والتي تستهدف الشباب المصري لتغييبه عن الواقع وفرض أفكار معينة أو اتجاهات محددة عليه ومنعه من التفكير والابتكار
نجح معرض القاهرة للكتاب أن يجذب العديد من فئات العالم المختلفة وأتمنى أن تنتقل تجربته إلى كافة معارض الكتاب الإقليمية الأخرى
رامي عبد الباقي
عضو تنسيقية الأحزاب