حـوادث الدراجات الهوائية.. الموت على قارعة الإهمال

حـوادث الدراجات الهوائية.. الموت على قارعة الإهمال
- الدرجات الهوائية
- حوادث الدراجات الهوائية
- وزارة النقل
- هيئة الطرق والكباري
- الطرق السريعة
- الدرجات الهوائية
- حوادث الدراجات الهوائية
- وزارة النقل
- هيئة الطرق والكباري
- الطرق السريعة
كعادته كل جمعة، وبحلول السادسة صباحاً، خرج يوسف أسامة، الطالب بكلية الهندسة، جامعة القاهرة، من منزله فى محافظة الجيزة مستقلاً درّاجته الهوائية إلى منطقة مصر الجديدة، حيث نقطة التقاء ممارسى رياضة الدرّاجات الهوائية، ليتوجه بعدها بصحبة إحدى المجموعات التى يرأسها إلى أحد الطرق السريعة التى يقع عليها اختيار الجميع، ويبدأ التمرين الذى يستمر لنحو 5 ساعات، وينتهى قبل رفع أذان الجمعة، لكن فى هذه المرّة، وتحديداً فى 13 ديسمبر الماضى، كتبت نهاية مختلفة للمهندس الشاب، الذى فقد حياته أثناء عودته من طريق السويس، بعدما اصطدمت سيارة من الخلف بدرّاجته، لتلقيه بقوة على جانب الطريق، ويخرج بعدها التقرير الطبى بأنّ الوفاة حدثت فى لحظتها نتيجة نزيف فى المخ وكسر مضاعف فى الجمجمة وكدمات وكسور متفرقة بالجسد.. «الوطن» تكشف فى هذا التحقيق جوانب من مسلسل تقصير وتقاعس وزارة النقل عن القيام بدورها فى توفير مسارات خاصة للدرّاجات الهوائية على الطرق السريعة، ما يؤدى إلى وقوع حوادث وحالات وفاة، حيث تواصلت معدة التحقيق مع درّاجين تعرضوا لحوادث وإصابات بالغة، كما تحدثنا إلى أعضاء فى اتحاد الدرّاجين، ومهندسى طرق وخبراء ومرور، أجمعوا على الإهمال الجسيم الذى تتعرض له هذه الفئة وضرورة الالتفات إليهم، حفاظاً على أرواحهم.
حادثة «يوسف»، التى قصها علينا عمر جاد الله، أحد أصدقائه المقربين، لم تكن هى الأولى من نوعها، فقبل نحو عامين توفيت لاعبة الدرّاجات، الدكتورة بسنت معاذ، فى حادثة مشابهة على طريق «السخنة»، الأمر الذى دفع الجهات المسئولة لتخصيص «مسار للدرّاجات» على ذلك الطريق فقط، لكنّ تلك الخطوة لم تمنع من استمرار وقوع مثل تلك الحوادث.
حادث موت محقق تعرض له صلاح الدين طارق، الشاب صاحب الـ29 عاماً، أثناء قيادة درّاجته فى أحد السباقات على طريق الإسكندرية الصحراوى، ونجا منه بأعجوبة، بعد أن انحرفت سيارة تسير بسرعة جنونية عن الطريق لتصطدم بـ«ميكروباص الدعم»، السيارة التى يستخدمها الدرّاجون لتسير ببطء إلى جوارهم على الطريق السريع لتزويدهم بالمياه والطعام والإسعافات الأولية، ليدخل بعدها الشاب العشرينى غرفة العناية المركزة بعد فقدانه الوعى ومن ثم الخضوع لعدة عمليات جراحية فى الفكين اللذين تهشما نتيجة اصطدام وجهه بأحد المصدات الأسمنتية الموجودة على جانب الطريق، كما أجرى جراحة أخرى فى معصم يده اليمنى، بالإضافة إلى ارتجاج بسيط فى المخ تعافى منه سريعاً بفضل «الخوذة» التى كان يرتديها.
"صلاح": "حصل لى تهشم فى الفكين وقعدت شهرين باتغذى بالسرنجة"
بداية الرحلة:
يروى «صلاح» الذى يعمل محاسباً فى إحدى شركات القطاع العام ويقطن بمنطقة المعادى تفاصيل الحادثة التى تعرّض لها فى مايو الماضى، ففى صباح الخميس الثانى من مايو استيقظ مبكراً كعادته، وأنهى بعض أعماله ليتمكن من اللحاق بـ«إيفنت» سباق الدرّاجات، الذى ينطلق من الإسكندرية وصولاً إلى القاهرة، وبعد دقائق قليلة من الغروب استقل «صلاح» درّاجته ليلتقى بأصدقائه فى نقطة التجمع المتفق عليها، ومن ثم السفر عبر إحدى وسائل المواصلات إلى الإسكندرية والمبيت فيها، والاستعداد صباحاً للعودة بالدرّاجات إلى العاصمة.
طريق العودة: عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، ينهض «صلاح» من فراشه ليرتدى «خوذته» والنظارة المخصصة للقيادة، دقائق قليلة مرّت قبل أن يستقل «صلاح» درّاجته لينطلق بعدها الفريق الذى تجاوز عدده الـ40 متسابقاً فى رحلة السفر عائدين إلى القاهرة، بدأوها من بوابات الإسكندرية حيث تشير اللوحات المعدنية المثبتة على جانبى الطريق أن عليهم قطع مسافة 165 كم للوصول إلى وجهتهم، كانت الرحلة تسير بشكل روتينى، فالمتسابقون جميعاً يقطعون الطريق بدرّاجاتهم ويسيرون فى أقصى اليمين تجنباً للسيارات وفق نظام متعارف عليه بينهم يسمى «الكتينة»، حيث يقول «صلاح»: «كنت قبل الإيفنت ده عامل مسافة 145 كم بالعجلة فى طريق الجلالة وماكنتش مصدق نفسى وكنت متحمس جداً إنى هكسب السباق ده»، وعن نظام الكتينة، يقول: «بنمشى بترتيب معين، فى الأول اتنين بيمشوا بدرّاجاتهم جنب بعض وبيكونوا فى مواجهة الهوا عشان يخففوا الضغط علينا وإحنا وراهم بنفس الطريقة، وبعدين لما بيتعبوا بيلفوا بدرّاجاتهم ويرجعوا فى آخر الفريق واللى بعدهم بيستلموا المهمة وهكذا».
ظل الوضع هادئاً، وبعد 40 كم من بداية السباق توقف الفريق دقائق قليلة فى إحدى الاستراحات وتحديداً فى قرية «النوبارية» ليلتقطوا أنفاسهم قبل استئناف الرحلة، لكن الأمور انقلبت بعد لحظات من عودة السباق عندما وجد «صلاح» نفسه متأخراً عن رفاقه، حينها قرر القيادة بشكل أسرع، وتمكن من رفع سرعته لتصبح 50 كم فى الساعة، وفجأة ودون سابق إنذار التقطت أذنا «صلاح» صوت فرامل سيارة بالقرب منه، يقول: «كنت مركز بس صوت الفرامل خضنى فبصيت على شمالى ناحية الصوت، لقيت كبوت الميكروباص لازق فى وشى ودى آخر حاجة فاكرها وغبت بعدها عن الوعى»، كان ذلك المشهد هو آخر ما علق فى ذاكرة «صلاح» ليتوقف أصدقاؤه بعد سماعهم صوت الاصطدام العنيف، حيث شاهدوا جسد «صلاح» يرتفع فى الهواء قبل أن يرتطم بأحد المصدات الأسمنتية الموجودة على جانبى الطريق، ليكمل بعدها زحفاً على وجهه من شدة الاصطدام قبل أن تسكن حركته تماماً، وبعد نحو ساعة من وقوع الحادث وصلت إحدى سيارات الإسعاف التى نقلت «صلاح» إلى مستشفى وادى النطرون لإجراء الإسعافات الأولية، إلا أن إصابة «صلاح» كانت خطيرة، حيث تبين بعد الفحص أن هناك تهشماً كاملاً فى الفكين، بالإضافة إلى كسر مضاعف فى معصم اليدين، وجروح قطعية فى الوجه والفم وجفن العين وتورم شديد فى الوجه والجسد، ليتم نقله بعدها لمستشفى الدفاع الجوى فى التجمع الخامس بالقاهرة، وهناك تم حجز «صلاح» لمدّة أسبوع فى إحدى غرف العناية المركزة، قبل أن يتم إجراء أول عملية له لتركيب شرائح فى الفكين، وبتأثر وحزن شديدين يروى «صلاح» تلك اللحظات: «كان وشى وارم والدكتور قال مش هقدر أفتح بالمشرط فى وشك ولازم نستنى الورم يخف عشان ممكن نقطع أعصاب، وماكنتش بعرف أتكلم وبشاور بس، ومبقدرش آكل ولا أشرب، كنت بشم ريحة الأكل وأتخيل طعمه، وبيتم تغذيتى بالمحاليل».
أيام ثقيلة عاشها الشاب العشرينى، فبعد أن هدأ الورم أجرى عملية جراحية لتركيب شرائح فى الفكين استغرقت نحو 8 ساعات، وبعد يومين فقط على الجراحة الأولى وبينما الجروح لم تلتئم بعد، خضع «صلاح» لجراحة أخرى فى مفصل يده اليمنى لتركيب شرائح وعمل جبيرة ليده اليسرى، وبعد مرور أسبوعين كان خلالها ممداً فوق أحد أسرّة المستشفى لا يقوى على التحرك حتى استقرت حالته وأذنت له إدارة المستشفى بالمغادرة.
فى منزل «صلاح» بمنطقة المعادى كانت الحياة متوقفة تماماً بالنسبة له، فأبسط الأشياء لم يكن يقوى على فعلها، حيث يصف تلك الفترة بأنها كالغمامة السوداء: «لما خرجت من المستشفى كان فمى لسه متخيط من جوه لحد ما الفكين يثبتوا، وقعدت على الوضع ده شهرين، كنت بتغذى بسرنجة فيها سوايل ووزنى نزل أكتر من النص وبدوخ من أقل مجهود»، وبعد مرور60 يوماً حان موعد إزالة السلك الطبى، كان ذلك اليوم بمثابة شهادة ميلاد جديدة بالنسبة لـ«صلاح»، يصف الشاب حاله أنه كان كالطفل الصغير الذى يتعلم للتو كيفية مضغ الطعام ويقول: «أول مرّة أكلت كنت مستغرب مذاق الأكل، وكنت نسيت إزاى أسنانى بمساعدة الفكين بيطحنوا الطعام، كانت معاناة بالنسبة لى فكرة إنى آكل»، يقول «صلاح» إنه بدأ فى التعافى، إلا أنه لا يزال غير قادر على قيادة الدرّاجة بسبب إصابة يديه، كما أنّ آثار الحادث خطّت على ملامحه بوضوح.
ب
"المصرى للدراجات": مسار القاهرة الجديدة لم يستمر طويلاً بسبب العشوائية وغياب الرقابة فضلاً عن استخدامه من قبَل السيارات والنقل السريع
تواصلنا مع فتحى القاضى، المستشار الفنى للاتحاد العربى للدراجات، لمعرفة موقف الاتحاد فيما يخص المطالبة بتصميم المسارات، حيث أكد «القاضى» أنّ هناك تقصيراً من الجهات المسئولة عن تخصيص مسارات للدرّاجات سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة، مشيراًَ إلى أن الاتحاد خاطب وزارة الشباب والرياضة ووزارة الإسكان منذ 6 سنوات وقدم إليهما طلبات رسمية بضرورة توفير المسارات بعرض لا يقل عن مترين، وبالفعل تم عمل مسار فى القاهرة الجديدة إلا أن الأمر لم يستمر طويلاً بسبب العشوائية وغياب الرقابة واستخدام المسار من قبَل السيارات والنقل السريع، كما أن الاتحاد خاطب الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة ولكن بشكل غير رسمى خلال جلسات خاصة ومقابلات، وحصلوا على وعود بالنظر فى الأمر ولكن ليس هناك شىء على أرض الواقع، ويقول «القاضى» إنه بسبب غياب مسارات الدرّاجات والخطورة التى تسببها الطرق السريعة فإن لاعبى المنتخب الوطنى للدرّاجات يقيمون تدريباتهم داخل إحدى المناطق العسكرية فى مدينة السويس بعد الحصول على تصريح بذلك.
يستطرد «صلاح» بعد أن يسند ظهره إلى الكرسى الذى يجلس فوقه، ويشبك يديه حتى تتداخل أصابعه، وترتسم على شفتيه ابتسامة تسافر به إلى بداياته فى ركوب الدرّاجات عندما كان طفلاً لم يبلغ عامه العاشر بعد، يتذكر «صلاح» عندما تمكن من شراء أول درّاجة وأخذ يتسابق بها مع أقرانه فى الشارع وتنبأ له الجميع حينها بمستقبل ناجح فى قيادة الدرّاجات، لكنه يقول بنبرة تحدٍ ورضا: «مش معنى إن حصلت لى ظروف إنى أستسلم حتى لو كان اللى حصل ده بسبب العجل اللى بحبه، وواثق إنى هقوم تانى وهعمل اللى معرفتش أعمله الشهور اللى فاتت».
"فيصل": أصبت بكسر فى عظمة الوجنة وأغلب إصابات الدرّاجين بتكون فى منطقة الرأس والوجه لأنها أول حاجة معرضة للاصطدام
حادثة أخرى تشبه إلى حد كبير التى تعرّض لها «صلاح»، لكن بطل القصة هذه المرّة كان للتو قد قطع خطوات قليلة نحو طريق العين السخنة «السريع»، فى طريق العودة إلى منزله الذى يقع بالقرب منه على أطراف القاهرة، لكن لم تمهله تلك السيارة التى كان يقودها مالكها بسرعة جنونية من الوصول إلى أطفاله بسلام بالرغم من بقائه أقصى يمين الطريق تجنباً لأى احتكاك، فقبل ثلاثة أشهر، وتحديداً يوم السبت التاسع عشر من أكتوبر الماضى، كان فيصل البحيرى، الموظف بإحدى شركات القطاع الخاص، قد استقل درّاجته صباحاً من محل إقامته بمنطقة زهراء المعادى، قبل أن يتركها ويبدأ فى الركض نحو ساعة ضمن عدد كبير من الأشخاص الذين يمارسون هواية ركوب الدرّاجات والجرى كل أسبوع، وبعد الانتهاء عاد «فيصل» مرة أخرى وقاد درّاجته وقبل دقائق من بلوغ منزله حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى الـ11 ظهراً، فى بداية طريق التسعين وجد الشاب صاحب الـ38 عاماً نفسه ملقى على الأرض بجانب الطريق وبالكاد يمكنه تحريك أطرافه.
بعد محاولات جهيدة لاستعادة توازنه، تمكن «فيصل» من مهاتفة والده، وإخباره بالحادث الذى تعرض له، لينقل بعدها إلى مستشفى الأندلسية بالمعادى، يروى «فيصل» صعوبة تلك اللحظات بشعوره بآلام حادة وقوية تهاجم كل عضلة وعظمة فى جسده: «كنت حاسس إن جسمى كله متكسر، وبعد الفحوصات عرفت إن عظمة الوجنة اللى فى خدى اتكسرت ولازم عملية ببنج كامل عشان أركب شريحة، ده غير الكدمات والجروح اللى كانت فى وشى وإيدى وركبتى وفخذى بالكامل»، يقول: «أغلب إصابات الدرّاجين أو الناس اللى بتركب عجل عموماً سواء على الطرق السريعة أو جوه البلد بتكون فى منطقة الرأس والوجه تحديداً لأنها بتكون أول حاجة معرضة للاصطدام وبعد كده الذراعين والأقدام»، 15 يوماً قضاها «فيصل» فى منزله حتى بدأت آلامه تتلاشى، وفور شعوره بالتحسن استقل درّاجته مرة أخرى بعد أن قام بتغيير الجزء الخلفى بالكامل والذى تدمر جراء الحادث، ورغم عدم التعافى بالكامل إلاّ أنّ «فيصل» تحامل على نفسه متجاهلاً أوجاعه وبدأ فى العودة إلى التدريب على الطرق السريعة مرّة أخرى، ضحكات متقطعة أطلقها الشاب الثلاثينى أثناء حديثه عن عشقه للدرّاجات ويقول: «العجل ده حلمى ورياضتى من وأنا صغير، والأسبوعين اللى قعدتهم فى البيت بعد العملية استحملتهم بالعافية وكنت بفرك عشان أنزل الشارع أركب عجل وأجرى».
يشير «فيصل» إلى أنّ طريق العين السخنة وطريق الإسماعيلية والسويس وإسكندرية الصحراوى والفيوم أشهر الطرق السريعة التى يسلكها الدرّاجون وتخلو من مسار للدرّاجات باستثناء طريق السخنة، بالإضافة إلى انعدام الوعى المجتمعى بهذه الفئة التى تستخدم الدرّاجات فى أغلب أعمالها، يقول: «أنا مثلاً واحد تعرضت لحادث أنا مش غلطان فيه إطلاقاً وكنت بسوق بسرعة بطيئة جداً تقريباً 15 كم/الساعة عشان كنت على مطلع وبرضه مش أول مرة أركب عجل أو لسه بتعلم وبقالى أربع سنين بسوق عجل وقطعت خلالها 10 آلاف كيلومتر، وسافرت من القاهرة للإسماعيلية فى 4 ساعات ونص وده يعتبر إنجاز»، ويتابع «فيصل» حديثه موضحاًَ أنه فى أحسن الأحوال التى يتعرض فيها الدرّاج إلى الحوادث وتدخلت العناية الإلهية فى نجاته من التعرض لأية إصابة فإن الدرّاجة سيكون مصيرها فى ورش الخردة، وهو ما يعد خسارة مادية جسيمة للشخص حيث يتعدى ثمن بعض الدرّاجات 100 ألف جنيه، مضيفاً بسخرية: «فيه مقولة بنقولها بينا: الإنسان بيخف لكن العجل مابيخفش».
أستاذ "هندسة الطرق": الحوادث التى يتعرض لها الدرّاجون تنتج عن تداخل المسارات.. ولا بد من مسار مستقل تماماً للدرّاجات
فى هذا الصدد، يقول دكتور مجدى صلاح الدين، أستاذ هندسة الطرق والمرور بكلية الهندسة جامعة القاهرة، إن الحوادث التى يتعرض لها الدرّاجون تنتج عن تداخل المسارات، لذلك لا بد من مسار مستقل تماماً للدرّاجات عن مسار السيارات ووسائل النقل الأخرى وأنه لا يمكن اقتطاع جزء من الطريق وخاصة السريع واعتباره مساراً للدرّاجات كما هو الحال فى طريق العين السخنة، ولكن يتم تخطيطه فى الأساس مع الطرق لعمل حساب التقاطعات ولتحقيق أعلى درجات الأمان وهو النظام المتبع فى الدول الأوروبية، مضيفاً أن للمحليات دوراً بارزاً فى عدم نجاح تجربة المسارات، يقول: «كان فيه مسارات من فترة طويلة فى بعض المناطق ولكن المحليات كانت بتلغيها وتضمها للرصيف»، مشيراًَ إلى أن هناك مواصفات قياسية للمسارات فيما يتعلق برصفها والمواد المستخدمة، حيث تختلف عن المواد المستخدمة فى الطرق العادية، وتتميز تلك المواد بالنسبة للمسارات بالليونة والمطاطية لتساعد الدرّاج أثناء القيادة بحيث إنها تسهل عملية انتقال الدرّاجات، ويشير «مجدى» إلى أن تخطيط وتنفيذ مسارات الدرّاجات لا تكلف الدولة ميزانية كبيرة ويمكن توفيرها.
"كمال": "عربية شالتنى على الدائرى وفضلت شهر مابقدرش أتحرك"
احترافه ركوب الدرّاجات منذ سبع سنوات وتسجيل أرقام قياسية تخطت الـ800 كم أثناء سفره من بوابات القاهرة وصولاً إلى شاطئ «حنكوراب» بمرسى علم استغرق خلالها 36 ساعة متواصلة على مدار يومين، الأمر الذى دفعه إلى تأسيس شركة تحمل اسم «جرابتى» لم تكن شفيعاً لصلاح كمال الذى شارف على بلوغ عامه الأربعين لتجنب حوادث الطرق التى يتعرض لها الدرّاجون، يقول «كمال»، الذى يعمل موظفاً بجامعة الدول العربية، إنه رياضى منذ سنوات وشارك أكثر من مرة فى ماراثون للدرّاجات، أطولها على الإطلاق من حيث المسافة كانت السفر بين أربع دول أوروبية وقطع مسافة 1000 كم، حيث بدأت الرحلة من إيطاليا وانتهت فى مدينة شتوتجارت فى ألمانيا، إلا أنّه رغم ذلك لم يسلم من التعرض لحادثة ظن أن حياته انتهت حينها كما يقول، يروى الرياضى الأربعينى تفاصيل الواقعة بعد أخذ نفس عميق والعودة بالذاكرة إلى الوراء قبل ثلاثة أشهر، يقول: «كنت راجع الساعة 9 الصبح من تمرين فى طريق العين السخنة وعلى الدائرى وتحديداً عند كارفور المعادى كنت ماشى أقصى اليمين وفجأة لقيت عربية بتشيلنى من ظهرى ولقيت نفسى بطير فى الهوا وبنزل براسى على الكبوت وبعدها اتنطرت على الأرض ووقعت على ظهرى»، ليتم نقله بعدها إلى مستشفى السلام الدولى بالمعادى لمعالجة كدماته، والتى من حسن حظه لم تصل إلى كسور، ما تسبب فى توقف «كمال» عن قيادة الدرّاجة لمدة تزيد على الشهر.
مجدى الشاهد، الخبير المرورى، الذى تحدثنا إليه للوقوف على مسببات هذه النوعية من الحوادث، قال إن المحليات لا تقوم بدورها الرقابى على رخصة قيادة الدرّاجات، ما يجعل الأمر يشبه الفوضى ويتسبب فى وقوع حوادث، حتى فى حال وفرت الدولة مسارات خاصة لسائقى الدرّاجات، كما يشير إلى أن المسئول عن توفير المسارات هى وزارة النقل متمثلة فى هيئة الطرق والكبارى، مضيفاً أنه لا بد من توفير أماكن انتظار أيضاًَ بجانب المسارات للتقليل من إمكانية وقوع الحوادث، ويشير «الشاهد» إلى أن نسبة حوادث الدرّاجات قد تتعدى الـ30% من بين سائقى الدرّاجات سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة بسبب غياب المسارات وكاميرات المراقبة، بالإضافة إلى التزام الدرّاجين على الطرق السريعة أقصى اليمين وهى الحارة المخصصة للنقل الثقيل وهو ما يجعلهم عرضة للحوادث.
خبير: هيئة الطرق والكبارى مسئولة عن توفير المسارات
تواصلنا مع محمد عز، مستشار وزير النقل، بصفتها الوزارة المسئولة عن توفير مسارات الدرّاجات الهوائية على الطرق السريعة لإبداء الأسباب وراء الأزمة، إلاّ أنّ الوزارة تجاهلت الرد أو التعليق رغم الوعود التى حصلنا عليها من «عز» بترتيب موعد مع رئيس هيئة الطرق للحصول على رد بهذا الشأن، إلاّ أنّ الأخير، وبحسب «عز»، طلب تأجيل الإدلاء بالرد على التحقيق لأجل لم يسمه.
لم يكن يخطر بمخيلة هؤلاء الدرّاجين أو يرد إلى أذهانهم أن رياضتهم التى برعوا فيها وكانت سبيلاً للترفيه ستكون سبباً فى تعرضهم لحوادث أودت بحياة البعض على ظهر درّاجاتهم بسبب غياب مسارات للدراجات الهوائية على الطرق السريعة لتصطبغ حياة ذويهم بالسواد، فى الوقت الذى كان فيه الحظ محالفاً لآخرين بعد تعرضهم لإصابات مميتة والتمكن من إنقاذهم، لتستمر حياتهم بعد رحلات شاقة من العلاج والتعافى إلا أن آثار تلك الجروح والندبات لا تزال تضع بصماتها بقوة فوق أجسادهم.