الخطيب التبريزي.. سفينة العلم اللغوي بين سوريا والعراق ومصر

الخطيب التبريزي.. سفينة العلم اللغوي بين سوريا والعراق ومصر
بخلاف علمه في اللغة والأدب، فقد كان رحالة بين الشام والعراق ومصر، رغم نشأته في إيران، لكن رحلاته لم تكن للسياحة بقدر ما كانت لتحصيل العلم سواء من الكتب أو من خلال أساتذة كبار كأبي علاء المعري.
هو أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني، المعروف بالخطيب التبريزي، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم، إذ توفي في 2 فبراير 1109، يعرف بكونه أحد أعلام اللغة والأدب في القرن الخامس الهجري، وصاحب الشروح المعروفة لعدد من المجموعات الشعرية، مثل: المعلقات والمفضليات والحماسة، اشتهر بنسبته إلى "تِبْريز" التي ولد فيها، وهي مدينة تقع في شمالي إيران غربي إقليم أذربيجان.
زار في مرحلة التكوين العلمي بغداد والبصرة وجرجان، وكانت مراكز علم وتحصيل استقى منها حفظًا وتدوينًا، قدرًا من المعرفة عاد به إلى تبريز، ثم خرج منها قاصدًا الشام ليلازم هناك أبا العلاء المعرّي، ويقرأ عليه "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري، إضافة إلى مؤلفات المعري الشعرية والنثرية، والكثير من الكتب الأدبية واللغوية، وتلك كانت أغنى مرحلة في حياة "التبريزي" استيعابًا وتحصيلًا وتأثّرًا بنهج المعرّي في شروح الشعر وتحليله، كما ظهر واضحًا في شروح التبريزي الشعرية الكثيرة المشابهة.
وممّا أسهم في تكوين ثقافة التبريزي أيضًا الرحلة في طلب العلم، ونفر من الأساتذة الثقات، واطلاعه على الكتب والمصنّفات في علوم الدين واللغة والنحو، فبعد أن كبر أستاذه المعرّي، لقي ابن الدهان في بغداد، وفي البصرة جلس إلى أبي الجوائز الحسين بن علي بن بازي الكاتب، في منزله، ثم إلى الشيخ أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني النحوي.
ومن الشام ينتقل إلى مصر، وقد أعد نفسه إعدادًا علميا أهله أن يجلس إليه بعض طالبي العلم كطاهر بن بابشاذ النحوي المصري، (ت 469هـ)، ليقرأ عليه مصنَّفات الأدب واللغة، وبعد أن يمضي التبريزي سنين طويلة متنقلًا بين الشام والعراق ومصر يعود إلى بغداد ليتخذها مقر إقامة إلى الممات.
وفي بغداد يعين أستاذًا في المدرسة النظامية، وقيما لخزانة كتبها، إلى جانب اشتغاله بالتدريس والتأليف والتصنيف، ممّا كانت حصيلته كتبًا وشروحًا ومصنّفات يغلب عليها الطابع اللغوي.
كانت آثار التبريزي العلمية متنوّعة تتوزّعها العلوم الدينية واللغوية، منها: "تفسير غريب القرآن"، "الملخّص في إعراب القرآن"، "تهذيب غريب الحديث"، "تهذيب إصلاح المنطق"، "تهذيب كتاب الألفاظ"، "تهذيب الغريب المصنّف"، "تهذيب مقاتل الفرسان"، "شرح اللُّمَع"، "مقدمة في النحو"، "الوافي في علم العروض والقوافي".
أمّا شروح الشعر فكانت كثيرة منها: "شرح بانت سعاد"، "شرح ديوان أبي تمّام"، "شرح ذيل المعلقات"، "شرح سقط الزند"، وقد تأثّر بهذه المؤلّفات واقتبس عنها كثير من اللغويين الخالفين كان معظمهم من تلامذته، من هؤلاء: ابن السيِّدْ البَطَلَيْوسي الأندلسي، وابن هشام النحوي المصري، وأبو البقاء العُكْبري، وعبدالقادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي وغيرهم.