"الوطن" تنشر مرافعة النيابة في قتل الطفلة "مكة".. "أمها رضعتها ميه نار"

"الوطن" تنشر مرافعة النيابة في قتل الطفلة "مكة".. "أمها رضعتها ميه نار"

"الوطن" تنشر مرافعة النيابة في قتل الطفلة "مكة".. "أمها رضعتها ميه نار"

شهدت محكمة جنايات دمنهور، أمس، نظر قضية قتل الطفلة "مكة" التي تبلغ من العمر يومين، على يد أمها وآخرين، بعد أن قامت الأم "المتهمة الرئيسية"، بإرضاع ابنتها "مياه نار" باستخدام سرنجة، ما تسبب فى قتلها في الحال.

وشهدت الجلسة مرافعة للنيابة العامة أجراها محمد السعيد عمر، رئيس نيابة شمال دمنهور، وعلي عبدالمنعم الصياد وكيل أول النيابة، أمام هيئة المحكمة، التي قررت حجز القضة للحكم لجلسة 27 من الشهر الجاري للنطق بالحكم.

وحصلت "الوطن"، على نص مرافعة النيابة كاملة التى تضمنت جزءا من تحقيقات النيابة واعترافات المتهمة الرئيسية، وأدلة الثبوت التي حددت دور كل متهم وأثبتت أن الأم "المتهمة الرئيسية"، أرضعت طفلتها "مياه نار" بسرنجة.

نص المرافعة 

بسم الله الرحمن الرحيم (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ) سورة طه، بسم الله الرحمن الرحيم (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) سورة الأنعام، سيدي الرئيس.. حضرات السادة المستشارين الأجلاء لئن كان شرف للنيابة العامة كعهدها أن تمثل المجتمع دائما.. فيما وقع عليه من جرم.. فقد وافاها الشرف قدرا وهي تمثله اليوم في ساحة عدلكم.. أنه عند المثول في هذه الساحة تحدث أمورا وأمور..  يقوم الحوار.. وتطرح الحجج.. وتزداد الدفوع.. يطلب العقاب.. وترجى البراءة.. وينتظر الحكم ولكن أي حكم؟ إنه حكمكم العادل.. إنه السيف الذي يقطع الشك يقينه.. إنه النور الذي ينجلي به ظلام تلك المأساة تلك التي تمخضت عن هذه الأوراق.. تلك التي إن كان متعيناً على النيابة العامة تصويرها والكتابة فيها.. فقد سطرتها بمداد أسود متسقا مع ما ران على قلوب هؤلاء المتهمين.

سيدي الرئيس.. إن المتهمة الماثلة أمامكم الآن في قفص الاتهام.. ارتكبت القتل في أبشع صوره.. ارتكبت جريمة شنعاء يندى لها الجبين.. إن جريمتها حملت بشائع.. إنها مزقت العيون بكاء.. وغيمت السماء عزاء.. جريمة عبرت عن حطة بشرية.. جريمة لم نجد لها مثيلا ولم يوجد لنعتها وصفا بديلا حين فعلتها.. تجردت من كل معان الأمومة.. بل ومن كل معان الإنسانية، إن الدواب لم تفعل ما فعلت، إننا مهما تخيلنا حدوث تلك الواقعة، فلا يخطر ببالنا أنه من الممكن أن يفعل ذلك أي مخلوق من المخلوقات، ومن قتلت سيدي الرئيس؟؟ إنها قتلت فلذة كبدها.. إنها قتلت طفلة لم تبلغ من العمر سوى ساعات.. إنها قتلت بدون أي مشاعر إنسانية... قتلت رضيعتها بكل قسوة.. بلا رأفة ولا شفقة.. فكرت ودبرت.. وأعدت العدة.. قدمت وبكل وضاعة الموت لرضيعتها وأخذت تتلذذ بعذابها وتروي ببكائها وضاعتها. لقد هانت على المتهمة نفسا بريئة طاهرة.. أفلا تهون علينا نفسها الخبيثة الدنيئة ونحن نطبق فيها شرع الله العادل. سيدي الرئيس.. يقبع في قفص الاتهام أمام عدالتكم المتهمون من الثاني وحتي الخامس.. وقد ارتكبوا جرائم ما كان لهم أن يرتكبوها.. فقد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر ربهم.. لقد فكروا ودبروا لإخفاء جرم المتهمة الأولى ومن أجل ذلك زوروا يريدون وأد الحق بعدما تبين لهم ولكنها عناية الله.

بسم الله الرحمن الرحيم (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) سورة إبراهيم، السيد الرئيس.. حضرات السادة المستشارين الأجلاء.... قضية اليوم هي قضية قتل عمد بجوهر يؤدي للوفاة.. مع سبق الإصرار.. قضية إزهاق نفس بشرية بدون وجه حق.. قضية فساد وإفساد في الأرض...

وقائع الدعوى

ولتسمح لي سيادة الرئيس أن أسرد موجزاً عن وقائع تلك الدعوى؛ فالله ادعوا أن يوفقني في تجسيد الواقعة.. لتظهر بالمظهر الذي كانت عليه... بدأت وقائع الدعوى سيدي الرئيس.. حينما أراد زوج المتهمة السفر خارج البلاد سعياً للرزق.. حالماً أن تعيش المتهمة وطفلته حياة كريمة.. غير عابئ بمشقة السفر ومرارة الاغتراب.. كل أمله في الحياة هو جمع الأموال للعيش في رغد.. إلا أن المتهمة وعقب وضعها نجلتها.. سولت لها نفسها الأمارة بالسوء.. وهداها عقلها الذي تمكن من رسم خطة شيطانية.. بنودها إعداد أدوات ارتكاب جريمتها.. والتوجه إلى الطفلة المجني عليها بغرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة للتخلص منها؛ وقد كان... فهذه المتهمة وبعد أن وضعت رضيعتها.. وخرجت هي من ذلك المركز الطبي.. تاركة إياها تحت الرعاية الطبيبة.. وسوس لها الشيطان التخلص منها.. فوقعت أسيرة له وأسلمته زمام عقلها؛ فأعدت محقنا طبيا ووضعت به مادة كاوية.. وتوجهت إلى رضيعتها بقسم رعاية الأطفال حديثي الولادة بمركز قرية المجد الطبي.. وتظاهرت برغبتها في إرضاعها وها هي الطفلة الرضيعة ساكنة مطمئنة نائمة كالملاك في فراشها.. فهل استعطف ذلك المشهد قلب المتهمة؟؟! هل عادت إلى رشدها وعدلت عن قصدها؟؟!.. كلا لم تفعل... بل صممت عليه ومضت إليه عازمة.. فها هي تحاول أن تختبئ عن كاميرات المراقبة.. تخفي ما بحوزتها من أدوات الجريمة... انظروا إليها سيدي الرئيس.. انظروا إليها وهي تخرج من جيبها ذلك المحقن اللعين.. انظروا إليها وهي ترضع نجلتها تلك المادة الكاوية.. انظروا إلى رضيعتها وهي تنظر في عينيها.. التي تشبعت بالشرور وتكتظ من الغيظ.. ألم يرجعها ذلك المشهد عن فعلتها.. ألم تستمع لنجلتها.. تحكي ولسان حالها أُماه لا أريد الموت.. أُماه أريد الحياة.. أُماه أريد عطفك وحنانك... ولكن أقول لها.. ابنتي.. إنها الذئب الذي جاء ليفترسك.. إنها قاتلتك.. وها هي المتهمة خلعت عن نفسها عاطفتي الأمومة والإنسانية وألقمت بفاه رضيعتها تلك المادة الكاوية.. غير مكترثة لبكائها.. تتلذذ بسماع آهاتها.. تسعد بتعذيبها.. وها هي المتهمة بعد أن ارتكبت فعلتها الدنيئة تستنجد بالممرضين والأطباء.. تحاول إخفاء فعلتها..سائلة بكل بجاحة ما سبب تلك الحروق المتواجدة بفاه نجلتها؟؟!! كأنها لم ترتكب شيئا.. فيفتضح أمرها بمراجعة المتهمين من الثاني حتى الخامس كاميرات المراقبة ليشاهدوا فعلتها ويكونوا من الآثمين.

بسم الله الرحمن الرحيم (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) سورة ال عمران، صدق الله العظيم، ففكروا ودبروا وزوروا لإخفاء تلك الجريمة الشنعاء.. فأخفوا أدلة الجريمة.. وتستروا على تسجيلات كاميرات المراقبة.. ولم يبلغوا جهات التحقيق عن تلك الواقعة.. وزوروا دفاتر الدخول والخروج للمركز الطبي وأثبتوا به واقعة على عكس الحقيقة بخروج الطفلة بحالة جيدة من المركز الطبي وعودتها عقب مرور سويعات وبها ما بها من إصابات.. ليخلوا مسئوليتهم عن ذلك الفعل الشنيع... بسم الله الرحمن الرحيم (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) صدق الله العظيم، وها هم المتهمون جميعاً.. بعد أن ارتكبوا فعلتهم يعودوا إلى ديارهم آمنين.. ينامون في فرشهم غير مكترثين أيها السادة.. أترك المتهمين يعودوا إلى ديارهم بعد أن قضوا جرمهم.. وأعود بكم إلى مسرح الجريمة.... انظروا إلى "مكة".. أنظروا إليها طريحة الفراش بحجرتها.. بعد أن أجريت إليها عدة جراحات لإسعافها.. ولكن هيهات هيهات.. فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها تشكو إليه ظلم المتهمين تبغي القصاص.

النيابة تستعرض أدلة الاتهامات بالصوت والصورة للمتهمة الرئيسية

وانقسمت أدلتُنا على ثبوتِ الاتهامِ في حقِّ المتهمين سيدي الرئيس.. إلى أنواعٍ ثلاثة:- أدلةٌ قولية وأدلةٌ مادية.. وأدلة فنية... أسردها على مسامع حضرتكم على النحو التالي:

أدلة قولية:

شهد علي إبراهيم السيد الصعيدي (والد المجني عليها).. أنه وحال عمله بخارج البلاد.. سعياً لأجل المتهمة الأولى زوجته والمجني عليها فلذة كبده؛ وعقب أن وضعت المتهمة الأولى مولودتها المجني عليها بتاريخ الرابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد؛ تلقي اتصالاً هاتفياً من شقيقه المتهم الثالث.. مخبراً إياه بقيام المتهمة الأولي بدس مادة كاوية بمحقن طبي.. وألقمت المجني عليها تلك المادة بفاها.. فأحدثت بها إصاباتها التي أودت بحياتها.. قاصدة من ذلك إزهاق روحها.. وأن تلك الواقعة قد التقطتها كاميرات المركز الطبي.. وأضاف بقيام المتهمين من الثاني وحتى الرابع.. بتزوير محررات (صحائف خروج ودخول غرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة).. والمنسوب صدورها لمركز الحمد الطبي.. بأن أثبتوا خروج المجني عليها رفقة أهليتها.. من الغرفة آنفة البيان بتاريخ السادس والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد.. وإعادة دخولها بذات التاريخ على خلاف الحقيقة.

شهد العميد أحمد علي لطفي؛ رئيس المباحث الجنائية بمديرية أمن البحيرة، أن تحرياته السرية أكدت اعتزام المتهمة الأولى قتل رضيعتها المجني عليها، حيث اختمر ذلك الفكر الشيطاني في رأسها واعتصره عقلها.. ونفاذاً لما أضلها إليه تفكيرها الشيطاني.. أعدت محقنا طبيا ودست به مادة قلوية كاوية.. وتوجهت لغرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة.. بمركز الحمد الطبي.. وتظاهرت برغبتها في إرضاعها.. وما أن ظفرت بالصغيرة حتى غدرت بها.. وخلعت عن نفسها عاطفتي الأمومة والإنسانية.. وألقمت بفاها تلك المادة آنفة الذكر.. فأحدثت بها إصابتها.. والتي فاضت على إثرها روحها إلى بارئها.. قاصدة من ذلك قتلها.

وأضاف أنه عقب صراخ المجني عليها.. ومراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة بالمركز الطبي، ومشاهدة المتهمين من الثاني وحتى الأخير للواقعة، اتفقوا على إخفاء أدلة الجريمة بالتستر على تلك التسجيلات.. وعدم الإبلاغ عن الواقعة.. واتفق المتهمون من الثاني وحتى الرابع، على تزوير صحائف الخروج والدخول لغرف رعاية الأطفال حديثي الولادة، بأن أثبتوا بها خروج المجني عليها رفقة أهليتها، بتاريخ الرابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد، وإعادة دخولها بذات التاريخ على خلاف الحقيقة، وتذييلها بتوقيعات المتهمين الثاني والثالث

الدليل الفني:

فقد ثبت بتقرير مصلحة الطب الشرعي، وما شد به الطبيب راجح عبدالله عواره، مجري الصفة التشريحية بالتحقيقات، أن إصابات المجني عليها آثار التئام بنية اللون متقددة، يشتبه أن تكون لمادة كاوية سائلة تحيط بالفم من جميع الجهات، وتغطي الوجنتين والذقن، وهي جائزة الحصول جراء تعاطي مادة قلوية كاوية، بتاريخ معاصر لارتكاب الواقعة، وتعزي الوفاة لتعاطي تلك المادة الآكلة الكاوية، وما ترتب عليها من فشل في التنفس وصدمة توكسيمية عامة.

كما ثبت بتقرير الهيئة الوطنية للإعلام (قطاع الهندسة الإذاعية)، أن المقاطع الملتقطة والمرسلة للفحص تسير بصورة طبيعية ولا يوجد بها مونتاج سواء بالحذف أو الإضافة، وأنه يظهر منها قيام السيدة القائمة بإرضاع صغير بإخراج محقن طبي (سرنجة) من جيبها، وأعطت الطفل الذي كان معها شيئا، ثم ألقت المحقن الطبي بسلة مهملات عقب تسليم الصغير للممرضة، وأن الصور الفوتوغرافية الملتقطة للمتهمة الأولى من قبل النيابة العامة والمرسلة هي للسيدة الظاهرة بالمقاطع المسجلة.

كما ثبت بتقرير أبحاث التزييف والتزوير، أن المتهم الرابع هو المحرر لبيانات إقرار الاستلام الثابت به أن كلا من المتهمين الثاني والثالث، قد استلما المجني عليها بتاريخ الرابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد، الساعة الثالثة وثلاثين دقيقة عصراً، وهو المحرر كذلك لصحيفة الدخول لقسم الحضانات الثابت بها إعادة دخول المجني عليها بذات التاريخ الساعة السادسة والنصف مساء.

الدليل المادي:

فقد أقرت المتهمة الأولى بالتحقيقات، بأنها السيدة الظاهرة بتسجيلات كاميرات المراقبة السالف ذكر محتواها، كما أقر المتهم الثاني (والد المتهمة الأولى) أن الأخيرة هي الظاهرة بتسجيلات كاميرات المراقبة، وأنها أخرجت محقنا طبيا من جيبها وألقمت محتواه بفم المجني عليها، كما أقر المتهمون من الثالث وحتى الأخير، بمشاهدتهم التسجيلات السالف ذكرها يوم الواقعة، وأنهم لم يبلغوا جهات التحقيق بها، كما أقر المتهمان الثاني والثالث، بتوقيعهما على المحرر المنسوب صدوره إليهما، والخاص بإثبات خروج المجني عليها من غرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة بمركز الحمد الطبي.

كما أقر المتهم الرابع، أنه اتفق مع المتهمين الثاني والثالث على إثبات خروج المجني عليها بتاريخ الرابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد، من غرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة رفقة أهليتها، وإعادة دخولها بذات التاريخ خلافاً للحقيقة، واتفقوا على عدم الإبلاغ عن الواقعة، وبسؤال "تيسير عبدالناصر محمود"، ممرضة بمركز الحمد الطبي، قررت بحضور المتهمة الأولى لغرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة، مفصحة عن رغبتها في إرضاع المجني عليها، فسلمتها إليها بحالة جيدة، وعقب انتهائها من إرضاعها، تبين لها سوء حالة المجني عليها، وظهور أعراض إصاباتها.

وحيث قدم المتهم الرابع إقراراً موقعا من المتهم الثاني، أثبت به مشاهدة الأخير لتسجيلات كاميرات المراقبة بغرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة، ووقع المتهم الثالث على ذلك الإقرار كشاهد، كما أقر المتهم الثاني بتوقيعه على الإقرار آنف البيان.

سيدي الرئيس حضرات السادة المستشارين، ها هي أدلة الثبوت قد وصلت بنا غايتَها من إثباتِ ما نسب للمتهمين عقْداً لم تنفرطْ له حبة، بنياناً متماسكاً يشدُّ بعضُّه بعضا.

الجانب القانوني

سيدي الرئيس حضرات السادة أعضاء الهيئة الموقرة.. هذه هي الواقعةُ برمتها هذه هي الفاجعةُ بما حوته من آثامٍ وآلام .. فماذا عن حديثِ القانونِ فيها؟؟ سيدي الرئيس أعلم يقيناً أن ما سأخوض فيه الآن من مسائل قانونية، أنتم أعلمُ بها مني.. ولكنّ النيابةَ العامة قد دأبت في مرافعاتِها.. على استعراض الجانبِ القانوني للواقعة.. حتى يبين الأساسُ القانوني التي استندت إليه في إسناد الاتهام للمتهمين.

انتهى وصفُنا القانونيّ للواقعةِ سيدي الرئيس، إلى أنها جنايةُ قتلٍ عمدي بجوهر يؤدي للوفاة مع سبق الإصرار، وتزوير محررات عرفية، وإخفاء أدلة الجريمة. ولعلّ الناظرَ في واقعاتِ دعوانا الراهنة.. يجدُها قد مثلت مثالاً حيّاً لهذه الجناية بكافة أركانِها وظروفِها المشددة.

وحرصاً على وقتكم الثمين وحتى لا أُطيل على حضاراتكم سأُقصِرُ حديثي عن القصد الجنائي الخاص بجريمة القتل، ثم أَعقُبُه بالحديث عن جريمة التزوير، وكذا إخفاء أدلة الجريمة.

أما عن القصد الجنائي الخاص، سيدي الرئيس، والذي يتمثل في نية إزهاق الروح، فقد قضى بأن "قصدَ القتل أمرٌ خفيّ لا يدرك بالحسِّ الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأماراتِ والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمرُه في نفسِه".. {طعن رقم 393 لسنة 34 ق}، هذا وقد جاءت ظروف الواقعة سيدي الرئيس، مبرهنةً بما لا يدع مجالاً للشك على توافر نية القتل لدى المتهمة، وهو ما اتضح بجلاء من رغبته في الخلاص من المجني عليه... فهي طفلة رضيعة، لا محالة أن إقامها تلك المادة سيؤدي بها إلى الهلاك والوفاة، وهو ما يبزغ معه نية إزهاق الروح، وقد تواترت أحكام النقض على أن جريمة القتل بالسم تحوي سبق الإصرار حتماً لا محالة، ولذلك فقد غلظ المشرع عقوبتها وأوصلها للإعدام، لما بها من خسة وغدر وخيانة.

أما عن جريمة التزوير سيدي الرئيس، فقوام ركنها المادي تغيير للحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق المبينة في القانون، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير، بينما ركنها المعنوي يتحقق بانصراف نية الجاني إلى ذلك التغيير، وإلى استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله، فقد أقر المتهمان الثاني والثالث، بتوقيعهما على المحرر المنسوب صدوره إليهما، والخاص بإثبات خروج المجني عليها من غرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة بمركز الحمد الطبي، وذلك على خلاف الحقيقة.

كما أقر المتهم الرابع، أنه اتفق مع المتهمين الثاني والثالث على إثبات خروج المجني عليها بتاريخ السادس والعشرين من شهر أغسطس لعام ألفين وتسعة عشر بعد الميلاد، من غرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة رفقة أهليتها، وإعادة دخولها بذات التاريخ، خلافاً للحقيقة، واتفاقهم على عدم الإبلاغ عن الواقعة، وهو ما تحقق معه ضرر بالغ تمثل في محاولة طمس الدليل على إدانة المتهمة بقتل طفلتها الرضيعة.

أما عن جريمة إخفاء أدلة الجريمة: فلم تفرق المادة 145 عقوبات في تحدثها عن أدلة الجريمة، بين أنواعها من مادية أو غير مادية، بل جاءت مطلقة، فمتى ثبت في حق المتهم أنه أخفى دليلا من أدلة الجريمة، وكان يعلم بوقوعها قاصدا من ذلك إعانة الجاني من وجه القضاء، فقد توافرت أركان الجريمة واستحق العقاب (الطعن رقم 4711 لسنة 20 ق جلسة 16/10/1950)، وقد أقر المتهمون من الثالث وحتى الأخير بمشاهدة التسجيلات السالف ذكرها يوم الواقعة، وأنهم لم يبلغوا جهات التحقيق بها.

كما قدم المتهم الرابع إقراراً موقعا من المتهم الثاني أثبت به مشاهدة الأخير لتسجيلات كاميرات المراقبة بغرفة رعاية الأطفال حديثي الولادة، وقام المتهم الثالث بالتوقيع على ذلك الإقرار كشاهد، وهو ما تحقق معه أركان تلك الجريمة وهو العلم بوقوع الجناية والمتمثل في الفعل المادي وهو السكوت عن الإبلاغ وتقديم التسجيلات والمحقن الطبي المستخدم والقصد الجنائي والباعث، وهو إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء.

الخاتمة

سيدي الرئيس، حضرات السادة المستشارين، الواقعة شنعاء نكراء، تجردت من كل معاني الإنسانية، وانزلقت الأفعال فيها لمرتبة الحيوانية، فالجناة القابعون خلف القضبان، اقترفوا جرائم آثمة، فيتعين أن يجنوا ثمار ما فعلوا، ويحق عليهم العقاب.

سيدي الرئيس، عدالة المحكمة الموقرة، أقف أمامكم ومن خلفي روح طاهرة بريئة سميت باسم أشرف بقاع الأرض، سميت "مكة"، تواتر هؤلاء المتهمون، كل وفق ما نسب إليه، على إتيان فعل قبلها، فالأولى غدرت ثم قتلت، والمتهمون من الثاني حتى الأخير، باعوا ضمائرهم فارتكبوا تزويراً لإخفاء أدلة الجريمة الأولى الواقعة عليها، فما الذي فعلته لتجني ذلك الشوك، ما الذي رأته في حياة الدنيا، ابنة اليومين ليجمع عليها المتهمون على هذا النحو، بأي ذنب قتلت؟.. إن المجني عليها وبحق لم يعد لها سوى قضاء عادل متمثل في هيئتكم الموقرة، فأنتم خلفاء الله في الأرض وفي حكمكم القصاص العادل.

قال تعالي "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"، سيدي الرئيس حضرات السادة القضاة، إن التاريخ ليفتح صفحاته ليكتب بأحرف من نور حكمكم التاريخي، وأن الأيام لشاهدة على اقتصاصكم العادل من نياتهم الخبيثة، فاقضوا فإننا على ثقة في قضائكم.

وأنهى ممثل النيابة المرافعة قائلا: "قد جئت للكون أشتاق المنى حلما.. في حضن أمي لترعاني مدى الدهر.. ما ذنبها الروح تصلى لوعة الغدر.. من قلب أم يصب الحقد كالقطر.. ما كنت أدري بأن الأم مقبرة.. والحلم أمسى رهينا ضمه قبري.. أماه يا منتهى الأوجاع والكرب.. هل ترضعيني لهيب النار والقهر.. سقت الغيوث ربوع الأرض قاطبة.. وسقيتيني من لظى الحرمان والقسر... وأنا البراءة قد خرجت إلى الدنا.. أرجو الحياة أسلم للقضا أمري.. أشتاق عمرا ككل الناس أحياه.. أضنيتيني بالردى في مطلع العمر.. فالأمن ولى من الأيام من قلبي.. والنفس تشكو ضياع الصبح للفجر".

سيدي الرئيس، حضرات السادة المستشارين، تطلب النيابة العامة توقيع أقصى عقوبة على المتهمين لينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم.


مواضيع متعلقة