أدب الطفل.. حواديت مسمومة وقيم مشوّهة ومؤلفات جنسية تغزو المكتبات

أدب الطفل.. حواديت مسمومة وقيم مشوّهة ومؤلفات جنسية تغزو المكتبات
من «ميكى جيب» و«فلاش» وصولاً لـ«ماجد»، مؤلفات خاطبت الأطفال على اختلاف مستوياتهم العمرية طوال عقود طويلة مضت، أفرزت أجيالاً من الشباب، تربوا على المبادئ السليمة لتنشئة الطفل، التى أثرت فى تشكيل الهوية الوطنية وتدعيم نسق القيم والأخلاقيات والسلوكيات السوية.
ولكن يبدو أن البوصلة المُخاطبة لعقول الأطفال قد تبدلت ملامحها، بحسب شكاوى أسرية وأخرى من المُطلعين على أدب الطفل فى مصر حالياً، حيث الفجوة باتت واضحة بين ما يقدمه مؤلفو أدب الطفل، وقرائهم من الأطفال، بسبب ما يتضمنه المحتوى من مواد غير مناسبة للسن والعقلية الخاصة بالطفل، سواء بسبب ما تفتقده تلك المؤلفات من الجاذبية المطلوبة، أو احتوائها على صور غير مناسبة للشرائح العمرية التى تتلقى هذا المنتج، أو ربما جمل حوار أو مواقف قد تتسبب فى تحول سلوكى غير مطلوب للأطفال، باتجاه العنف.
كتب موجهة للأطفال تحتوى على صور خارجة ونصوص تروج للرذيلة وتدعو للعنف وتهدد عقولهم
«الوطن» ترصد فى السطور التالية طرق حماية الأسرة لأطفالها من الروايات والقصص المشوهة، والتى تعج بها الأسواق، عن طريق الحرص على متابعة الصغار وكيفية تعاملهم مع مواقع التواصل الاجتماعى، والكتب التى يطلعون عليها، وأصدقاء الدراسة والنادى والشارع، مع ضرورة التشجيع على وجود محتوى ثقافى مختلف يتعرض له الطفل سواء من خلال الكتاب أو التليفزيون ما يخلق بدوره نوعاً من التوجيه، وعلاقة صداقة وود بين الطفل ووالديه.
وجود فجوة واضحة بين القارئ والمؤلف أمر غير محبذ فى جميع الأحوال، فالعلاقة الشخصية التى تظهر بين القارئ والمؤلف سببها المضمون الجيد الجذاب، غير ذلك يسبب فجوة، يحلها بعض المؤلفين أو الأدباء بوضع صور غير أخلاقية.. أو نساء عاريات.. أو ربما رجال يقتلون بعضهم بعضاً.. وفواحش.. وقصص غرامية تنتهى بزنى. كلها مضامين تخالف الدين والعقيدة، لجذب القارئ دون مراعاة لسنه، ومؤخراً انتشر العديد من المؤلفات تحمل هذه المضامين فى السوق كسوق الأزبكية والفجالة، وكأن الثقافة اتخذت محوراً جديداً لا علاقة له بطرق التثقيف التقليدية، خاصة تثقيف وتنشئة الطفل.
خلال تصفح موقع التواصل «فيس بوك» لاحظنا تعليقات عديدة لأمهات مفادها قيامهن بشراء كتب لتعليم وتثقيف أطفالهن، إلا أنهن فوجئن باحتوائها على مضامين تعبر عن العنف والكراهية والشر، فتواصلت النائبة داليا يوسف، عضو مجلس النواب مع هؤلاء وحصلت منهن على نسخ من هذه الكتب التى يتحدث بعضها عن لصوص فى حالة سكر اغتصبوا فتاة وقتلوها وقطعوا إصبعها ليسرقوا الخاتم، وأخرى تتناول كيفية ممارسة الجنس، ومصطلحات من نوعية العناق والجماع والسائل المنوى والتعطير وغيرها، وكتب تتحدث عن الفتوحات الإسلامية كلها دماء ورقاب مقطوعة، كل ذلك كان ثمار جولة النائبة فى شهر ديسمبر الماضى فى حى الأزبكية والفجالة، وتعج به الكتب التى تعارض قيم المجتمع المصرى، مثل كتاب خاتم السلطان وبعض كتب الروائى يعقوب الشارونى، بحسب ما روته لـ«الوطن».
نائب: لا بد من حصرها وتنقية الأسواق منها
وصفت «داليا» الأمر بأنه مسألة أمن قومى، ما دفعها لعرض هذه الكتب على لجنة الإعلام والثقافة بالبرلمان بداية شهر يناير لمناقشة الأمر ومحاولة التصدى لهذه الكتب، مؤكدة: «كتب الأطفال التى تُباع فى فى المحافظات والقاهرة وسور الأزبكية، تضم قصصاً جنسية وتعذيباً وكراهية».
وعقدت لجنة الثقافة والإعلام جلسة عن الموضوع، بحضور مندوب عن وزارة الثقافة اتضح أنه غير مختص، لأنه متخصص فى كتب الأطفال التى تصدر عن الوزارة فقط، أما الكتب المعنية بالأمر فصدرت عن مطابع خاصة، وبعضها صدر فى تونس وبيروت.
داليا يوسف: قريباً مشروع قانون لمراقبة المضامين الخاصة بالطفل
وأكدت «يوسف» أنه سيتم عقد جلسة قريباً تضم كافة المؤسسات التعليمية والأمنية والجمارك ومجالس الإعلام، لوضع حلول نهائية لمنع تداول هذه الكتب وتفعيل رقابة عليها، موضحة أنه سيتم صياغة قانون لمراجعة المادة الأدبية سواء فى الكتب أو الدراما والسينما.
لم تحتو المادة الأدبية الموجهة للأطفال منذ ٢٠ عاماً حتى وقتنا هذا على أى مضامين تخل بالذوق العام، بحسب فاطمة المعدول، متخصصة فى أدب الأطفال، لافتة إلى أن الكتب التى عثرت عليها النائبة البرلمانية كُتبت فى عصر قديم مضى، لم يكن لدى العامة فيه وعى كاف حول الجنس والعنف، قائلة: «ليه نركز فى الماضى خلينا نركز على الحاضر وما يكتب فيه بلاش نحكم على الماضى دون محاكاة الجديد»، مؤكدة: «مفيش حاجة اسمها أدب الطفل مش أى كتاب فيه ٥ ورقات نقول عليه أدب»، مشيرة إلى أن أدب الطفل غير متوافر فى العالم العربى كثيراً.
فاطمة المعدول: كتب قديمة بعضها تلقى مادته من التراث نفسه
لم يسر الأدب فى الوقت الحالى على نفس النهج الذى سار عليه قديماً، فتؤكد «فاطمة» فى حديثها لـ«الوطن»، أن الأدب الحديث تكون بشكل ملحوظ نتيجة وجود أقلام شابة ظهرت هدفها التثقيف بشكل جيد، وتتطور الأوضاع الاقتصادية والعوامل التى حفزت على الإبداع فى الأدب كالجوائز العالمية، مشددة على ضرورة تسلح الأديب بالإبداع، وكتابة ما يسعد الطفل وما يشبع احتياجاته ويغزى روحه ويعزز روح المتعة لديه. لم يكن الركود فى توزيع الكتب المتخصصة فى أدب الأطفال سببه محتواها المعقد، بل بسبب ظهور التطورات التكنولوجية التى أخذت القارئ بعيداً عن الكتاب الورقى، بحسب ما أكدته «فاطمة».
"الصفتى": التكنولوجيا سبب الفجوة بين الكاتب والطفل
هناك فجوة واضحة بين الأديب والقارئ فى الوقت الحالى، ما يدعو الأديب لكتابة مضامين جذابة تخلو أحياناً من الذوق العام، بحسب ما أكده خالد الصفتى، مؤلف وكاتب روائى، لافتاً إلى أنه لم يعد هناك طفل يخاطبه الأديب بسبب التكنولوجيا الفجة: «دلوقتى الطفل هو اللى عنده 3 سنين وده إزاى يقرأ»، مؤكداً: «لا يصح أن يقوم الأديب بعمل اللى عمله من 3 سنين فى الأدب»، مشيراً إلى أن الأدب الذى يستوعبه القارئ باتفاق المعايير الأخلاقية هو نجاح الأديب فى توصيل رسالته.
يمتلك الطفل آليات تعامل جيدة مع الوسائط الرقمية لا يمتلكها الأديب نفسه، بحسب «الصفتى»، لافتاً إلى أن الكتاب لا ينتهى فى ظل هذا الحروب والأمر يتوقف فقط على فترة الترنح بين استيعاب التكنولوجيا الجديدة والطرق التقليدية فى الكتابة، مؤكداً أنه يجب على الأديب أن تكون لديه ثقافة واسعة، لأن من صفات الطفل هى التساؤل الدائم، ويمتلك أسلوباً جذاباً فى العبارة.
"الصاوى": أدلة النائبة غير موضوعية ويعقوب الشارونى "أستاذنا وبيعلمنا"
وأبدت هجرة الصاوى، مؤلفة كتب أطفال، اعتراضها على تعليق النائبة داليا يوسف، قائلة: «أدب الطفل شهد تطوراً كبيراً فى الوقت الحالى، والدليل غير موضوعى الذى استندت إليه النائبة لأن يعقوب الشارونى رائد أدب الأطفال هو مكلف بتنقية أدب الطفل، «أستاذنا وبيعلمنا» فلا يمكن أن ينشر كتباً تحتوى على مضامين مخلة بالذوق العام، مضيفة أن كتاب خاتم السلطان لا يحتوى على أى مصطلحات تشوه صورة الثقافة المصرية.
الأديب المتخصص فى أدب الطفل أصبح أكثر وعياً فى الوقت الحالى نتيجة الانفتاح المعرفى بالتكنولوجيا ما مكنه من صياغة مادة أدبية قوية وجذابة، بحسب «الصاوى».
واقرأ أيضاً:
علماء نفس: يجب تنقية الأدب الموجه للنشء من المواد الدخيلة
خبراء إعلام: نفتقد المضمون الهادف والراقي في الكتابة للطفل