"الأشجار".. الجمال الغائب في شوارع المحروسة

"الأشجار".. الجمال الغائب في شوارع المحروسة
- التشجير
- الأشجار
- زراعة الأشجار
- تشجير الأحياء
- بحوث البساتين
- زراعة الشجر
- الزينة
- أشجار الڤيكس
- التشجير
- الأشجار
- زراعة الأشجار
- تشجير الأحياء
- بحوث البساتين
- زراعة الشجر
- الزينة
- أشجار الڤيكس
لا تزال «العشوائية»، هى المسيطرة على نمط وطريقة التشجير فى معظم الشوارع الآن، فى ظل إهمال الخبرات والمعايير العلمية العالمية فى هذا الصدد، وانتشار أشجار غير مناسبة للأماكن المزروعة بها، بل وأحياناً كثيرة ما تكون ضارة، فى ظل غياب الأشجار التى يجب أن تكون بها، والتى يمكن أن تجعلها أكثر جمالاً، وتوفر بيئة صحية للبشر، وتحقق استفادة أكبر للدولة.. وفى محاولتهم لتلخيص أبرز مشاكل تشجير الشوارع فى مصر، يؤكد الخبراء فى مجال التشجير والزينة أنها تشمل التركيز بشكل خاطئ على زراعة نوع شجرى واحد فى الشوارع، وهو «الڤيكس نتدا»، وعدم اختيار الأنواع الشجرية الملائمة لكل موقع وطبيعته، وعدم وجود متابعة وصيانة للأشجار بالقدر المناسب، ناهيك عن قطع الأشجار من على الطرق دون محاسبة، وأحياناً بموافقة الأحياء دون الرجوع لجهة متخصصة، هذا فضلاً عن مذابح الأشجار الأخرى التى تتكرر فى أنحاء مختلفة بين الحين والآخر.
إهمال الخبرات والمعايير العلمية العالمية أهم الأسباب
وفى المقابل يطرح الخبراء خطة وخريطة بديلة للتشجير فى شوارع مصر، تحدد بدقة ما الأنواع التى يمكن زراعتها فى المدن، وأى منها يمكن زراعته فى الشوارع الرئيسية وماذا يمكن زراعته فى الشوارع ذات المبانى المرتفعة أو المنخفضة، أو المناطق التى تعانى من نسب تلوث مرتفعة، هذا فضلاً عن تحديد الأنواع المناسبة للريف، وتوضيح خطورة الدعوات المنتشرة لزراعة الأشجار المثمرة فى شوارع المدن، وتأكيدهم فى النهاية على ضرورة إنشاء هيئة متخصصة تشرف على تنفيذ هذه الخطة وتقضى على عشوائية التشجير القائمة.
العشوائية تسيطر على تشجير الأحياء العريقة.. وإنشاء هيئة متخصصة هو الحل
على مدار الأسابيع القليلة الماضية شهد شارع «مصدق»، الواقع بحى الدقى العريق، عدة تغييرات لا تخلو من دلالة فى نمط تشجير الجزيرة الوسطى للشارع، ففى البداية تم عمل أحواض وضعت بها شتلات لأشجار «توت» و«جوافة»، وسط تساؤلات من المارة عن مستقبلها وكيف يمكن التقاط الثمار منها مستقبلاً فى هذا الشارع الذى تمر به آلاف السيارات يومياً. بعد أيام قليلة، كانت هذه الشتلات قد جفت أو ماتت، وعاد المسئولون عن التشجير بالحى لصوابهم، فيما يبدو، وأزالوها، لكنهم وضعوا مكانها فى نفس الأحواض «نجيلة» ونباتات زينة صغيرة، لتجاور أعداداً من أشجار «الڤيكس» القديمة التى كانت مزروعة أصلاً فى الشارع.
هذه المظاهر كلها يعتبرها المتخصصون فى التشجير والزينة مثالاً بسيطاً لمظاهر «العشوائية» المسيطرة على نمط وطريقة التشجير فى معظم شوارع مصر الآن، فى ظل إهمال الخبرات والمعايير العلمية العالمية، وانتشار أشجار غير مناسبة للأماكن المزروعة بها، بل وأحياناً كثيرة ما تكون ضارة، فى ظل غياب الأشجار التى يجب أن تكون بها، والتى يمكن أن تجعلها أكثر جمالاً، وتوفر بيئة صحية للبشر، وتحقق استفادة أكبر للدولة.
وفى محاولتها لتلخيص أهم المشاكل والسلبيات القائمة فى تشجير الشوارع، تشير الدكتورة مها فاروق، أستاذ ورئيس قسم بحوث الأشجار الخشبية بمعهد بحوث البساتين، إلى أنها تتمثل فى التركيز بشكل خاطئ على زراعة نوع شجرى واحد فى الشوارع، وهو «الڤيكس نتدا»، وعدم اختيار الأنواع الشجرية الملائمة لكل موقع أو مكان معين، وعدم وجود متابعة وصيانة للأشجار بالقدر المناسب، ناهيك عن قطع الأشجار من على الطرق دون محاسبة، وأحياناً بموافقة الأحياء دون الرجوع لجهة متخصصة.
تتوسع رئيس قسم الأشجار الخشبية فى تفصيل وتوضيح ما أجملته سابقاً، قائلة: «يعتبر التركيز على نوع واحد فى تشجير الشوارع من أهم عيوب التشجير فى مصر، وذلك لأسباب عديدة من أهمها أنه عند التركيز على زراعة نوع شجرى واحد، فإنه فى حال تعرض هذا النوع إلى الإصابة الحشرية أو المرضية التى قد تضعف نموه أو تقضى عليه، فإن هذا يعرّض عملية التشجير كلها للخطر وفقد الثروة الشجرية وإهدار الأموال، ناهيك عن الوقت الطويل الذى نحتاجه لتعويض هذه الأشجار والوصول للوضع السابق للإصابة».
ولعل ما يفاقم من مشكلة الاعتماد على «الڤيكس نيتدا» بشكل رئيسى أنه «من الأشجار مستديمة الخضرة والتى تناسب الأماكن المعتنى بها لأنها تحتاج إلى القص والتشكيل لإعطاء الشكل الجمالى المميز لها، أما إذا تُركت دون عناية وقص وتشكيل، كما هو الحال فى كثير من شوارعنا، فإنه يتراكم عليها الكثير من الغبار والعناصر الضارة مثل الرصاص، مما يعمل على سد فتحات الثغور الموجودة على الأوراق، وبالتالى لا يسمح بمرور ثانى أكسيد الكربون وأشعة الشمس اللازمة لعملية البناء الضوئى، ويؤثر سلباً على نمو الأشجار ويؤدى فى النهاية لموتها، إضافة إلى أن تراكم الغبار والأتربة على الأشجار يفقدها الشكل الجمالى، والأكثر من هذا أن أشجار الڤيكس غير المعتنى بها تكون محملة بكميات وأنواع عديدة من الآفات والحشرات».
وتتفق الدكتورة سوسن سامى، أستاذ ورئيس قسم الزينة بمعهد بحوث البساتين، مع الانتقادات الموجهة لانتشار أشجار الڤيكس فى الشوارع خلال العشرين سنة الأخيرة، بعد أن حلت محل الأشجار المصرية القديمة، التى كان لها جمالها من حيث أزهارها وجذوعها، مشيرة إلى أن أشجار الڤيكس تعتبر عوائل لحشرات كثيرة، كما أن جذورها قوية جداً، وتتعمق وتسبب أضراراً كثيرة، وذلك نتيجة لشراهتها للمياه، حيث إنها يمكن أن تؤدى لتكسير الجذر الوسطى للشوارع إذا كانت مزروعة فيها، كما تؤدى لتكسير مواسير وشبكات الصرف الصحى إذا ما تم زراعتها بجوار المبانى، ونفس هذه العيوب تنطبق على شجر «البزروميا» المستورد، الذى انتشر بكثرة فى الآونة الأخيرة أيضاً. وتوضح «سوسن» فى المقابل أن أشجار «الڤيكس» لها استخدامات محددة وتوظيف معين بالحدائق، وهو قصها بأشكال جمالية معينة والمحافظة على قصها، بنماذج مثلثة أو مدورة، حتى لا تتغول.
أشجار "الڤيكس" الشائعة تصاب بحشرات وأمراض وتهدد شبكات الصرف وزراعة نوع شجرى واحد تعرّض العملية كلها للخطر
وفى مقابل السيطرة الحالية لشجرة «الڤيكس» الضارة، تؤكد رئيس قسم بحوث الأشجار الخشبية أن «زراعة أنواع مختلفة من الأشجار تُثرى البيئة بأنواع شجرية مختلفة فتعطينا مميزات كثيرة مثل ألوان الأزهار المتنوعة وشكل الأوراق واختلاف أشكال تيجان الأشجار وتنظيم الأفرع، وأيضاً اختلاف موعد تساقط الأوراق وظهور الأوراق فى الربيع إما مبكرة أو متأخرة. إضافة إلى أنه فى حال تعرّض نوع شجرى لإصابة مرضية أو حشرية فإن هذا لا يعرّض الثروة الشجرية كلها لخطر الفقد».
وهو ما تؤكده أيضاً الدكتورة سوسن سامى، مشيرة إلى أن الشوارع المصرية فى الأحياء القديمة كانت عامرة بأشجار متنوعة مثل «الجاكرندا، والبوانسيانا، والكاسيانيدوزا، والبوهينيا أو خف الجمل، وشجرة الكوريزيا»، وأنواع كثيرة أخرى من الشجر، لا تزال شاهدة على ما كانت عليه شوارعنا قديماً، وهى أشجار تتناسب مع جو مصر وارتفاع درجات الحرارة بها صيفاً التى تحتاج لأشجار نموها خيمى ومورقة وتعطى نمواً خضرياً فى الصيف وبالتالى توفر الظل للمارة، وفى نفس الوقت أوراقها متساقطة فى الشتاء، وهو ما يسمح بتخلل الشمس للشوارع والمارة، هذا فضلاً عن أن هذه الأشجار مزهرة، ومع اختلاف المواسم كانت تعطى جمالاً ورونقاً للشوارع المصرية القديمة، وهو الأمر الذى لا وجود له الآن فى معظم شوارعنا.
غير أن عملية اختيار أنواع شجرية مختلفة لزراعتها تخضع لمعايير كثيرة، وتعتمد على المكان وطبيعة البيئة والسكان، وفقاً للدكتورة مها فاروق: «فهناك أنواع أكثر ملاءمة للمدن وأنواع أخرى أكثر ملاءمة للريف، وعلى سبيل المثال فإنه يمكن زراعة أشجار مثمرة مثل التوت والجميز والنبق على جوانب الترع فى الريف دون أن نخشى عليها من عبث المارة، لأن الإنسان فى الريف معتاد على التعايش مع المزروعات بصفة عامة ويقدر قيمتها ويحافظ عليها لأنها تحقق له استفادة مباشرة له وللآخرين».
اختيار نوع أشجار فى المدن لا يراعى الطراز المعمارى واتساع الشوارع وارتفاع المبانى
وفى مقابل ما سبق، حسبما تضيف «مها»، فإن هناك عوامل كثيرة تُحدد اختيار نوع الأشجار فى المدن وغيرها، منها الطراز المعمارى وارتفاع المبانى، واتساع وطول الشوارع، وهل هى رئيسية أو فرعية. وبالنسبة للأشجار المناسبة للمبانى المرتفعة على سبيل المثال يمكن زراعة الأشجار التى تصل لارتفاع عالٍ ويكون لها تاج مناسب مثل أشجار الصنوبر والتاكسوديوم، وبالنسبة للمبانى المنخفضة يمكن اختيار الأشجار متوسطة الارتفاع مثل «الحور»، و«اللبخ»، و«البومباكس»، و«أبوالمكارم»، و«السرسوع»، وبخصوص المبانى ذات العرض المحدود يمكن زراعة الأشجار منتظمة النمو ومحدودة التاج مثل «السرو»، وفى كل الأحوال لا بد من توافر خرائط موضح عليها أماكن وسائل توصيل الخدمات المدفونة فى الأرض مثل مواسير مياه الشرب والصرف وخطوط الكهرباء والغاز والتليفون لمراعاة ذلك عند الزراعة.
أما بالنسبة للشوارع الرئيسية فيجب أن تكون هناك مساحة واسعة للزراعة على جانبى الطريق بأكثر من صف وذلك على مسافات واسعة، بحيث إنه لو هناك شخص واقف فى أى اتجاه وعلى بعد يمكن أن يكشف المكان على مرمى بصره، وبالنسبة لهذه الشوارع يمكن اختيار الأشجار المناسبة للبيئة، حيث يمكن مثلاً زراعة «الصنوبر»، و«الكافور الليمونى»، و«الحور»، و«السرو»، و«السرسوع»، و«الماهوجنى»، و«اللبخ»، وغيرها.
ومن بين المعايير التى يتم على أساسها اختيار الأنواع الشجرية لزراعتها، الغرض الذى نزرع من أجله الأشجار، ومن أهم الأغراض فى مصر بصفة عامة هو توفير الظل نظراً لارتفاع درجات الحرارة فى فصل الصيف، والتى تؤدى لإصابة الإنسان بأمراض خطيرة من تكرار التعرض لأشعة الشمس بصفة مستمرة لفترات طويلة، هذا فضلاً عن حماية الجسور والترع والمصارف فى الريف، وحماية الطرق الصحراوية من زحف الرمال، وحماية الأسفلت والعمل على إطالة عمره.
ومن بين الأغراض الأخرى التى يتم على أساسها اختيار أنواع الأشجار التى يجب أن يتم زراعتها، حسبما توضح «فاروق»: «التخفيف من آثار التلوث الهوائى برفع الغبار والعوالق بالجو إلى طبقات أعلى من مستوى الإنسان.
أو أن تُزرع الأشجار لغرض حجب مناظر غير مرغوب فى رؤيتها أو العمل على تحقيق الخصوصية لمبنى ما أو إخفاء عيوب التصميم المعمارى. أو أن تكون هناك منطقة بها نسبة عالية من الضوضاء والتى تتسبب فى التلوث السمعى، فيجب تشجيرها بالأنواع والكثافة الملائمة، للحد من الآثار السلبية للضوضاء».
"السرسوع" و"أبوالمكارم" يواجهان التلوث.. و"الصنوبر" مناسب للمبانى المرتفعة
وعن الأشجار الملائمة لمواجهة تلوث الهواء، تأتى أشجار «السرسوع»، و«أبوالمكارم» التى تعتبر من الأشجار التى تتحمل التلوث، وأيضاً «الحور»، لأنه متساقط الأوراق وبالتالى يتخلص من الأوراق القديمة بما تحمله من غبار وتراكم لعناصر ضارة، كما أنه يُجدد أوراقه فى الربيع بما يعطى الشكل الجمالى والصحى للشجرة مرة أخرى، أما عن التلوث بالضوضاء فكل أنواع الأشجار تعمل على تشتيت الصوت وبالتالى يخف تأثيره على الإنسان، شريطة أن تكون كمية التشجير مناسبة للمساحة.
وإلى جانب ما سبق، فإن هناك مواصفات ينبغى توافرها فى شتلات الأشجار التى سيتم زراعتها، ولا يتم مراعاتها الآن، حيث تلفت «فاروق» النظر إلى أنه «عند زراعة أشجار الشوارع لا بد أن تُربى الشتلة فى مشاتل جيدة موثوق بها حتى يصل عمرها لما لا يقل عن 5 سنوات بالنسبة للأشجار عريضة الأوراق، و10 إلى 12 سنة للمخروطيات، هذا فضلاً عن ضرورة أن يكون ارتفاع وسمك الساق مناسبة ومطابقة لمواصفات النوع الشجرى ليتحمل الزراعة فى الشارع، كما يجب كذلك أن تكون الشتلات بحالة صحية جيدة غير مصابة بالأمراض أو الآفات، علماً بأنه يشترط أساساً فى أشجار الشوارع اختيار الأنواع التى لا تصاب أو يندر إصابتها بالأمراض أو الحشرات، مع الأخذ فى الاعتبار أن تتم هذه العمليات تحت إشراف فنى متخصص.
وإلى جانب ما سبق، تشير رئيس قسم الأشجار الخشبية أيضاً إلى «عدم كفاية وكفاءة المتابعة والصيانة لأشجار الشوارع، فهى إما أنها لا تتم مطلقاً أو إذا تم جزء منها يكون بصورة خاطئة، حيث نجد مثلاً أن الأشجار التى يجب قصها وتشكيلها مثل «الڤيكس»، يتم تركها إلى أن تطغى على المكان والأشجار التى يجب ألا تُقلّم، نظراً لأن طبيعة نموها منتظمة، تُقلّم بطريقة خاطئة تشوه جمالها.
وهو ما يتفق معه الدكتور محمد هشام، أستاذ الأشجار بمعهد بحوث البساتين، مشيراً إلى أن الشجر كائن حى، مثله مثل الإنسان، ويحتاج للأكل والشرب والرعاية والنظافة، وهو ما لا يحدث لدينا، لافتاً إلى أن هناك جزءاً من المسئولية وراء ذلك يقع على عاتق المسئولين، وجزءاً آخر يتعلق بوعى الشعب الغائب تجاه التعامل مع الأشجار.
ويضيف «هشام»: «للأسف طريقة تعامل المواطنين والأفراد مع الأشجار يمكن أن نقول عنها إنها وحشية، ولا يوجد احترام لها أو رعاية، حيث نجد من يقطع شجرة أو فروعاً منها أو أوراقاً دون داعٍ، ونجد من يضع عليها حامضاً أو مبيداً لقتلها، لمجرد أنها مزروعة أمام محل، أو يسد بالأسمنت الجورة التى يفترض أن تأخذ منها الشجرة المياه والسماد والتهوية، بحجة مساواتها بالرصيف».
لكن أستاذ الأشجار الخشبية يعود ويرجع غياب الوعى السليم لدى المواطنين فيما يتعلق بالتعامل مع الأشجار إلى غياب المناهج والبرامج التعليمية التى من شأنها غرس هذه المعلومات لدى المواطنين منذ سن المدرسة.
وأخيراً، وفى إطار محاولات إنهاء عشوائية تشجير الشوارع والتى يعود أحد أسبابها لوجود أكثر من جهة مسئولة عن التشجير، حسبما يذهب المتخصصون، تشير الدكتورة مها فاروق، رئيس قسم بحوث الأشجار الخشبية والغابات، إلى وجود توصية من جانب القسم بأن يكون تشجير الشوارع مسئولية هيئة متخصصة تكون مسئولة عن التشجير بداية من التصميم إلى التنفيذ والمتابعة الدائمة، وذلك لضمان خضوع كل ما يخص التشجير لجهة واحدة.