بريطانيا ترسم خريطة الواقع والتحديات في أفريقيا بعد "بريكست"

كتب: دينا عبدالخالق

بريطانيا ترسم خريطة الواقع والتحديات في أفريقيا بعد "بريكست"

بريطانيا ترسم خريطة الواقع والتحديات في أفريقيا بعد "بريكست"

احتضنت لندن أعمال قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية، بمشاركة 16 من قادة القارة السمراء، وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى ممثلي 6 دول أفريقية أخرى، بينهم رؤساء حكومات.

واستعرضت القمة الخطوات الواعدة والتدابير المالية التي اتخذتها الحكومات الأفريقية لإبقاء القارة على المسار الصحيح وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ودخول المملكة المتحدة إلى المشهد الأفريقي على غرار دول كبرى مثل روسيا وألمانيا والصين.

ووفقا لدراسة بحثية أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أشار إلى أنه يفسر الكثير أية محاولة من طرف دولي بتعزيز آفاق التعاون مع القارة الإفريقية، في سياق التنافس المحموم الذي تشهده القارة من أجل الحصول على ميزة تفضيلية للوصول إلى أسواقها، أو من أجل ترسيخ نفوذ سياسي، مؤكدا أن أفريقيا أصبحت حاضرة في المشهد الدولي وفارضة نفسها على خارطة الاقتصاد العالمي، بما يحقق مصلحة متكافئة للطرفين، دون استغلال لموارد القارة كما كان يحدث في السابق.

وتابع أنه مع أهمية التدافع من أجل الحصول على ميزة تفضيلة في الأسواق الإفريقية، وارتفاع نسب القارة من بين القارات الأخرى في تدفق الاستثمارات الأجنبية، نسبًيا مقارنة بالأعوام الماضية، لذلك أقيمت " القمة البريطانية الإفريقية".

وتحت عنوان "مستقبل الوجود البريطاني في إفريقيا" فند المركز المصري رؤيته للعلاقات بين الطرفين بالأعوام المقبلة، موضحا أنه على الرغم من أن الوقت الراهن يعد بمثابة لحظة سانحة لشركاء التنمية لتعزيز التعاون مع القارة، مع انفتاحها على الشركاء الدوليين وتطلعها إلى تحقيق التنمية، من أجل المضي قدما في تحقيق أفضل استثمار ممكن للموارد المادية والبشرية، بما يحقق أهداف التنمية اللفريقية 2063 .

الديون الصينية والقوة التنافسية.. تحديات تواجه بريطانيا في القارة السمراء

ويأتي ذلك في ظل مشكلات التجارة الدولية، والقيود التي تشهدها الأسواق العالمية، وانكماش حجم الاستثمارات العالمية، إلى أن الأسواق الأفريقية ترتفع تنافسيتها من بين الأسواق العالمية، نظرا لانخفاض تكلفة اختراقها عما سواها من الأسواق، وإن كانت تكلفة المخاطر ما زالت مرتفعة في ظل الصراعات التي تشهدها الدول الإفريقية، إلا أن الأسواق الأفريقية ما زالت أعلى جاذبية من غيرها الآن، وهو ما يفسر حالة التدافع الدولي على القارة مؤخًرا من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات بها، بما يحقق تنمية متكافئة للطرفين.

ويأتي التوجه البريطاني نحو القارة، والذي جرى تكليله بعقد هذه القمة الاستثمارية في سياق قمم عدة عقدها شركاء القارة الدوليين على مدار العام الماضي، في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي، والتي تبنت رؤية تهدف من خلالها إلى تعزيز مبدأ الملكية الوطنية للتنمية، وتعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، وهي الأهداف التي ترمي القارة إلى تحقيقها عبر مسارات عدة.

ومن بين تلك المسارات، جلب الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال بما يخدم أجندة التنمية الأفريقية 2063، وأهداف التنمية الوطنية، ونقل الخبرة المصرية في التعاون مع الجانب البريطاني إلى دول القارة الأفريقية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية سامح شكري خلال لقائه مع نظيره البريطاني، بتطلع مصر إلى تعزيز آفاق التعاون الثلاثي " المصري – البريطاني- الأفريقي" وعليه فإن التوجه البريطاني نحو القارة يواجهه تحديات عدة.

وأبرز تلك التحديات، هو التنافس محموم، حيث تزامنت العودة البريطانية لاستعادة نفوذها التقليدية في القارة مع تنافس العديد من القوى والدول من أجل نيل هذا النفوذ، وهو ما يفرض على هذه الدول المزيد من القيود، مع زيادة الميزة التنافسية لدول القارة، التي تمتلك المفاضلة لاختيار أفضل الشركاء.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول الأفريقية التي اتجهت نحو تعزيز الروابط مع الجانب الصيني، تفادًيا للمشروطة السياسية للدول الغربية، وجدت فيها مؤخًرا واقعة في فخ الديون الصينية، وهو ما قد يدفع بالتوجه نحو بديل آخر غير هذين الطرفين يمكنه موازنة تلك المعادلة من أجل تحقيق نمو وتعاون متوازن بين الطرفين.

ويتيح هذا السياق الاستراتيجي الحالي مجالا لأطراف أخرى لتعزيز علاقتها الإفريقية، على غرار بريطانيا وروسيا، وغيرهما من الدول الأخرى، إلى أنه في الوقت ذاته يزيد من التزاحم على القارة، بما يرفع من تكلفة هذا التعاون.

وأشار المركز المصري إلى أنه بالنسبة لروسيا، سبق أن عقدت أول قمة روسية أفريقية في أكتوبر الماضي بمدينة سوتشي، من أجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع القارة، في ظل تواجدها العسكري بآليات وأدوات متعددة في أنحاء مختلفة من القارة، بل إنه هناك مؤشرات قد تدفع إلى صعود الدور الروسي في مقابل الدور الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب؛ إذ طالب مواطني دولة مالي، في مظاهرات مناوئة للوجود الفرنسي في مالي بضرورة تدخل روسيا بدلا من فرنسا.

كما رجح أن يتيح هذا مجالا للدور البريطاني المشارك بالفعل في القوى التي شكلتها فرنسا من أجل ضبط الدور الفرنسي في هذا المجال، الذي زادت التحفظات بشأنه، فضلا عن تخفيض حجم التواجد الأمريكي العسكري في المنطقة، لافتا إلى أن حجم التمثيل والمشاركة في القمة الروسية الأفريقية المعقودة، فكانت جميع الدول الأفريقية مشاركة بها، بخلاف القمة الحالية التي يشارك بها نحو 21 دولة فقط، وإن لم يكن هذا مؤشًرا على ثقل أي من الجانبين الروسي أو البريطاني، فإنه على أقل تقدير يعكس مدى حجم ومستوى التعاون الذي يمكن أن ينجم عن مثل هذه القمم، وفقا للمركز.

تكلفة العودة.. هو أحد التحديات التي تواجه بريطانيا أيضا، حيث إنه على خلفية التنافس على المكانة والدورالذي تواجهه لندن في القارة الأفريقية، ترتفع تكلفة تلك العودة، إذ أن عليها تقديم أفضل البدائل للشركاء الأفارقة على نحو يجعلها شريك موثوق فيه وأكثر جاذبية من نظرائها.

وفي هذا الصدد، يتعين على الجانب البريطاني تقديم الخبرة التي تمتلكها وأفضل الممارسات في كافحة المجالات، فالقارة بحاجة إلى شركاء من أجل دعم السلام بها، ما يقضي بضرورة رفع بريطانيا نسبة مشاركها في عمليات حفظ وبناء السالم، فضلا عن تقديم الدعم في المجالات التنموية والاقتصادية والمشاركة والاستثمار في مجالات البنية التحتية، وغيرها من القطاعات التي تسهم في تمهيد السوق الأفريقية في ظل ما قد يعانيه الاقتصاد البريطاني ما بعد البريكست.

وأكد المركز المصري أنه يتعين على لندن تقديم تسهيلات في مجال الهجرة للأفارقة، وهو ما تطالب به دول القارة، وخاصة الدول الأنجلوفونية، وعلاوة على ماسبق، فإن الخبرة التاريخية والإرث الاستعماري، الذي ربما يفرض ضغوطا عليها وعلى صورتها الذهنية لدى الأفارقة، على نحو ما تواجهه فرنسا الآن في مستعمراتها الفرانكفونية السابقة، وذلك على خلاف روسيا والصين المتحررين من تلك الصورة الذهنية السلبية، وهو ما يفرض على بريطانيا لعب دوًرا كبيًرا وبذل الجهود في المجالات الثقافية، على غرار المنح الدراسية وغيرها من المجالات التي تعمل على تحسين الصورة الذهنية.


مواضيع متعلقة