بدأ الرحلة بـ"كرتونة قصص أطفال".. بيت عبدالله مكتبة لقريته في الفيوم

كتب: نهال سليمان

بدأ الرحلة بـ"كرتونة قصص أطفال".. بيت عبدالله مكتبة لقريته في الفيوم

بدأ الرحلة بـ"كرتونة قصص أطفال".. بيت عبدالله مكتبة لقريته في الفيوم

في الأعوام الأولى لالتحاقه بالمدرسة، اكتشف شغفه بالقراءة، بدأ يجمع قصاصات من هنا وهناك لحكايات جذبت انتباهه، ومع تلاحق السنوات تصبح العملية التعليمية أكثر تعقيدا، فتنفصل القصص في كتب قائمة بذاتها، ما جعله أكثر سعادة، فيجمعها مع حكايات السنوات الأولى، وظل على عهده، يملأ الكراتين بالكتب، ويضع مصروف يوما على آخر كي يشتري مجلة أو كتاب، حتى كبر الطفل وكبرت معه عاداته، والعلب الكرتونية تحولت لمكتبة تشغل غرفتين بمنزله، تفتح أبوابها لأهل قريته.

عبد الله ميلاد، شاب في أواخر الثلاثينات من عمره، وُلد وعاش في "عزبة عبدالعظيم"، إحدى قرى مركز سنورس بمحافظة الفيوم، لأب وأم لم ينالا أي قسط من التعليم، في بيئة ريفية، كان ولا يزال أقصى اهتمام العائلة بأبنائها متمثلا في توفير فرصة التعلم، لكنه بدافع شخصي وفي حدود الممكن وجد متنفسًا، نمَّى من خلاله حب القراءة، بدءً من كتب المدرسة حتى مكتبتها: "كان زمان مكتبة المدرسة دي حاجة أساسية، بحب أدخلها أقرأ واستعير قصص لكن دلوقتي لما كثافة الطلاب زادت المكتبة اتلغت".

عبدالله يدخر جزءا من ماله كل شهر لشراء الكتب 

منذ العام 1999، حين التحق عبد الله بكلية الآداب جامعة القاهرة، دخل مستوى آخر من القراءة واقتناء الكتب، الذي دخله حين كان في المرحلة الإعدادية متمثلا في "تحويش مصروف يوما بعد يوم"، وفي مرحلته الجديدة بدأت علاقته بمعرض الكتاب وسور الأزبكية، حتى أصبحت الآن زيارتهم عادة، يُحضر نفسه لها لأشهر طويلة، يدخر بعض المال شهريا، ويُعد قائمة في أجندته الخاصة بكل كتاب يتمنى شراؤه، ليأتي يوم اللقاء، يجهز نفسه ويأتي من الفيوم بحقيبة سفر، يقضي يوم كامل بين المكتبات، يُفند بخبرته التي باتت جيدة الكتاب الذي يستحق من دونه، ليعود أدراجه محملا بزاده لمدة عام وزاد أهل قريته.

بحقيبة سفر.. يعود عبدالله ميلاد بكتب تكفي أطفال قريته لعدة شهور 

تتزاحم الكتب على رفوف خشبية، في مكتبة منزلية أصبحت "شبه عامة" تعوض فرصة أُتيح بعض منها لـ"ميلاد صغيرا عندما كانت مكتبة مدرسته تعمل، ففي الدور الثاني من منزل الشاب الثلاثيني، حيث أصبحت المعرفة متاحة أمام الجميع، يتردد عليها من يحب، إما مستعيرا لمدخراتها التي اختارها صاحبها بعناية، أو يجلس على منضدة خشبية في أحد غرفتي المكتبة، يطالع ما يشاء في كتب متنوعة بين الحضارة والتاريخ والأدب والعلوم الشرعية وقصص الأطفال ومجلاتهم.

يعمل ابن الفيوم، مُدرس دراسات اجتماعية، يهوى جمع الخرائط وكتب التاريخ أكثر من غيرها، ليستعين بها في شرح الدروس باستفاضة لطلابه، مستخدما صورا تعبيرية من مقتنياته من معرض الكتاب وسور الأزبكية، كما أنّه باحث دكتوراه في التاريخ والحضارة، لذلك تكثر مثل هذه النوعيات من الكتب في مكتبته: "القراءة جزء من حياتي وسيستم وضعته من زمان وأحب أوفرها لحد محتاجها زيي لكن فيه بعض الكتب النادرة مش بفرط فيها بسهولة غير للي محتاجها جدا، عشان لو ضاعت ممكن منعرفش نجيبها تاني، بقيت بقدر أعرف الكتب من بعض زي ما بعرف القارئ اللي هيحافظ على الكتاب من غيره".

عبدالله ميلاد: القراءة سيستم في حياتي وجزء مهم

"لما أشوف حد ماسك كتاب من مكتبتي بحس بفرحة كبيرة إني وفرت حاجة كنت أنا نفسي بلاقيها بصعوبة، والأطفال بتتعلم قيم وحب الوطن"، بحسب ميلاد في حديثه لـ"الوطن"، موضحا أنّ ما دفعه لهذا كان أنّ موارد الأسر لإتاحة سُبل القراءة لأطفالهم في الريف تكون شبه منعدمة، كما أنّ المكتبات العامة التي تعاني المدن من قلة أعدادها إن وجدت، فحالها في القرى يكون أكثر سوءًا، ما دفع ميلاد لأن يتيح مكتبته لأطفال وشباب القرية: "في منطقتنا الأهل ربنا يعينهم إما بيشتغل في الصد في بحيرة قارون أو رايح الغيط أو غيره والحياة وضغوطها صعبة على الناس"، متمنيًا أن تشمل المدرسة التي يتم إنشائها بالقرية مكتبة.


مواضيع متعلقة