ليبيا.. بوابة مصر الغربية وامتدادها الحيوي

كتب: أحمد العميد

ليبيا.. بوابة مصر الغربية وامتدادها الحيوي

ليبيا.. بوابة مصر الغربية وامتدادها الحيوي

«مرحب بالجنة جت تدّنى».. يقولها وهو يعقد قدميه ويربطهما بحبل غليظ ليعلن أن الهرب والتراجع لم يعودا خياراً أمام الدبابات الإيطالية ومجنزرات القائد الإيطالى غراتسيانى ثم يمسك بندقيته وينتظر الموت المحدق به أسفل المركبات المصفحة خلال معركة «الكفرة» شتاء عام 1931.. تم تصوير هذا المشهد فى الفيلم الشهير «lion of the desert» - أسد الصحراء، وسميت النسخة العربية منه باسم «عمر المختار»، والذى يخلد بطولات المجاهدين الليبيين وشيخهم «عمر المختار» فى مقاومة الغزو الإيطالى، وحاول الفيلم السينمائى قدر الإمكان التعبير عن شراسة المجاهدين فى الدفاع عن بلدهم، وهذه العبارة الشهيرة التى كان يقولها المجاهدون تعنى ترحيبهم بالجنة، كما أن «تدّنى» كلمة ليبية دارجة تعنى «اقتربت».

المجاهدون الليبيون استخدموا الأراضى المصرية فى تهريب السلاح والمؤن والاختباء بها من المستعمر الإيطالى

استخدم هؤلاء المجاهدون الأراضى المصرية لخدمة مقاومتهم وساعدهم إخوانهم المصريون فى كفاحهم، فكانت عمليات تهريب السلاح والمؤن إليهم تتم عبر الصحراء المصرية، بل إنهم كانوا يدخلونها ليعيدوا ترتيب صفوفهم قبل معاودة الهجوم على الإيطاليين، كما استمرت المساندة السياسية والدبلوماسية، حتى نال الليبيون استقلالهم، وكان عبدالرحمن عزام، أول أمين عام لجامعة الدولة العربية أبرز المساندين للقضية الليبية، وظلت مصر والمصريون يدركون أهمية هذا الجانب الغربى الفسيح الذى يعد عمق الأمن القومى المصرى، حتى إنه ظهر إله للصحراء الغربية فى الحضارة القديمة، وهو الإله «عامون»، وغالباً كان يسمى «سيد ليبيا».

يقول الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، إن العلاقة بين مصر وليبيا علاقة تاريخية بحكم الجوار الجغرافى وكونها البوابة الغربية لمصر، وإنه حتى الآن لا تزال هناك عائلات مصرية نصفها الآخر فى ليبيا وعائلات ليبية نصفها الآخر داخل الأراضى المصرية، مشيراً إلى أن قبيلة أولاد على هى من القبائل التى لها ارتباطات كبيرة بالقبائل الليبية بشكل كبير، وأن هناك بعض العائلات فى الفيوم لها ارتباطات فى شرق ليبيا أيضاً، موضحاً أن العلاقة مع ليبيا مثل العلاقة بين مصر والسودان من حيث الارتباط.

"عفيفى": هناك قبائل تعيش على الحدود نصفها مصرى والآخر ليبى

وأضاف «عفيفى» أن مصر كانت أولى الدول التى دافعت عن استقلال ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية فى الأمم المتحدة، ولعبت دوراً كبيراً فى ظهور المملكة الليبية التى استمرت لحين ما ظهر «القذافى» وانقلب عليها، لافتاً إلى أن المجاهدين الليبيين كانوا يهربون من ليبيا ويدخلون الأراضى المصرية، ثم يعودون إلى ليبيا لشن هجمات جديدة، وكانت هناك صلات كبيرة ووثيقة بين المجاهدين الليبيين وبين سياسيين مصريين أشهرهم عبدالرحمن عزام، أول أمين عام لجامعة الدولة العربية الذى كرس جهوداً كبيرة لمساعدة الليبيين فى الحصول على استقلالهم والتخلص من الاستعمار الإيطالى، متابعاً: «كان المجاهدون الليبيون يختبئون داخل الأراضى المصرية ويحصلون على المؤن وتهريب الذخيرة من الحدود المصرية للدفاع عن دولتهم»، موضحاً أن مصر كان لها دور كبير فى حماية تلك المنطقة لكونها البوابة الغربية لمصر، ويتابع: «حتى الغزاة الإنجليز اللى كانوا فى مصر أدركوا أهمية الحدود الغربية وراحوا يتصدوا للقائد الألمانى إرفن روميل فى معركة العالمين لصد الهجوم، ومنع سقوط مصر فى يد الألمان».

"القاهرة" أول من دافعت عن استقلال ليبيا

ويشرح الدكتور خالد غريب، رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بجامعة القاهرة، خريطة مصر الجغرافية والتاريخية السياسية وعلاقتها بجيرانها بأنها كالطائر له جناحان الجناح الشرقى وهو سيناء والجناح الغربى هو ليبيا، وأن مصر على مدار التاريخ تحاول أن تقوى أجنحتها لتظل صامدة وأن كل المعتدين يحاولون كسر الجناحين، مشيراً إلى أن تركيا تحاول أن تكسر جناح مصر الغربى بتدخلها فى ليبيا وهذه لم تكن المحاولة الأولى فى التاريخ الذى يأتى التهديد والعدو والفوضى من الجهة الغربية، معلقاً: «كانت ممكن تركيا تيجى من الشمال عبر البحر وممكن كانت تيجى من الجنوب عبر السودان لكنها اختارت الجناح الغربى لأنه عبارة عن صحراء شاسعة وأسهل وسيلة تهديد لمصر.

وتابع «غريب»: «زمان كان يسكن المنطقة الغربية سكان يعرفون بـ(تمحو) و(التحنو) وهما كانوا فى منطقة السلوم وسيوة وما بعدها من ناحية الغرب، وكان الملك المصرى القديم يقال له فى النصوص سيد الحدود الغربية»، مشيراً إلى أنه فى نهاية الدولة الحديثة فى التاريخ المصرى، ظهر تعبير «الريبو» ثم «الليبو» على سكان غرب مصر وهو الذى اشتق منه بعد ذلك اسم «ليبيا»، وأن الأسرات من 22 حتى 24 وصل فيها سكان المنطقة الغربية إلى البلاط الملكى فى مصر ووقتها لم يكونوا محتلين، لأنهم ظهروا فى المعابد وهم يضربون أعداء مصر، ما يعنى أنهم شاركوا فى الحكم وكانت هناك علاقات نسب.

يقول الدكتور سيد عشماوى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، إن العلاقات المصرية الليبية ممتدة، وكان لا يوجد حدود تفصل بين القطرين المصرى والليبى، وأن الليبيين لهم امتدادات فى مصر فى محافظتى البحيرة والفيوم، وأن ليبيا وقتما كانت ولاية عثمانية كانت هناك تبرعات تجمع من مصر من الأغنياء والفقراء ومن الطبقة الحاكمة، وترسل إلى أهل طرابلس، كما أن النضال ضد الاستعمار الإيطالى شارك فيه مصريون بقوة، وكان من بينهم الفريق عزيز المصرى، أحد رواد الحركة القومية العربية، معلقاً: "أيضاً عبدالرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية حتى أنه اتزوج من ليبيا كمان"، وأوضح أن الليبيين أسسوا جمعيات وأنشطة بالقاهرة وقت الاحتلال الإيطالى، وتأسس مقر للحكومة الليبية فى مصر هرباً من الاحتلال والوجود الإيطالى.

ويقول الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ الإسلامى، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، إنه على مدار التاريخ كانت أجزاء من ليبيا تابعة للسيطرة المصرية وتحديداً مدينة «برقة» و«قورينا» وكانت هذه المناطق تابعة لمصر فى العصر الرومانى، وفى العصر الإسلامى نجد أن التقسيم الجغرافى لمصر جعل ليبيا مدخلاً لإقليم مصر، وكانت بمثابة معبر لأنه لم تقم أى أنظمة سياسية، مثل الموجودة فى تونس مثلاً، لذلك لم تكن ليبيا من المراكز الحضارية مثل دولة الأغالبة فى تونس، وإنما كانت تعتبرها مصر وقت الرخاء معبراً تجارياً ووقت الخطر بوابة يجب تأمينها.


مواضيع متعلقة