سؤالان: تركيا دولة عربية؟ هل هى وسيط؟
عملية الوساطة المسماة بالروسية - التركية هى أعجب وأغرب مسرحية وساطة لسبب واحد بسيط، وهو أن الداعى إليها لا يمكن أن يكون وسيطاً!
باختصار روسيا موجودة فى الأزمة الليبية من خلال صفقات السلاح والمرتزقة واحتمالات الغاز، وتركيا موجودة لأنها تعبر عن مصالح جنون «أردوغان»، الممزوج بعطش الغاز، ودعم الإخوان، ومسايرة قطر، ودعم الإرهاب للإضرار بمصر، وهذا هو المستتر الواضح بين سطور الاتفاق التركى - الليبى الفاقد للشرعية.
إذن، الروسى ليس وسيطاً، والتركى -بالضرورة - طرف مدمر متسبب فى علو منسوب التوتر ووصول الأمور إلى حافة الهاوية ليس فى ليبيا فقط، ولكن فى شرق المتوسط وشمال أفريقيا ودول الساحل وجنوب أوروبا فى آن واحد!
تعريف الوسيط فى الموسوعات السياسية هو:
يأتى تعريف الوسيط من تعريف الوساطة، وهى عملية سلمية تقوم على الحوار لفض المنازعات بين الأفراد أو الهيئات أو الدول.
وتعد الوساطة هى إحدى وسائل التوفيق بين متخاصمين عن طريق التدخل من قبل طرف ثالث يكون مقبولاً من الطرفين ويتدخل بطلب منهما أو يعرض التدخل للتسوية ويقوم الطرف الثالث بتقديم اقتراحات مناسبة ترضى الطرفين دون ضغط أو إكراه حتى يصل لحلول مناسبة ترضى الطرفين.
القصة فى ليبيا بسيطة ومعقدة فى آن واحد إذا ما أراد وسيط عادل ومحايد التدخل!
تصبح المسألة بسيطة إذا أردنا أن تدار ليبيا بواسطة دولة وطنية ذات سيادة واستقلال لها رأس واحد وحكومة منتخبة وبرلمان شعبى وجيش وأمن وطنى، وليس مجرد مجموعة ميليشيات عميلة يؤمنون بالإرهاب التكفيرى زُرعوا من أجل الإضرار بجيران ليبيا.
وتصبح المسألة معقدة إذا كنا نريد إنهاء مشروع الدولة الوطنية من خلال ميليشيات إرهابية تدعمها قواعد دول أجنبية ومرتزقة أجانب.
فى ليبيا ميليشيات تقدر بـ60 ألفاً ومرتزقة بـ20 ألفاً و20 مليون قطعة سلاح، وفكر إرهابى يبدأ من داعش للقاعدة، ومن جبهة النصرة إلى الإخوة، ومن كُتب «الجهاد» إلى كتب تدعو إلى «التوحش» فى إبادة «أعداء الأمة من الكفرة الذين لا يطبقون شرع الله، وإن نطقوا بالشهادتين»!
لا يمكن لصناع الصراع أن يكونوا وسطاءه، ولا يمكن للقاتل والمحرض والمستفيد والمستغل للصراع الدموى أن يسطّر حروف اتفاق سلام وتسوية سياسية نهائية وعادلة.
من هنا أفهم وأقدر موقف كل من المشير «حفتر» والأستاذ عقيلة صالح فى التشكك والتدقيق فى بنود مسودة الاتفاق الفخ فى موسكو.
ومن هنا أيضاً أفهم موافقة «السراج» ورفاقه الفورى على بنود مسودة الاتفاق وتوقيعهم عليه، لأنه -من وجهة نظرهم- اتفاق إنقاذى يعطيهم «قبلة الحياة» بعد تدهور موقفهم العسكرى فى ساحة قتال مدينة طرابلس.
ومن هنا أفهم شعور التركى بالمأزق الذى وضعه فيه «أردوغان» بعدما اكتشف الرفض الأوروبى الكامل للاتفاق الموقع بينه وبين «السراج»، فهو اتفاق هزلى من حكومة فقدت شرعيتها فى 17 ديسمبر الماضى تتحكم -فقط- فى نصف مدينة طرابلس، بلا جيش ولا برلمان.
وأيضاً هو اتفاق رفضه الأمين العام للأمم المتحدة بشكل صريح وواضح.
إذن، ما المطلوب من جولة وساطة موسكو المزعومة؟
أن يكون هناك اتفاق وقع بين طرفى الصراع تدخل به روسيا وتركيا فى اجتماع برلين الخاص بليبيا يوم 19 الحالى يمكن البناء على أساسه وخلق أمر واقع جديد يقبل بالوجود التركى.
هذا الوجود مخاطره 3:
1- تهديد السيادة الوطنية من خلال اتفاق فاقد الشرعية.
2- تهديد الأمن القومى لليبيا وتهديد الأمن القومى لجيرانها من خلال قيام القاعدة الليبية بإدارة ميليشيات التكفير لأعمال فى المنطقة بحيث تصبح ليبيا هى سوريا شمال أفريقيا!
3- السطو الأحمق غير المشروع على الغاز والنفط الليبى وتهديد خطوط المساحة البحرية المشروعة لدول شرق البحر المتوسط من اليونان إلى قبرص، ومن لبنان إلى إسرائيل وصولاً إلى سوريا ومصر.
حوار موسكو يراد منه تأكيد أن روسيا هى الفاعل الأكثر تأثيراً فى منطقة المتوسط بالتدريج، بدءاً من سوريا وصولاً إلى ليبيا.
حوار موسكو هو محاولة إنقاذ ماء الوجه لأردوغان بعد تورطه فى مغامرة غير محسوبة ومحاولة تمرير وجوده غير المشروع فى ليبيا.
ما لم يحرزه «أردوغان» بالقتال فى ليبيا يريد الحصول عليه فى موسكو الآن وبرلين لاحقاً.
تحت شعار هذه الوساطة المزعومة يأتى السؤال العظيم: هل تصلح تركيا أن تكون وسيطاً؟ وهل تركيا دولة جارة لليبيا ذات حدود مشتركة؟ وهل تركيا دولة شمال أفريقية؟ وهل تركيا دولة عربية؟ شىء مذهل يتحدى العقل!!
التاريخ يقول إن تركيا دولة ذات أطماع ومحتلة لليبيا منذ عهد ما قبل الخلافة العثمانية حتى الاحتلال الإيطالى 1911!
الوضع فى ليبيا لا يمكن تمريره أو تسويقه فى موسكو دون الإجابة المباشرة والصريحة والقاطعة للإشكاليات التالية:
1- وجود ميليشيات فى ظل وجود جيش وطنى.
من هنا لا يمكن قبول مشروع دولة وطنية فى ظل وجود هذه الميليشيات.
2- سلاح الميليشيات والسؤال عن مستقبله وعن الجهة التى سوف يسلم لها والخوف من التحايل بتسليم السلاح الميليشياوى من ميليشيا إلى أخرى أو تخزينه عن بعد أو تسليمه لوزارة الداخلية الحالية التى يديرها الآن ميليشياوى!
هناك فارق جوهرى بين «الضحك على الذقون» تحت شعار إيقاف النار إلى أجل غير مسمى وبين تقديم تسوية حقيقية تصنع الدولة الوطنية وتمنع ازدواجية السلطة وثنائية السلاح وتبعية الهوية الوطنية للخارج.
أخطر ما أزعج «أردوغان» أنه كان يعتقد أن مصر المنشغلة بشئون ترتيب بيتها من الداخل اقتصادياً واجتماعياً والتى تحارب الإرهاب التكفيرى فى سيناء أنها سوف تغمض عيون جيشها عن موضوع الوجود التركى فى طرابلس.
غواصات ومقاتلات، وحاملات طائرات مصر، كانت رسالة واضحة من الرئيس السيسى وجيش مصر وشعبها بأنه لا تنازل عن حماية الأمن القومى المصرى مهما كان الثمن.
من هنا كان اللجوء التركى للشريك الروسى فى تحالف: موسكو، أنقرة، طهران لشئون سوريا والمنطقة من أجل إعادة تأهيله.
باختصار، اتفاق موسكو حتى لو وقع، فإنه لا يمكن له أن يصمد قبل جفاف حبر التوقيع عليه، لأن خلفه وأمامه دماء كثيرة!