ممثل الكنيسة بلجنة "العائلة المقدسة": المسار على قائمة "يونسكو 2020"

كتب: ماريان سعيد

ممثل الكنيسة بلجنة "العائلة المقدسة": المسار على قائمة "يونسكو 2020"

ممثل الكنيسة بلجنة "العائلة المقدسة": المسار على قائمة "يونسكو 2020"

لا يحب الأضواء ويفضل دائما العمل في صمت، لا يبدأ مشروعه ويتركه قبل إنجازه، مبتعدًا عن صخب النجاح لإنجاز مشروع آخر، وبين منصبه عميدا لمعهد الدراسات القبطية، وصفته ممثلا للكنيسة القبطية في اللجنة العليا لمسار رحلة العائلة المقدسة بوزارة الآثار والسياحة لتقديم ملف العائلة المقدسة لمنظمة "يونسكو"، ومعد لواحد من أهم الكتب عن مسار العائلة المقدسة الذي اعتُمد كأحد الوثائق في دراسة المسار، يتحدث الدكتور إسحق عجبان لـ"الوطن" عن آخر ما توصل له فيما يخص مسار العائلة المقدسة، إلى جانب الخطوات الجارية لتطوير معهد الدراسات القبطية.

وإلى نص الحوار:

ما الوثائق التي عدت لها للوصول إلى نقاط المسار؟

يوجد كتابات قديمة وحديثة عن رحلة العائلة المقدسة، يوجد نحو 19 نوع من المصادر والمراجع، ومن الكتابات القديمة المهمة "الميامر" التي كتبها آباء الكنيسة، و"ميمر" كلمة سريانية بمعنى قول أو عظة أو مقال، مثل ميمر البابا ثاؤفيلس البطريرك الـ23 من القرن الرابع والخامس الميلادي، وميمر البابا تيموثاوس الثاني البطريرك الـ26 من القرن الخامس، وميمر الأنبا زخارياس أسقف سخا من القرنين الـ7 و8 من أساقفة الوجه البحري، وميمر الأنبا قرياقوس أسقف البهنسا من القرن السابع من أساقفة الوجه القبلي).

وهناك أيضا وثائق أخرى، بينها البردية التي نشرتها جامعة كولون الألمانية 1997م، وتعود للقرن الرابع أو الخامس الميلادي، وعثر عليها في منطقة الفيوم مكتوبة باللغة القبطية واللهجة الفيومية، ونشر خبر اكتشافها في الصفحة الأولى لجريدة الأهرام في يونيو 1998م، وحققها في كتاب نيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين ورئيس قسم اللغة القبطية بالمعهد.

وحددت البردية أنّ العائلة المقدسة عاشت في مصر 3 سنوات و11 شهرا "4 سنوات إلا شهر واحد"، وإلى جانب هذه البردية يوجد العديد من المخطوطات، والنصوص بلغات متعددة، والرسائل العلمية، والموسوعات العالمية، والوثائق والكتب التاريخية والطقسية ومنها السنكسار والدفنار، وهي كتب كنسية تحتوي سير القديسين وتاريخ الكنيسة بحسب تذكار كل يوم، وكتابات الرحالة الأجانب، ومخطوطات اوروبا في العصور الوسطي، ومصادر الثقافة العربية، والتقاليد المحلية وكثير غيرها.

كتاب العائلة المقدسة واحدا من المصادر التي اعتمدت عليها جهات متعددة لتحديد المسار.. ما كواليس إعداد الكتاب؟

أُعد الكتال على عدة مراحل، الأولى تجميع المصادر والمراجع والرسائل العلمية، فهناك رسائل علمية عديدة أعدت في جامعات داخل مصر وخارجها، مثل فرنسا وألمانيا وأمريكا، فمثلا هناك باحثة من كوريا الجنوبية قدّمت رسالة دكتوراه لجامعة توبنجن الألمانية عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، من خلال المصادر غير المتعارف عليها، وغيرها من المصادر، إذ استمرت مرحلة تجميع المراجع نحو سنة، أما المرحلة الثانية فكانت إعداد المادة العلمية الذي استغرقت عاما آخر، أما التنسيق والترتيب وتجميع الصور والخرائط استغرق عام آخر، والجرافيك والطباعة استغرقت نحو 10 أشهر، ومن قبيل المصادفة أن مدة إعداد الكتاب استغرقت تقريبا نحو 3 لـ4 سنوات تقريبا، وهي ذاتها المدة التي قضتها العائلة المقدسة في مصر.

ما الصعوبات التي واجهتك عند إعداد الكتاب؟

كثرة المراجع واللغات، فمراجع باللغات السريانية والحبشية والقبطية والألمانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية وغيرها، ما اضطرني للاستعانة بزملاء متخصصين لترجمة هذه الأجزاء، ثم استخدمت وسائل إلكترونية ومنها البحث الإلكتروني ومحركات البحث، لكثرة عدد المراجع، وهناك مواقع متخصصة آلاف المراجع لاستخراج المعلومات المطلوبة في دقائق محدودة.

كيف توصلت للخريطة النهائية؟

إلى جانب البحث لجأت للتحقيق والتوثيق من خلال عرض المعلومات بطرق علمية، وهناك جداول الأعمدة فيها تمثل المصادر، والمواقع تمثلها الصفوف، وبالتالي عند تحديد أي موقع نعرف المصادر القديمة التي ورد فيها ، وبالتالي فالكتاب يلجأ للتحقيق والتوثيق والجداول والمصادر والخرائط والجغرافيا التاريخية، خرائط لكل مصدر، وخرائط لكل ميمر، وخرائط لكل منطقة، وعمل جداول لمقارنة المخطوطات، ومقارنة المصادر، ومقارنة العناصر بكل مصدر،  بحيث نستطيع منها تحديد المسار.

نهر النيل كان 7 فروع في القرن الأول في زمن العائلة المقدسة.. والخريطة الجغرافية تغيرت كثيرا

كيف تم التوافق على الخريطة النهائية؟

جغرافيا مصر في زمن العائلة المقدسة تختلف عن جغرافيا مصر الحالية، فمثلا النيل له فرعين فقط حاليا هما دمياط ورشيد، وفي القرن الأول في زمن العائلة المقدسة كان له 7 فروع، ونهر النيل أصبح فرعين ابتداء من القرن العاشر حتى الآن، ووقت العائلة المقدسة كانت الجغرافيا مختلفة، هناك بلاد كانت موجودة ولم تعد موجودة الآن، والعكس هناك بلاد لم تكن موجودة وأصبحت موجودة حاليا، ولهذا يجب أن ندرس الجغرافيا التاريخية.

وكذلك هناك المناطق البينية التي كانت بين كل موقع وآخر، فالعائلة المقدسة جاءت من سخا إلى وادي النطرون، المسافة كبيرة، فمروا على مناطق بينهما، أي أنّه بين كل موقع وموقع مروا على مناطق، وهذا المواقع البينية مع اختلاف الجغرافيا التاريخية، جعلت طريقة حساب النقاط الأساسية للرحلة تختلف من مصدر إلى آخر.

كم عدد مواقع مسار رحلة العائلة المقدسة؟

عدد مواقع المسار غير محدد برقم معين، فالمصادر قد تختلف في تحديد النقاط، هناك مصادر ذكرت 50 نقطة، وهناك مصادر ذكرت 30 نقطة أو 25 نقطة، وهناك مصادر أخرى ذكرت 10 نقاط ، ويتم الرجوع إلى السنكسار الصادر من اللجنة المجمعية للطقوس تحت يوم 24 بشنس (1 يونيو) عيد دخول السيد المسيح أرض مصر، ويتضمن نحو 23 موقعا، وكذلك الخريطة الصادرة عن لجنة مجمعية من المجمع المقدس والتي صدرت بمناسبة مرور 2000 عام على رحلة العائلة المقدسة لمصر، وهي الخريطة المتوافق عليها بالنسبة للمسار والتي تعمل عليها اللجان المتخصصة.

مؤسسات الدولة تعمل على قدم وساق لإدراج المسار في قائمة التراث العالمي 

ما هو دور الكنسية القبطية في مشروع إحياء العائلة المقدسة؟

استقبال قداسة البابا للوفود الآتية من الخارج لتنال بركة زيارة مواقع رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، واستضافة الأديرة لهم، كما أنّ لقداسة البابا محاضرات وعظات ومقالات عن رحلة العائلة المقدسة لمصر، وكتاب الرحلة صدر بتقديم قداسة البابا، والكنيسة تشارك في كل اللجان التابعة لمجلس الوزراء ووزارة السياحة ووزارة الآثار واللجنة العليا التي تعد ملف رحلة العائلة المقدسة لتقديمه لمنظمة يونيسكو سواء التراث المادي أو التراث غير المادي.

وشاركت الكنيسة أيضا بالمادة العلمية مع مصلحة سك العملة لإصدار ميداليات تذكارية عن بعض نقاط رحلة العائلة المقدسة بـ12 ميدالية فضية، عليها نقاط المسار، والتقوا قداسة البابا الذي كتب لهم كلمة في كتالوج هذه الميداليات، وكذلك الأفلام التسجيلية وتصوير المواقع بأسلوب التصوير ثلاثي الأبعاد، وتنظيم الاحتفالات الطقسية والشعبية والرسمية الخاصة بنقاط المسار، وكثير غيرها.

نحتفل بانطلاق مشروع مسار العائلة المقدس في 1 يونيو من كل عام.. لكن متى نحتفل بإدراجه على قائمة التراث العالمي؟

الدولة حاليا بكل أجهزتها ووزارتها الآثار والسياحة والثقافة والتنمية المحلية وغيرها، وبالتعاون مع المحافظات المعنية وبالتعاون مع الكنيسة القبطية، تعمل على قدم وساق لإعداد الملف الذي تقدمه مصر لمنظمة اليونسكو للاعتراف بمسار رحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث الإنساني العالمي المادي وغير المادي، واللجنة العليا في المراحل النهائية لتقديم الملف خلال هذا العام 2020م. لترشيح بعض مواقع المسار لكي تكون على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المادي وغير المادي.

من منطلق عملك عميدا لمعهد الدراسات القبطية.. ما هي رؤيتك للفترة المقبلة للمعهد؟

معهد الدراسات القبطية يهتم بنوعين من التعليم، النظامي وهو الدراسات والبحوث للدرجات العلمية ومنح الشهادات العلمية من خلال 11 قسما بالمعهد، وغير النظامي وهو عمل دورات حرة وتعليم اللغات وغيرها، وكل الأقسام تشارك بالتعليم النظامي والتعليم غير النظامي، ونهتم بالتواصل والتعاون مع الجامعات المصرية والأجنبية.

وهناك نشاط مشترك مع العديد من الجامعات المصرية بينها جامعة عين شمس، إذ شاركنا في مؤتمرات كثيرة، ومؤتمرات وزيارات متبادلة مع جامعة الإسكندرية وجامعة دمنهور وجامعة حلوان، ومناقشات رسائل علمية مشتركة مع جامعة القاهرة وجامعة حلوان وإشراف مشترك للرسائل مع جامعة عين شمس، بجانب معظم الهيئات التي تعمل في مجال الدراسات القبطية مثل مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، والكليات والمعاهد التابعة للكنيسة القبطية.

جار تنفيذ مشروع تجديد استديو الصوتيات بقسم الألحان، ليصبح مجهزا بأجهزة حديثة لتسجيل الألحان الكنيسة، ومشروع إنشاء مكتبة متطورة بالطابق الثالث من المبنى، وجار العمل فيها وسيتم افتتاحهما قريبا، ومشروع لإنشاء موقع إلكتروني للتعليم أون لاين، وكذلك صدر العدد الأول من النشرة الإعلامية للمعهد، وجار إصدار العدد السنوي من المجلة العلمية للمعهد.

معهد الدراسات القبطية يبدأ مرحلة جديدة بالاعتماد على التكنولوجيا في التعـليم والتعاون مع الجامعات المصرية والأجنبية  

ما أبرز الجامعات الأجنبية التي تم التعاون معها؟

هناك زيارات تمت للأكاديميات والجامعات الروسية في نوفمبر الماضي، وجار إعداد بروتوكلات تعاون معها، وهناك لجنة مشتركة لتفعيل التعاون، وفي ديسمبر الماضي تم التعاون مع الجامعة الروسية لصداقة الشعوب (رودن) وتعتبر جامعة من أكبر الجامعات في روسيا وتضم 6 آلاف أستاذ وإداري وبها 20 ألف طالب، وتم التعاون معها في تنظيم دورة لتعليم اللغة الروسية وهي دورة مكثفة مدتها 3 أسابيع ومجانية، وتحملت الجامعة الروسية التكاليف، وتسلم الدارسين 3 شهادات باللغات العربية والإنجليزية والروسية. والشهادات معتمدة من الجامعة الروسية، وأيضا ولأول مرة في المعاهد الكنسية تم إجراء فيديو كونفرانس مباشر مع مقر الجامعة بموسكو للتواصل بين الجامعتين مباشرة.

كيف يستفيد المعهد من التكنولوجيا الحديثة للتطوير من أدائه؟

مهم جدا التواصل مع جامعات العالم، ففيه تبادل خبرات وثقافة، والاستفادة تكنولوجيا وتربويا، والسفر للخارج يحتاج الكثير من التكاليف، وكان البديل استخدام وسائل التعليم الإلكتروني والفيديو كونفرانس والتعليم أون لاين، وبدأنا تطبيق هذه الوسائل لأنها تسرع وتوسع من دائرة التواصل وذك في المجالات التي يمكن التعاون فيها، مثل اللغات والتاريخ والفن والآثار والعمارة والاجتماع.

وهل يستجيب الطلبة لهذه الطريقة؟

أسلوب التعليم الإلكتروني سهل ومريح، وهو أن التعليم يصل الكترونيا للطالب في مكان تواجده دون عناء، ودون مشقة وتكاليف السفر أو الانتقال، ويعطي امكانية التواصل مع جامعات الخارج، وله شهادات معتمدة من الجامعات الأجنبية ، وتعلمنا منه كهيئة تدريس تبادل الخبرات، وطرقا جديدة الكترونية، وطرق جديدة تربوية للتدريس وهي كيف يمكن أن يكون التعليم جاذبا وليس منفرا، وتوجد نظريات عن وسائل التعليم الجذاب أو التعليم بالسعادة، مثال ذلك الأساتذة الروس حين جاؤوا لتدريس دورات اللغة، حملوا معهم حقائب تضم حلوى من بلادهم لتقديمها للدارسين، وعندما قدموا دروس بالفيديو كونفرانس كانوا يقدمون معها عروضا إلكترونية أو أفلام تسجيلية جذابة وشيقة.

هل يتم تدريب هيئة التدريس على هذه الطرق؟

نعم، يعقد المعهد العديد من الدورات التدريبية لهيئة التدريس لاستخدام الوسائل الحديثة لتطوير المناهج وطرق التدريس، مع تربويين متخصصين، وكثير من أعضاء هيئة التدريس يشاركون في دورات تعليم اللغات، وفي دورات تعليم الوسائل الالكترونية والتكنولوجية، ومن ضمن الأنشطة شاركنا بالإنتاج العلمي والفني لهيئة التدريس في معارض بعدة أماكن، بينها أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وجار التنسيق مع عدد من المتاحف للتعاون في أنشطة مشتركة، بينها: المتحف القبطي ومتحف النسيج المصري والمتحف القومي للحضارة المصرية وغيرها.

البابا تواضروس يدعم معهد الدراسات القبطية

كيف تدعم الكنيسة معهد الدراسات القبطية؟

في الحقيقة، قداسة البابا تواضروس الثاني هو الرئيس الأعلى للمعهد، يهتم بمساندة وتدعيم المعهد في أمور كثيرة جدا، بينها زيارات قداسته للمعهد، واللقاءات مع هيئة التدريس والدارسين، ومع مجلس المعهد ومجالس الأقسام، ومشروع تجديد استوديو الصوتيات بقسم الألحان، وإنشاء مكتبة حديثة متطورة بالطابق الثالث، وحفل توزيع شهادات التخرج في حفل الخريجين لـ6 دفعات متتالية في نوفمبر الماضي، وتكريم العمداء السابقين وتكريم أعضاء هيئة التدريس، وشهادات الطلبة الوافدين للدراسة بالمعهد من إثيوبيا ولبنان وروسيا ومن السريان والأرمن وغيرهم.

ومن بين الأمور التي تمت أيضا، التوسع في تشكيل مجلس المعهد ليشمل رؤساء الأقسام ونواب رؤساء الأقسام وشباب الباحثين والآباء الأساقفة، الذين يعملون في مجال الدراسات القبطية، مع ممثلين عن الجهات الأخرى التي تعمل في مجال الدراسات القبطية، كما عقد قداسته اجتماعات متعددة مع مجلس المعهد ومع قسم الفن وهيئة التدريس، وتفقد المعهد قاعة قاعة، وغرفة غرفة، ووزّع الشهادات للدارسين الذين أتموا دورات اللغة الروسية .

هل سننتظر 6 سنوات آخرين لتكريم الخريجين؟

لن نحتاج 6 سنوات أخرى، ومن المقرر تنظيم حفل الخرجين كل عامين.


مواضيع متعلقة