60 بطلا من ذوي الهمم يقدمون "الكنز".. المسرحية الأولى من نوعها

كتب: نهال سليمان

60 بطلا من ذوي الهمم يقدمون "الكنز".. المسرحية الأولى من نوعها

60 بطلا من ذوي الهمم يقدمون "الكنز".. المسرحية الأولى من نوعها

"فين الفيل؟.. فين الفيل؟".. كلمة تترد في جنبات المسرح، بدا بعدها المخرج منزعجا مقبلا على تمثال لفيل في أحد جنبات المسرح ليكسره، ثم يظهر صوت أعلى من أصواتهم يعلن بدء العرض المسرحي، بينما تعلو أصوات أخرى مطالبة بالحرية في اختيار طريقة الأداء التمثيلي، معلّلين ذلك بأنّ الفنانين ليسوا سواء و"يونس شلبي مش زي عادل إمام"، وأنّهم قادرون على تقديم العرض من منظورهم، ليبدأ "الكنز" برحلة البحث عن فيل، يجسدها 60 شابا وطفلا من ذوي الهمم.

أمام مسرح الشمس المجهز لذوي الهمم في الحديقة الدولية بمدينة نصر، وبعد انتهاء أعمالهم اليومية سواء الدراسة أو العمل، بدأوا عرضهم بحماس، يترقبون بدء البروفة كما اعتادوا قبل 8 أشهر بواقع 3 مرات أسبوعيا، من السادسة وحتى التاسعة مساء، متخذين من تلة حشائش عالية مسرحهم المفتوح.

"الوطن" كانت حاضرة في بروفة "الكنز"، أول عرض مسرحي يقدمه 60 شابا وطفلا من ذوي الهمم، يأتي في قصتين، الأولى لمخرج يصارع لوضع مُمثليه في قالب غير محبب لهم، والثانية لمُمثلين يحاولون صنع قصتهم وطريقتهم في التمثيل، لتستعرض المسرحية مهارات الممثلين، الذين يقدمون أدوارا مختلفة، فقد يتقمص أحدهم دور حيوان يبحث عن فيل، أو شخصية في مملكة، أو يقدم أغنية.

يوسف: الناس هتتفاجئ.. وهيتبسطوا بشغلنا

"يا أهل المدينة اسمعوا وعوا.. مولاتنا الملكة تدعوكم للاحتفال".. منادي الملكة، أو يوسف محمد، الذي يتخذ من البروفة ساحة يفجر من خلالها طاقاته، يتحرك هنا وهناك، يؤدي دوره المنفرد ثم يعود ليؤدي أدوار أخرى جماعية، ورغم أنّ "الكنز" ليس أول أعماله، لكنه أعطاه مساحة أكبر للتمثيل، فبحسب يوسف، الطالب في الصف الثاني الإعدادي، في حديثه لـ"الوطن" أنه سبق له العمل في عرض استعراضي: "الناس هتتفاجئ وتنبسط بشغلنا".

منة تتحدى متلازمة داون بالتمثيل

على التلة الخضراء، تتحرك بخفة وتواجه الجمهور دون خوف، وبصوت حزين، تسير منة الله محمد، تروي للجمهور عن الفيل الذي اختفى فجأة "فيل تايه والفيل صاحبي أنا بحبه.. الفيل بيخلف مرة واحدة في السنة يجيب فيل كبير يهز الأرض، لكن الكلب يخلف كتير".. من هنا تبدأ رحلة البحث عن الفيل، على لسان منة (20 عاما) لـ"الوطن"، في تجربتها الأولى بالتمثيل، متحدية متلازمة داون.

الإعاقة الذهنية لم تكن عائقا أمام علاء مصطفى، أو عمرو سعيد، الشابين العشرينين، فالأول هزمها بصوت جميل وبالرياضة، والثاني واجه تحديه بالدراسة والعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية، ليجمعهما التمثيل في "الكنز"، ومشاهد يؤديان فيها شخصيات "العميان" ضمن الأسطورة المعروفة بـ"الفيل والست عميان"، إلى جانب أدوار أخرى، وبين هذا وذاك يغنيان أغنيات تراثية قديمة.

معتصم يؤدي دور ملك الغابة في مسرحية الكنز بأداء صوتي وحركي مميز

"الملك العظيم التخين عايز ينام".. بهذه الكلمات يظهر معتصم هاشم (31 عاما) في دور الأسد ملك الغابة، بأداء متمكن يظهر في شخصية الملك الكسول، وبصوت يختلف مع كل موقف، يتقمص الشخصية في أول ظهور له على المسرح بشكل درامي وكوميدي عكس تجربة سابقة: "المسرح حلو جدا وبحب جو وجودي فيه، ومسرحية الكنز عملت فيها أداء مختلف عن الاستعراض في السابق"، وفقا لحديث معتصم بطل كأس مصر في السباحة لـ"الوطن".

شقيقة حبيبة: مشاركة أختي في العرض أثرّت عليها.. وأتمنى لها الاستمرار في التمثيل

يتداول الحيوانات بينهم قصة اختفاء الفيل، ومع تطور الأحداث يتبيّن أنّه "مخطوف"، فيصل الأمر إلى الملكة التي تبدأ رحلة البحث عنه بتحديد مكافأة للوصول إليه، والاستعانة بالساحرات، فيأتي دور حبيبة خالد (17 عاما) بشخصية الملكة، يحيط بها عددا من الساحرات والعرافة.

"العرض عمل دمج لأكتر من إعاقة، اتعلمت منه كتير وأختي حبيبة لاحظت إنها بتتقدم جدا وكل مرة بتتفاعل أكتر"، قالت ملك خالد، شقيقة حبيبة، التي تشاركها العرض كأحد الأسوياء الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، مضيفة أنّ التدريب استمر لفترة طويلة، لكن أثره واضح على شخصية شقيقتها، متمنية أن تستمر في أداء الأدوار حتى يكتمل اندماجها.

هايدي وميري ونهال يجسدون أدوار ساحرات الملكة بقدراتهم الخاصة

بحركات استعراضية وغناء وأداء صوتي، يُبرز مهاراتهم الخاصة، ولا يبدو عليهم أثر لإعاقة يجاهدونها للظهور على المسرح ومواجهة الجمهور، بثقة وثبات تسير هايدي جمال وميري صبحي ونهال حسن وآخرون، على التلة الخضراء، يحالون بسحرهم الوصول للفيل، يتخليون البحيرة أمامه، يفحصون ماءها ليعرفوا إن كان الفيل قد مرَّ وتحمم بها، وتستعرض الأولى مهاراتها الرياضية في اتقان الكاراتيه بإضافة قوة سحرية لهم، وفي وقت آخر تقودهم نهال في رحلة البحث مستغلة مهاراتها القيادية التي تعلمتها في مدرسة التأهيل حيث تدرس الكمبيوتر، كون المدرسين يجعلونها مراقبا على قريناتها، وتحكي ميري عن سعادتها كونها في أول تجربة مسرحية لها "مبسوطة جدا وشادي علمني كتير علشان أقدر أقف على المسرح".

روان في دور القطة: مش أول تجربة ليا.. بس أول مرة أمثل واتكلم في دوري

وتشارك روان محمد صدقي (18 عاما) في عرض مسرحية الكنز، بدور القطة، تهرول بين الأرجاء وتسكن فجأة: "دي مش أول تجربة مسرح ليا، لكن دي أول مرة أشارك مش استعراض بس إنما بتكلم"، بحسب روان من أصحاب متلازمة "داون"، في حديثها لـ"الوطن"، ثم تحركت بخفة على المسرح وهي تستعرض مهاراتها في الباليه الذي تدرسه في المعهد العالي للباليه.

شيماء تتحدى داون وجودة يتحدى التأخر الذهني بالتمثيل

"مسرحية فيها كل حاجة ومساحة كبيرة أطلع موهبتي غير لما كنت صغيرة وبطلع في مسرحيات أعمل استعراض، وكان نفسي أبطله علشان كبرت" بهذه الكلمات بدأت شيماء أبو بكر،29 سنة، حديثها لـ"الوطن"، لتروي دورها في "الكنز"، حيث تقوم بدور الغزال الذي يمشي مختالا بجماله، فيعجب به الأسد، ثم تقوم بدور العصفورة التي تجوب المناطق مع باقي الحيوانات أو تسبقهم في البحث عن الفيل، متمنية أن تصبح ممثلة محترفة، لتضيفه لموهبة الرسم متحدية متلازمة داون.

ويحكي جودة نبيل، الطالب بكلية الآداب، والمصاب بالتأخر الذهني، أن الثقة بالنفس هي أهم المهارات التي اكتسبها من التمثيل، حيث يجسد شخصية القرد، فعكف على دراسة حركات الشخصية ومواصفتها مع والدته، ليقف في العرض المسرحي مؤديا الشخصية بثقة، تارة ينخفض صوته، وتارة يعلو بحيث يخدم الموقف والقصة، "المخرج قدر يطلع حاجات جديدة يخلينا نتقمص الشخصية ونذاكر الحيوانات ونمي مهارتنا ونحس بالانجاز".

يشارك  في مسرحية الكنز أسوياء لم يتخطى عددهم أصابع اليد

يمنى محمود وشهد محمود وأحمد محمد، أسوياء لم تتعدى أعمارهم 15 عاما، إلا أنّ وجودهم كممثلين في المسرحية كان إضافة كبيرة لهم، يقول أحمد الذي يؤدي دور قرد، لـ"الوطن": "تعلمت من المسرحية الانتماء، وإن مفيش فرق بين واحد والتاني، كل واحد عنده موهبته وبيظهرها بطريقته"، وهو ما اتفقت معه فيه يمنى، أصغر فناني المسرحية، التي تؤدي دور الخروف، أما شهد فتجسد دور عصفورة.

على الجانب الآخر، وبعيون ملأها الفخر، وقف آباء وأمهات الفنانين أسفل التلة الخضراء، يرددون مع أبناءهم السيناريو الذي حفظوه عن ظهر قلب، متناسين ما قطعوه من رحلات من المنزل أو مقار عملهم لنقل أبنائهم إلى المسرح، يشجعهم في ذلك ما وجدوه في نفوس أبنائهم من سعادة بالعمل في المسرحية.

مؤلف ومخرج الكنز: المسرحية تجسيد حقيقي للإنسانية.. بينشرها الفن بـ60 شخصية من ذوي الهمم "همّا جيشي"

"الكنز" هي النص الرابع الذي يؤلفه شادي قطامش (29 عاما)، وسط تجارب لا حصر لها من الديكور المسرحي، بدأت فكرته حين كان منوطا به عمل ديكور لمسرحية يؤدي جزء منها ممثلين من ذوي القدرات، يتواصل معهم ثم يقرر تدريبهم، ومع متابعته للعروض المسرحية التي يشاركون بها ساءه ما يحدث، فقرر أن يكون لهم عملهم الخاص، لإبراز مهارتهم دون قولبة أو تنميط باستعراض أو تقليد، فبدأ رحلة "الكنز" التي سبقها تجربة لم يكتب لها النجاح: "كتبت نص، وغيّرته تاني من 8 شهور، في أول 5 بروفات فشلوا وحسيت إني مش عارف أعمل حاجة" وفقا لـ"شادي" في حديثه لـ"الوطن".

لم ييأس شادي، بدأ بروفات منفردة مع كل فرد على حدة، حتى استطاع الخروج بعمل متكامل، وعالج مشكلات مخارج الحروف والأداء التمثيلي، متمنيا أن يعرض "الكنز" ضمن عروض البيت الفني للمسرح في يناير 2020: "المسرحية فيها شغل كتير، بتقول إحنا قد التحدي، الكنز رسالة إن القراءة والمعرفة هما الكنز الحقيقي اللي لازم نجري وراه، المسرحية تجسيد حقيقي للإنسانية، بينشرها الفن بـ60 شخصية هما جيشي"، ليتم حديثه قائلا: "كلنا كبشر ذوي احتياجات خاصة".


مواضيع متعلقة