"يدوي ومُميكن ومطور".. تعددت مسميات "الشهر العقاري" والمعاناة واحدة

"يدوي ومُميكن ومطور".. تعددت مسميات "الشهر العقاري" والمعاناة واحدة
- الشهر العقاري
- العدل
- التوكيلات
- تطوير الشهر العقاري
- التخطيط
- الشهر العقاري
- العدل
- التوكيلات
- تطوير الشهر العقاري
- التخطيط
مدخل صغير لعمارة قديمة لا تعلوه أى لافتة، وسلم متهالك ضيق تتصدره امرأة منتقبة تتسول، وبعض المواطنين الذين ضاق بهم المكان بالداخل، هكذا الطريق إلى مكتب الشهر العقارى الرئيسى بالجيزة، الذى يرتاده مئات المواطنين على الأقل يومياً من أجل إنجاز مصالحهم، ويخرجون منه، إذا ما قُدر لهم النجاح، وهم يأملون ألا تضطرهم الظروف لتكرار مثل هذه التجربة.
داخل المكتب لم يكن الوضع أقل سوءاً من المدخل، حيث يجد الزائر نفسه بين طرقات ودهاليز وغرف ضيقة مظلمة ومُكدسة بالمواطنين الذين يقف العشرات منهم وأحياناً يجلس بعضهم على الأرض فى انتظار دورهم، تاركين المقاعد القليلة الموجودة لكبار السن والنساء والأطفال والمرضى.
"نادية": قلة عدد الموظفين تؤدى لبطء الإجراءات وشباب كتير مش لاقى شغل
على أحد المقاعد الخشبية كانت نادية فوزى، ربة المنزل التى جاءت من التاسعة صباحاً، ما زالت تنتظر «ختم» التوكيل الذى جاءت لاستخراجه، رغم أن الساعة كانت الثانية عشرة والنصف ظهراً، حيث أشارت إلى تجمع كبير من المواطنين يقفون أمام باب إحدى الحجرات، قائلة «الناس دى كلها زيى مستنية يتنده اسمها عشان ورقها يتختم الختم النهائى»، اجتازت «نادية» نحو ست مراحل قبل أن تصل لمرحلة انتظار الختم، «الأول تسلم البطاقة، وبعدين تملا التوكيل، وبعد كده تسجل فى الدفتر، وبعدين يحددوا قيمة الرسوم اللى هتدفعها، وتروح للخزنة، وبعدها تروح للختم اللى بندفع له رسوم، وبعدين تروح للمدير عشان يتختم ختم نهائى»، ورغم تعدد الإجراءات، تؤكد «نادية» التى تعاملت مع نفس هذا المكتب أكثر من مرة من قبل، أن المشكلة فى عدد الموظفين القليل، قائلة: «لو عدد الموظفين زاد كلنا هنمشى بدرى»، مضيفة: «شباب كتير معاهم مؤهلات وقاعدين مش لاقيين شغل، ليه ما يجبهومش يشغلوهم، ويخففوا عن الناس اللى بتتعذب هنا».
من بين عدد من الرجال الذين كانوا واقفين بانتظار الختم، كان هناك الشاب محمد محمود، مندوب المبيعات، الذى قال بينما كانت علامات الضيق والغضب واضحة عليه: «الخدمة هنا زى الزفت وحاجة رديئة جداً، عشان تعمل توكيل بياخد أكتر من أربع ساعات، وإحنا شباب وممكن نستحمل، إنما الناس الكبيرة اللى قاعدة دى هتعمل إيه؟!»، وتابع «محمد» الذى كان يستند على حائط مكتوب عليه «حسبى الله ونعم والوكيل»: «متهيألى الخدمات دى ممكن تتعمل على النت عشان الوقت، ومصالحنا اللى بتقف، وكبار السن، والمجهود اللى بيبذلوه»، متسائلاً: «أمال إزاى بنقول هنعمل حكومة رقمية؟!».
وبينما كان «محمد» يُنهى حديثه، كانت سيدة قد جاءت للمكتب للتو وبدت عليها الصدمة من شكل المكتب من الداخل ودهاليزه وردهاته المظلمة وحوائطه المتسخة، فما كان منها إلا أن قالت «دى حمامات».. وبينما كانت تنتقل من غرفة لأخرى، ولا تجد إجابة عن طلبها، كانت تردد «الحمام ده مش شغال.. نشوف حمام تانى»، وهى العبارة التى كانت تثير استياء البعض، وضحكات البعض الآخر، ظلت السيدة تتنقل ما بين مكتب وآخر حتى وصلت لمكتب مدير الفرع، وأخبرت أحد العاملين به أنها تريد أن يأتى معها أحد الموظفين للمنزل لوالدتها المريضة لتحرير توكيل ببيع سيارة، فأخبرها بأنها يجب أن تتوجه لمكتب الشهر العقارى التابعة له المنطقة التى بها العقار القاطنة به والدتها، وبعد أن تجادلا قليلاً طلبت الحديث مع المدير شخصياً، فتركها الموظف قائلاً: «هتتكلمى معاه وتضيعى وقته، وبرضه هيقولك نفس الكلام». لم تختلف معاناة المواطنين كثيراً فى مكتب شهر عقارى الجيزة «اليدوى» عنها فى مكتب شهر عقارى جنوب القاهرة «المميكن» (أى الذى يستعمل كمبيوترات فى تحرير وحفظ توكيلاته)، والواقع بحى السيدة زينب بالقرب من «مشرحة زينهم»، بل ربما زادت، وترتبت عليها مآسٍ أكثر.
"سيد": "السيستم" وقع مرتين و"لبست قضية" عشان التوكيل اتأخر
على أحد المقاعد الخشبية كان يجلس سيد محمد، ميكانيكى معدات، جاء من التاسعة صباحاً، بعد أن اكتشف محاميه فى قضية متهم فيها، أنه لم يحرر توكيلاً له فيها، وأخبره بذلك فى نفس اليوم. جاء سيد مبكراً على أمل أن يتمكن من تحرير التوكيل سريعاً واللحاق بالمحامى فى المحكمة. لكن الساعة كانت قد قاربت الثانية بعد الظهر، ولم يكن حصل على التوكيل بعد، بعد أن «وقع السيستم» مرتين، ترتب عن تأخر استصدار التوكيل صدور حكم ضد «سيد» بـ5 آلاف جنيه غرامة وسنة حبس فى جنحة مرور، بسبب ضبطه بموتوسيكل اشتراه بدون ورق»، وكما يقول سيد: «اتحددت إقامتى جوه البلد ولو سفرية شغل جاتلى مش هقدر أسافر، وأنا معايا 5 عيال لازم أجرى عليهم، ولو ماشى وقابلتنى لجنة ولا حاجة هيلاقوا عليّا قضية ويمسكونى».
غير بعيد عن «سيد» كان عدد من كبار السن جالسين أو واقفين بانتظار أن يسمعوا أسماءهم، ليتوجهوا لتسلم التوكيلات الخاصة بهم، ومن بينهم رجل وقف مستنداً على عكاز بينما يرفع قدميه بالتبادل ليريحهما، ولو قليلاً، من عناء الوقوف. انتظر الرجل ثم اضطر للخروج من القاعة الرئيسية الفسيحة للمكتب، للذهاب للحمام، وهو فى طريقه أخذ يبدى استياءه من الخدمة المقدمة قائلاً: «أنا هنا من الصبح ولسه ما خلصتش، وحاجة سيئة فى كل حاجة، فى التعامل وفى الخدمة، وكل شوية يقولك السيتسم وقع». تركنا مكتب شهر عقارى جنوب القاهرة «المُميكن» وتوجهنا لمكتب شهر عقارى مدينة الشيخ زايد «المطور»، الذى يعمل بنظام الشباك الواحد، والذى سعى لاستحداثه فى عدد من المكاتب مساعد وزير العدل الحالى لشئون الشهر العقارى، وفقاً لما قاله قيادات بالمصلحة.
كان المكتب الذى تم افتتاحه من وقت قريب يبدو أكثر نظافة وتجهيزاته أحدث، غير أن المعاناة كانت واحدة تقريباً، بل ربما أكثر بالنسبة للبعض، ومن بينهم أحمد محمد، المحامى، الذى أشار إلى أنه عادة ما يتطلب الأمر يومين وأحياناً ثلاثة ليستخرج توكيلاً أو يقضى مصلحة، وخلال هذين اليومين تتعطل فيهما تقريباً مصالحه. فى المقابل، أرجع أحد العاملين بالشهر العقارى مشاكل المواطنين مع الشهر العقارى إلى «سوء الإدارة من جانب وزارة العدل»، مشيراً إلى أنه حتى عندما أرادوا تطوير العمل واستحداث «نظام الشباك الواحد» ليقوم موظف واحد بإنهاء كل الإجراءات للمواطن، فيما يعرف بـ«المكاتب المطورة»، لم يستشيروا القائمين بالعمل كما يجب فى السيستم الجديد الذى تم تطبيقه، وكانت النتيجة بطء العمل أكثر، ويستطرد الموظف، الذى رفض ذكر اسمه خوفاً من «بطش الإدارة»، على حد قوله: «بعد ما كان الموظف بيعمل 130 توكيل فى اليوم، دلوقتى مع السيستم الجديد فى المكاتب المُطورة بيعمل حوالى 30 توكيل، والمكتب كله ممكن يعمل حوالى 120 توكيل فى اليوم، وما يزيد على هذا العدد من المواطنين يضطر للمجىء يوم تانى، وهو ما يدفع الكثيرين عادة للمجىء منذ الفجر»، مؤكداً فى النهاية أن الحل هو «استقلال المصلحة وتطويرها استناداً لخبرات العاملين بها».