أطفال انتصروا على "السرطان": "إحنا أقوى من المرض"

أطفال انتصروا على "السرطان": "إحنا أقوى من المرض"
- مرضى السرطان
- مرض السرطان
- أطفال السرطان
- محاربة السرطان
- السرطان
- مرضى السرطان
- مرض السرطان
- أطفال السرطان
- محاربة السرطان
- السرطان
رحلة طويلة مشبعة بتفاصيل ربما لن يدرك مرارتها سوى من مر بها، خاضوها بمفردهم مع المرض الخبيث الذى غيّر ملامح أجسادهم وعكّر صفو حياتهم البسيطة، فمنذ اللحظة التى اكتشفوا فيها مرضهم تبدّل حالهم، ففى الوقت الذى كان فيه زملاؤهم يستعدون للذهاب للمدرسة، كانوا هم فى طريقهم للمستشفى من أجل الحصول على جرعة «الكيماوى» أو «الإشعاع» التى كانت تنهش فى أجسامهم الصغيرة كلما جرى فى عروقهم، ورغم الآلام التى كانت تفوق طاقتهم على التحمل، قرروا أن يصمدوا أمامه ويحاربوه بكل ما تبقى من قوّتهم، وعاشوا على أمل أن تكون كل جلسة هى الأخيرة، حتى تمكنوا من تحقيق حلمهم الذى لم يفارقهم منذ دخولهم المستشفى بإعلانهم الانتصار عليه والتعافى منه تماماً.
رغم أن الألم فوق طاقتهم.. صمدوا.. وحاربوه بكل ما تبقى من قوتهم
«الوطن» تستعرض فى السطور التالية حكايات لأطفال حاربوا مرض السرطان لسنوات طويلة وتعافوا منه بفضل تشبثهم بالأمل وتعلقهم بالحياة.
"منة" تعافت مرتين بسلاح "الصبر والعزيمة": "كنت بقوِّى نفسى وواثقة فى الشفاء"
لم يخطر ببال «منة الله مصطفى»، 16 عاماً، وهى ترى إعلانات مستشفى «57357» على شاشة التلفزيون من وقت لآخر أنها ستكون واحدة من أبنائه الذين يترددون عليه للحصول على جرعة كيماوى، فقبل 5 سنوات من الآن، لاحظت ظهور كتلة صغيرة بحجم اللوزة برقبتها، فأخبرت والدتها التى توجهت على الفور لطبيب نصحها بإجراء عملية لإزالتها والحصول على عيّنة منها لفحصها، إلا أن خوفها على ابنتها التى كانت تدرس حينها بالصف السادس الابتدائى، دفعها للذهاب إلى أكثر من طبيب، على أمل أن يكون لها علاج بدلاً من التدخل الجراحى، لكن بعدما أكدوا لها جميعهم أهمية العملية، اضطرت للخضوع لإجرائها، لتكتشف إصابتها بالورم الخبيث.
«ماكنتش فاهمة وقتها كلام الدكتور، بس لما شفت الدموع فى عيون والدى ووالدتى عرفت إن اللى عندى حاجة مش سهلة»، هكذا بدأت «منة» حديثها، متذكرة اللحظات الأولى التى عاشتها بعد علمها بمرضها، حيث توجهت بعد حصولها على نتيجة العيّنة لمستشفى الشرطة، الذى حولها فوراً إلى مستشفى 57357 لتبدأ به رحلة علاجها: «بعد ما المستشفى تأكد إنى مأخدتش أى علاج للورم، حجزونى فيه لمدة أسبوع عملت فيهم أشعة وتحاليل كتير، وأول ما نتيجتهم ظهرت حددوا لى مواعيد جلسات الكيماوى».
وحصلت ابنة محافظة أسوان على مدار 6 أشهر متواصلة على 12 جرعة كيماوى، بمعدل جلستين كل شهر، مدة كل منها 8 ساعات، ورغم الآلام التى كانت تشعر بها كلما جرى الكيماوى فى عروقها، كانت تعيش على أمل أن تصبح تلك الجلسة هى الأخيرة وأنها ستعلن انتصارها عليه، لكن نتيجة التحاليل التى أجرتها بعدما انتهت من جرعات الكيماوى المحددة لها جاءت مخيبة لآمالها، حيث فوجئت بانتشاره فى أجزاء أخرى من جسدها، ما اضطرها للخضوع للعلاج الإشعاعى، على حد قولها: «أخدت راحة شهر من العلاج، وبعدها عرفت إن الورم انتشر فى بطنى وصدرى، وإنى هاخد جلسات إشعاع، وقتها كرهت المكان ده بسبب التعب اللى شفته فيه، ماكنتش بقدر بعد كل جلسة إنى أعمل حاجة، حتى الحركة البسيطة ماكنتش بقدر عليها».
تصالحت مع شكلها بدون شعر.. والطبيبة بشّرتها: "مش عاوزة أشوفك تانى غير كل 3 شهور.. إنتى بطلة وغلبتيه"
وبعد انتهائها من جلسات الإشعاع، أجرت «منة» بعض الفحوصات المعتادة، لكن تعبيرات وجه الطبيبة التى كانت تدقق بعينيها فى الأوراق المفرودة أمامها، تشير إلى أمر جديد لم تعتد عليه منذ دخولها المستشفى، مما زاد قلقها ودفعها إلى الاستفسار منها عن نتائج التحاليل، لترد عليها الطبيبة بابتسامة عريضة ارتسمت على وجهها قائلة لها: «مش عايزه أشوفك تانى غير كل 3 شهور.. إنتى بطلة وغلبتيه». لم تستوعب الطفلة وأمها التى غلبتها دموع الفرحة ما قالته الطبيبة، لتكرر سؤالها على الأخيرة، لتتأكد مما سمعته، لتجد فى كل مرة نفس الرد: «ماكناش مصدقين إنى قدرت على المرض ده، وإنى هرجع لحياتى من تانى، ولحظة ما الدكتورة قالت لى كده أمى حضنتنى كتير وفضلنا نعيط من فرحتنا».
18 شهراً عاشتها «منة» بعيدة عن المستشفى الذى قضت فيه أوقاتاً صعبة، عادت خلالها لحياتها الطبيعية ولمدرستها التى تبتعد عن منزلها بمنطقة إمبابة خطوات قليلة، ولأصحابها اللاتى أخفت عنهن مرضها خوفاً من أن يبتعدن عنها، حيث كانت تكتفى بالعودة إليه من وقت لآخر لإجراء الفحوصات اللازمة، حتى شكت طبيبتها فى إحدى المرات فى ظهور الورم مجدداً فى الغدد الليمفاوية برقبتها، فطلبت منها إجراء عدة تحاليل والتى أكدت جميعها شكوكها: «لما الدكتورة قالت لى إن الورم رجع وهاخد كيماوى مكثف فضلت أعيط وأقول لها ليه كفاية عليا كده، مش عايزه آخد جرعات تانى، أنا لسه مبطلة من فترة وجسمى تاعبنى».
وما بين مشاعر الحزن والخوف، خضعت «منه» لأول جلسة كيماوى مكثف والتى استمرت لمدة 5 أيام متواصلة على جهاز الكيماوى، ما تسبب فى انخفاض مناعتها تماماً وحجزها فى غرفة منعزلة لمدة 15 يوماً، بجانب تساقط بعض خصلات شعرها، الأمر الذى زاد من وجعها، على حد تعبيرها: «لما خلصت الجرعة شفت شعرى بيقع منى، جمعته وبقيت أبص عليه وأعيط، إحساس صعب لما حد يشوف جزء منه بيروح بسبب حاجة مالهوش ذنب فيها».
كانت «منة» بعد كل جلسة كيماوى تقف أمام مرآتها، تتحسس بكفها الصغيرة رأسها الذى خلا من الشعر باستثناء خصلات بسيطة، ثم تدخل فى نوبة بكاء، مما دفع والدتها إلى قص ما تبقى من شعرها: «كان فاضل فى راسى كام شعراية، فلما ماما دخلت عليا ولقيتنى بعيط، جابت المقص وقصتهم، وقالت لى بلاش تستنى لما يقعوا قدام عينيكى وتتعبى، وبعدها لبّستنى بندانة وقالت لى وهى بتعيط بلاش تقلعيها لحد ما تخلصى علاج»، وبعد مرور أسبوعين قررت خلعها والتصالح مع نفسها لمواجهة المرض اللعين ومحاربته، فكتبت على صفحتها الشخصية «بوست» تشرح فيه ما تعرضت له خلال السنوات الماضية، لتفاجأ بوجود دعم كبير من أصدقائها ومعلميها، مما ساعدها على تخطى أزمتها، وفقاً لكلامها: «كانت لحظة صعبة لما رفعت عينى فى المراية وشفت شكلى من غير شعر، كنت مستغربة نفسى، بس كنت لازم أتقبلها عشان ما ضعفش، فكنت بعيط وفى نفس الوقت بقول لنفسى إنتي قوية، هتهزميه زى أول مرة»، حتى تمكنت بعد انتهاء 6 جلسات كيماوى أخرى من تحقيق حلمها الذى لم يفارقها منذ دخولها للمستشفى، وانتصرت عليه للمرة الثانية.
"رحمة" حاربت الألم بالفرشاة والألوان ووالدتها: "لولا الفن ماكانتش خفّت"
داخل الورشة الفنية بالمستشفى، جلست «رحمة ياسر»، 16 سنة، ممسكة بيدها فرشاة وألواناً مختلفة تختار منها ما يتناسب مع لوحتها الفنية الجديدة التى تعبّر من خلالها عما عانته خلال فترة مرضها التى دامت لأكثر من عامين، فقبل 6 سنوات كانت «رحمة» تعانى باستمرار من نزيف فى البول، ظن الأطباء فى بداية الأمر أنه نتيجة وجود التهابات وقرح، لكن بعدما ساءت حالتها، طلب أحدهم إجراء أشعة مقطعية ومنظار لفحصها، لتأتى نتيجتها، بحسب كلام الطبيب، أنها مصابة بسرطان فى المثانة.
لم تكن هذه الكلمات هيّنة على أسرتها، وخصوصاً والدتها التى ظلت تبكى بحرقة حزناً على ابنتها الصغيرة، حتى نصحها الطبيب بالذهاب بها لمستشفى «57357» لتبدأ العلاج، مؤكداً لها أن حالتها لا تتحمل أى تأخير، بحسب كلام الأم، التى لم تتردد فى التوجه للمستشفى الذى أجرى لها بعض الفحوصات مجدداً: «كان معايا كل ورقها وجيت بيها على هنا، والحمد لله اتقبلت على طول، وعملوا ليها منظار جديد، فضلت أسبوع مستنية نتيجته تظهر، كنت بموت كل يوم، وبدعى إنه يكون حميد، بس للأسف الدكاترة أكدوا إنه كانسر فى المرحلة الثالثة».
لم يكن أمام «رحمة» سوى الخضوع للعلاج الكيماوى بعدما أكد لها الأطباء صعوبة استئصال الورم لوجوده فى جدار المثانة، حيث خضعت الطفلة لـ40 جلسة كيماوى، بخلاف 30 جلسة إشعاع أنهكت جسدها الضعيف: «كانت بتتألم فى كل جلسة، وبتاخد مسكّنات كتير، لكن ماكانتش بتجيب معاها أى نتيجة، وما بقتش تاكل لحد ما وزنها وصل لـ17 كيلو، كنت بتعذب لما بشوفها، بس قدامها بحاول أقوّيها وأسندها».
تتردد على المستشفى لزيارة أصحابها.. وشاركت فى معارض للرسم داخل مصر وخارجها
كانت لجلسات الكيماوى التى تخضع لها «رحمة» مضاعفات عديدة، أهونها، بحسب كلام الأم، سقوط شعرها جلسة بعد الأخرى، مشيرة إلى أن طفلتها الصغيرة واجهت لحظات مريرة، ما بين ألم وضعف وقلق، فالأمر لم يكن هيناً عليها، وخصوصاً بعدما فقدت سمعها: «رحمة كانت بتسمع بنسبة 50%، وبتلبس سماعة تحسّن السمع عندها، لما بدأت الكيماوى ما بقتش تسمعنى زى الأول، ده غير إن الورم كان فى منطقة حساسة بقت تخاف وتعيط كل ما حد يقرب منها، فهى قاست كتير لدرجة إنى كنت بقول يا رب لو هتفضل تتعذب كده ارحمها برحمتك أحسن»، لكن «رحمة» لم تستسلم لعدوها اللدود، ففى فترة مرضها، حاولت تخفيف آلامها المستمرة بـ«الرسم» الذى اعتادت عليه منذ طفولتها، فكانت كلما زاد الألم فى جسدها تتوجه للورشة الفنية التى تقع بالدور الثالث بالمستشفى للتخلص من الطاقة السلبية، ثم عرض لوحاتها التى تنتهى منها فى المعرض لبيعها للجمهور، فضلاً عن مشاركتها فى معارض كثيرة داخل مصر وخارجها، من بينها معرض تابع لمؤسسة الأهرام وآخر أقيم فى دبى، الأمر الذى ساعدها كثيراً فى التعافى من المرض اللعين، بحسب كلام الأم، مضيفة: «الحمد لله، ربنا كرمها وتعافت من المرض الخبيث من حوالى 5 سنين، والمفروض إننا نيجى هنا كل 3 شهور نعمل متابعة، بس بنتى اتعلقت بالمكان وبصحابها اللى لسه بيتعالجوا، فعلى طول بنيجى الورشة تقعد معاهم وتمارس هوايتها اللى ليها دور فى إنها ترجع لحياتها».
"أمير" تغلب على مأساته بالضحك: صاحبت "الكيماوى" لحد ما خفّيت ونجحت فى دراستى
كعادته كل إجازة، خرج «أمير محمد»، 16 عاماً، من مسكنه فى منطقة التجمع الخامس، مع زملائه لممارسة رياضة سباق الدراجات التى اعتادوها منذ طفولتهم، لكن هذه المرة كان ينتظره شىء آخر لم يكن فى الحسبان، حيث شعر فى منتصف السباق بدوار جعله غير قادر على استكماله، فعاد إلى منزله ليريح جسده الذى تورّم فجأة وارتفعت درجة حرارته، ما دفع أسرته للذهاب به سريعاً للمستشفى الذى أجرى له عدة تحاليل وأشعة كانت نتائجها جميعاً تشير إلى إصابته بسرطان حاد فى الدم.
«من 4 سنين نزلت مع صحابى نحجز ملعب الكورة وطلعنا بعدها بالعجَل، فجأة تعبت وجسمى ورم، وظهرت بقع فى جلدى، أهلى جريوا بيا على المستشفى، وساعتها عرفوا إن عندى كانسر»، تنقّل «أمير» وقتها بين أكثر من مستشفى بحثاً عن علاج يناسب حالته الصحية التى تدهورت كثيراً، حتى استقر به الحال فى مستشفى «57357» الذى تم حجزه فيه لمدة أسبوعين كاملين داخل العناية المركزة، وفقاً لكلامه: «كنت شبه ميت، نسبة الشفاء كانت أقل من 0.1%، منعوا عنى الزيارة ساعتها، وفضلت مدة مش حاسس بأى حاجة حواليا»، فبعد دخوله للمستشفى بأيام قليلة خضع لأول جلسة كيماوى، والتى كانت لها مضاعفات كثيرة زادت من آلامه، حيث أصيب بجلطة فى المخ تسببت فى عدم قدرته على الحركة حينها، وبمجرد أن أفاق وجّه لوالدته التى كانت تمكث معه أسئلة عديدة لم يجد لها إجابة طوال مدة إقامته داخل الرعاية: «قلت لها أنا فين وعندى إيه، ولما عرفت إن المرض ده جالى مازعلتش، بس كل اللى كان فارق معايا هخف منه ازاى وهعمل إيه فى دراستى».
اكتشف إصابته فى سباق للدراجات.. تلقى 146 "جلسة" على مدار 4 سنوات.. وحصل على "الإعدادية" بمجموع 96% أثناء علاجه
معاناة شديدة عاشها «أمير» الذى يدرس بالصف الثالث الثانوى، حيث خضع خلال رحلة علاجه التى دامت لمدة 4 سنوات لـ146 جلسة كيماوى وإشعاعى، كان بعد كل جلسة منها يتجدد وجعه مرة أخرى، لكنه قرر ألا يستسلم للمرض الذى نهش جسده الضعيف، فتعامل معه وكأنه فترة استثنائية فى حياته لن تطول، إذ كان ينتظر عودته لبيته بفارغ الصبر لمقابلة أسرته وأصدقائه الذين كانوا طوال فترة علاجه يدعمونه، بحسب كلامه: «أنا كنت حد رياضى وبروح الجيم وبدخل سباق، لكن الكيماوى دمرنى، بقيت فجأة شخص تانى مش قادر ينام ولا حتى يقعد، وعلى طول حاسس بصداع شديد، بس كنت بعافر وأقول لنفسى ماتقعش انت هتقدر تكمل». وأشار إلى أن أزمته الكبرى كانت تتمثل فى عدم قدرته على مذاكرة دروسه، وخصوصاً فترة امتحانات المرحلة الإعدادية التى ازداد فيها تعبه واضطر فيها لأخذ حقن كيماوى فى ظهره، لكنه عافر حينها وحاول بكل طاقته مذاكرة المنهج المقرر عليه لتحقيق حلمه بالحصول على مجموع عال: «ماكنتش عارف حاجة فى الدراسة بس كنت بحاول كل ما أقدر أذاكر عشان أجيب مجموع كبير أثبت بيه لنفسى ولأهلى إن مرضى مش هيكون سبب فى إنى أفشل، بس للأسف جسمى من الوجع ماكنش مساعدنى، وخصوصاً بعد الحقن، كنت بقعد يومين أحس إنى متكتف مش قادر أتحرك، وماكنتش بقول غير يا رب أنا ذاكرت على قد مقدرتى خليك معايا ما تسبنيش، والحمد لله جبت وقتها 96%، وحققت أكتر من اللى اتمنيته». اعتاد «أمير» الذهاب بمفرده للمستشفى فى أغلب جلسات الكيماوى خوفاً من أن يحمّل أسرته عبئاً آخر، إذ كان يكتفى باصطحابهم أثناء الجلسات المكثفة التى يخرج منها متعباً وغير قادر على الحركة: «كنت باجى لوحدى لو جلسة عادية، ماكنتش حابب أتعب حد معايا، وعلى قد ما كنت كاره أدخل المستشفى فى الأول دلوقتى بقيت بعتبرها واللى فيها صحابى، لأننا أكتر ناس حاسين ببعض وفاهمين بنمر بإيه». بلسان لم يكفّ عن المزاح، استكمل «أمير» قصته مع المرض اللعين التى انتهت قبل شهرين بعدما تمكّن من الانتصار عليه، حيث جاءت كافة نتائج التحاليل والأشعة التى أجراها داخل المستشفى «سلبية»: «أنا اتعايشت مع المرض والكيماوى وبقينا صحاب، ماكنتش متخيل إنى هتعافى منه، وهرجع لحياتى تانى، ولما الدكتور قال لى ما صدقتش ولحد اللحظة دى باجى هنا على طول أشوف صحابى»، مشيراً إلى أنه مرضه علّمه دروساً عديدة أهمها، بحسب كلامه، أن أى شخص قادر على تحقيق هدفه مهما كانت المعوقات التى تقف أمامه.
"أحلام" هزمت "الورم الخبيث" بعد 45 جلسة "كيماوى وإشعاع": "ما ضعفتش لحظة لأنى بحب الحياة"
عقب ارتداء أحلام سعد ملابس مدرستها، وقفت أمام مرآتها الصغيرة، تصفف شعرها الكثيف وتزيّنه كعادتها، فلاحظت مع اقترابها من المرآة وجود ورم بسيط عند أنفها، فأسرعت نحو والدتها التى توجهت بها على الفور للطبيب الذى شخّص حالتها بأنه «مجرد كيس دهنى»، فعادت الطفلة التى كانت تدرس حينها بالصف السادس الابتدائى لممارسة حياتها الطبيعية، لكنها لم تغفل الورم الذى كان يزداد حجمه يوماً بعد يوم، ما أثار قلق والديها، ودفعهما للذهاب إلى طبيب آخر، ليكتشفا «كارثة» قلبت حياتهما رأساً على عقب، حيث أخبرهما الطبيب بعدما طلب من «أحلام» انتظارهما بالخارج مع الممرضة، أن طفلتهما مصابة بورم خبيث فى عظام الأنف، وأن عليهم الذهاب فوراً لمستشفى «57357» لتلقى العلاج.
بمجرد أن وطئت أقدامها المستشفى، ظلت «أحلام» تلتفت بعينيها الضيقتين يميناً ويساراً، فالمبنى الضخم لم يكن غريباً عليها، ما دفعها إلى سؤال والدتها عن سبب وجودهم بهذا المكان، إلا أن أمها التى غلبتها دموعها حينها لم تتمكن من الرد عليها، وإنما اكتفت بضمها إلى صدرها: «شفت فى عيون أهلى وقتها حزن ودموع خلونى ماسألهمش تانى أنا تعبانة بإيه، ولما قالولى هنعمل أشعة وتحاليل وهنروّح صدقتهم لأنى ماكنتش عايزة أسمع كلمة إنتي عندك كانسر».
لم تعلم «أحلام» حقيقة مرضها أو أنها ستخضع للعلاج الكيماوى سوى بعد انتهاء الجرعة الأولى بيومين، حيث فوجئت بعد استيقاظها من النوم بسقوط شعرها بالكامل على السرير، لتتأكد حينها شكوكها: «لما شفته واقع على السرير فضلت أعيط، لأنى كنت بحب شعرى وبهتم بيه، فإنى أشوفه كله بيقع مرة واحدة ده تعبنى نفسياً جداً لدرجة إنى ما بقتش بتكلم مع حد ولا بآكل»، لكنها أدركت سريعاً أن ما تفعله يؤثر سلباً على صحتها. وقررت أن تقاوم المرض الخبيث الذى تمكّن من جسدها، والالتزام بجلسات الكيماوى والإشعاعى التى تخطت الـ45 جلسة، حتى فوجئت قبل عيد ميلادها الـ14 بأيام قليلة بأن كافة نتائج التحاليل والأشعة التى أجرتها بعد انتهائها من الجلسات المحددة لها «سلبية»: «الورم كان فى مكان صعب وعشان يتم استئصاله كانوا هيشيلوا الأنف كله، فالكيماوى رغم ألمه كان بالنسبة ليا أهون، ولما عرفت إنى تعافيت فرحت إنى هبدأ سنة جديدة فى حياتى من غير وجع».
استمرت «أحلام» التى تدرس بالصف الأول الثانوى لمدة عام كامل تتابع شهرياً فى المستشفى كنوع من الاطمئنان، حتى بدأت تشعر بصداع شديد، ومع تكرار شكواها طلب منها الطبيب إجراء أشعة على المخ، والتى كانت نتيجتها صدمة كبيرة بالنسبة لها ولأسرتها، حيث اكتشفت انتقال الورم من الأنف إلى الجمجمة: «أنا كنت بقيس كل شهر شعرى طوله كام سنتيمتر وكنت مبسوطة بيه، ولما عرفت إن الورم رجع لجسمى ما خفتش من الكيماوى قد ما خفت من اللحظة اللى هشوف فيها شعرى بيقع تانى قدام عينى»، تصمت «أحلام»، قليلاً لتجفف دموعها، ثم تعاود حديثها قائلة بصوت منخفض: «أنا شخص بيحب الحياة وماكنتش عايزاها تنتهى بسرعة، فلما كنت بضعف أحياناً من شدة الوجع، كنت بقول لنفسى وللأطفال اللى معايا إحنا كويسين وهنخف».
الطبيب قال: "مجرد كيس دهنى" وتساقط شعرها سبب معرفتها بالمرض.. وخضعت لـ3 عمليات لإزالة ورم فى الإصابة الثانية
أوقات صعبة مرت على «أحلام» خلال فترة مرضها، كادت ألا تتحملها، إذ اضطرت إلى الخضوع لـ3 عمليات جراحية لاستئصال الورم، بجانب جلسات الكيماوى التى خضعت لها للمرة الثانية: «لما الكيماوى كان بيدخل جسمى كنت بحس إن روحى هتطلع، كنت ساعات بركب 6 كانيولات فى الجلسة الواحدة لأن ما فيش أوردة، كلها اتحرقت من الكيماوى، ده غير إنى ماكنتش بقدر أتحرك خالص، حتى الأكل والشرب ماكنتش بحس بطعمهم، كنت مدمرة بس بستحمل أى وجع عشان ما ضعفش»، حتى جاءت اللحظة التى علمت فيها بموعد آخر جرعة وأنها استطاعت أن تقهر عدوها الوحيد: «حسيت إن روحى رجعت لى، ماكنتش مصدقة إن خلاص مفيش حقن تانى ولا كيماوى هيحرق جسمى، ومن فرحتى جريت على أهلى حضنتهم لأن لولاهم ماكنتش خفيت ورجعت لحياتى من جديد».