التطور التاريخي والتشريعي لنظام الإدارة المحلية في مصر منذ الفراعنة

كتب: ولاء نعمة الله

التطور التاريخي والتشريعي لنظام الإدارة المحلية في مصر منذ الفراعنة

التطور التاريخي والتشريعي لنظام الإدارة المحلية في مصر منذ الفراعنة

أعدت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب برئاسة النائب أحمد السجيني، ورقة بحثية تضمنت التطور التاريخي والتشريعي لنظام الإدارة المحلية في مصر، وذلك ضمن التقرير البرلماني الذي سيناقشة البرلمان في جلسته الأحد القادم خلال مناقشة مشروع قانون المحليات الجديد.

ذكرت اللجنة مراحل تطور النظام المحلي في مصر، من خلال حقائق جغرافية، منذ التاريخ الفرعوني وحتى الآن، لافته إلى أن هذة الحقائق فرضت على المصريين التجمع في وادي النيل ودلتاه منذ القدم في قرى متجاورة مكونة وحدات إقليمية محددة لكل منها عاصمتها وشارتها الخاصة وزعيمها السياسي.

وأشارت الورقة إلى أن الظروف الاقتصادية والجغرافية في وقت لاحق اقتضت أن تندمج تلك الوحدات في أقاليم، وفي عام 3200 قبل الميلاد نجح الملك مينا في توحيد القطرين ليضع أسس الدولة المصرية كدولة بسيطة واحدة، لكن هذا لم يمنع من تقسيم البلاد إلى وحدات على أساس جغرافي في إطار الدولة الموحدة وتحت السيطرة المباشرة للحكومة المركزية منذ العصر الفرعوني، وهكذا يمكن القول بأن النظام المحلي في مصر قديم قدم نشأة الدولة المصرية ذاتها.

نابليون بونابرت ينشئ الدواوين.. ومحمد علي قسم البلاد إلى 14 مديرية

وأوضحت الورقة أن مصر تعد من أعرق الدول التي عرفت الإدارة المحلية منذ تقسيم أرض الدلتا إلى قسمين رئيسيين هما الريف والحضر في أعقاب فتح مصر عام 641 ميلادية، مؤكدة أن البدايات الأولى للنظام المحلي الحديث تعود إلى عهد الحملة الفرنسية، حيث قام نابليون بونابرت بإنشاء ديوان القاهرة ثم عمم الدواوين في جميع مديريات القطر المصري وفقاً للأمر الصادر في 27 يوليو 1798 مقسماً البلاد إلى 16 مديرية.

ومع تولي محمد علي الحكم قُسمت البلاد إلى 14 مديرية وقسم المديريات إلى مراكز. وذكرت الورقة البحثية تطبيق مصر أول نظام للإدارة المحلية بمقتضى القانون في مايو 1883، حيث أنشئت مجالس المديريات كفروع للإدارة المركزية وإن كانت هذه المجالس لم تتمتع بالشخصية المعنوية فضلاً عن أن اختصاصاتها كانت استشارية.

وأعقبها العمل بنظام المجالس البلدية لأول مرة عندما تأسست بلدية الإسكندرية ومنحت الشخصية المعنوية في 5 يناير 1890، الأمر الذي جعل لها شبه استقلال عن شخصية الحكومة ولها ميزانية مستقلة.

ورصدت الورقة البحثية مراحل تطور تشكيل المحليات عام 1909 حيث جرى الاعتراف للمحليات بالشخصية المعنوية وكانت تشكل من كبار الملاك (المنتخبين) وكبار الموظفين (المعينين) وكان الأجانب يمثلون جزءا من المجالس البلدية المعينة والمنتخبة، ثم صدر قرار مجلس النظار بالتوسع في إنشاء مجالس بلدية أخرى حيث بلغ عددها 13 مجلساً بلدياً في عام 1919.

الدساتير ونظام الحكم المحلي المصري.. وقوانين المجالس البلدية

ورصدت الورقة البحثية أول اعتراف دستوري بالنظام المحلي المصري في المادتين 132 و133 من دستور عام 1923، والذي نص على أن تشكل جميع المجالس "بلديات- مديريات" عن طريق الانتخاب، كما منح الدستور هذه المجالس اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسة العامة محلياً، وألزمها بنشر ميزانياتها وأن تكون جلساتها مفتوحة للمواطنين، وأعقبه صدور دستور 1930 بنفس التوجه والصياغة التي صدر بها دستور 1923، ثم القانون رقم 24 لسنة 1934 بإعادة تنظيم مجالس المديريات من حيث تشكيلها وحقوقها واختصاصاتها وذلك فيما يتعلق بوظائفها المختلفة من تعليم وزراعة وري ومواصلات وأملاك عامة وشؤون إدارية ومالية وغيرها.

كما رصدت الورقة صدور عدة قوانين بإنشاء المجالس البلدية مثل: مجلس بلدي مدينة القاهرة بالقانون رقم 145 لسنة 1949،مجلس بلدي مدينة الإسكندرية بالقانون رقم 98 لسنة 1950،ومجلس بلدي مدينة بورسعيد بالقانون رقم 148 لسنة 1950،ومجلس بلدي مصيف رأس البر بالقانون رقم 496 لسنة 1954.

ولفتت الورقة إلى أن القانونين رقمي 66 لسنة 1955 بنظام المجالس البلدية، و6 لسنة 1956 نظما عمل الوحدات المجمعة، ثم صدر دستور1956 متضمناً عشرة مواد خاصة بأحكام الوحدات الإدارية تاركاً للقانون تفاصيل جواز منحها الشخصية الاعتبارية وقد صدر تنفيذاً لمواد هذا الدستور القانون رقم 124 لسنة 1960 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية بنظام المجلس الواحد والذي قسم البلاد إلى 26 محافظة ومدينة واحدة (الأقصر) وقسم المحافظات الحضرية إلى مستويين هما: المحافظات والأحياء، وقسم المحافظات الريفية إلى خمسة مستويات هي: المحافظة – المراكز – المدن - الأحياء- القرى.

كما حدد التشكيل المختلف لعضوية المجالس المحلية من أعضاء منتخبين وأعضاء معينين بحكم وظائفهم وأعضاء مختارين من ذوى الكفاءات.

ومع صدور دستور 1964 تقلصت عدد المواد الخاصة بالإدارة المحلية إلى مادتين فقط تناولت المادة الأولى تقسيم الجمهورية إلى وحدات إدارية مع جواز منحها أو بعضها الشخصية الاعتبارية بينما تحدثت المادة الثانية عن اختصاصات المحليات، إلى أن جاء دستور 1971 والذي يقوم عليه النظام الحالي للإدارة المحلية حيث نصت أحكامه في الفرع الثالث من الفصل الثالث (السلطة التنفيذية) المواد من (161 إلى 163) على مبادئ الحكم المحلي بالنسبة لطريقة تشكيل المجالس الشعبية المحلية وطرق انتخابها واختصاصاتها.

وأعقبه صدور القانون رقم 57 لسنة 1971 بشأن الحكم المحلي "وإلغاء القانون رقم 124 لسنة 1960" وذلك بنظام المجلسين لأول مرة أحدهما شعبي برئاسة أمين لجنة الاتحاد الاشتراكي في المحافظة والأخر تنفيذي برئاسة المحافظ.

وأوضحت الورقة أنه بموجب هذا القانون شُكل مجلس شعبي للمحافظة مكون من أعضاء لجنة الاتحاد الاشتراكي بالمحافظة وأمناء المراكز والاقسام لتشكيلات الاتحاد الاشتراكي بالإضافة إلى اثنين من الشباب وممثلتين من المرأة من تشكيلات الاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى خمسة أعضاء من أعضاء المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي ويصدر بتشكيل هذا المجلس قرار من رئيس الجمهورية.

كما أعطى هذا القانون الحق في تقرير مسؤولية المحافظ عن أمر معين وقع منه بموافقة ثلثي الأعضاء ليقرر رئيس الجمهورية ما يراه في شأن المحافظ وكذلك فيما يتعلق بمسئولية أحد رؤساء المصالح بأغلبية أعضائه ليتخذ رئيس مجلس الوزراء ما يراه في شأن رئيس المصلحة.

وشكل هذا القانون مجلساً تنفيذياً في كل محافظة برئاسة المحافظ وعضوية سكرتير عام المحافظة وممثلى المصالح الحكومية على مستوى المحافظة ويختص باتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تكفل تحقيق الخطط والبرامج الخاصة ببرنامج العمل الوطني في نطاق المحافظة وكذلك تنفيذ خطط الدفاع الوطني والقومي في نطاق المحافظة، وبموجب هذا القانون تمت تشكيل مجالس شعبية وأخرى تنفيذية في المدن والقرى.

ورصدت الورقة أنه في أعقاب ذلك صدر القانون رقم 52 لسنة 1975 بنظام الحكم المحلي "بنظام المجلسين" متضمناً خطوة إلى الأمام في سبيل دعم المحليات متضمناً تشكيل لجنة وزارية للحكم المحلي، وأعقبها صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 5 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 52 لسنة 1975 متضمناً منح وحدات الإدارة المحلية إنشاء وإدارة جميع المرافق الداخلية في نطاقها وتولي المحافظين جميع السلطات التنفيذية المقررة للوزراء بوصفها سلطات أصيلة للمحافظين وليس على سبيل التفويض.

تقسيم الدولة إلى أقاليم اقتصادية

وذكرت الورقة أنه "أعيد النظر في القانون رقم 52 لسنة 1975، فصدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الحكم المحلي المعمول به حتى الآن، وترتب عليه إلغاء (اللجنة الوزارية للحكم المحلي) وحل محلها (مجلس المحافظين) برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزير المختص بالحكم المحلي وجميع المحافظين، ومن أهم اختصاصات مجلس المحافظين تقييم أداء المحافظات لأعمالها ومدى تحقيقها للأهداف المقررة، والتنسيق بين المحافظات والوزارأت المعنية، وكذلك الموافقة على مشروعات موازنات الأقاليم الاقتصادية بالمحافظات، والموافقة على اقتراح فرض الضرائب المحلية وتعديلها أو تقصير أجل سريانها أو الإعفاء منها أو إلغائها، والموافقة على التصرف بالمجان في أموال الوحدات المحلية فيما يجاوز اختصاصها، تجاوز النسبة المقررة قانوناً لحدود المديونية والقروض التي تجريها الوحدات المحلية، وتحديد سعر الضريبة الإضافية على ضريبة القيم المنقولة وعلى الأرباح التجارية والصناعية فيما يزيد على النسبة المقررة قانوناً للوحدات المحلية.

كما قُسمت الدولة إلى أقاليم اقتصادية بموجب هذا القانون تضم في عضويتها محافظة أو أكثر وينشأ بها هيئة للتخطيط الإقليمي تتبع وزير التخطيط، ولجنة عليا للتخطيط الإقليمي برئاسة محافظ عاصمة الإقليم وعضوية محافظي المحافظات المكونة للإقليم، ورؤساء المجالس الشعبية لمحافظات الإقليم.

وأوضحت الورقة البحثية أنه جرى تعديل القانون في عام 1981 وتضمن: تشكيل المجالس الشعبية بالانتخاب بالقوائم الحزبية بدلاً من الانتخاب الفردي الذي كان سائداً قبل ذلك،تشكيل مجلس أعلى للحكم المحلي بدلاً من مجلس المحافظين بذات تشكيل مجلس المحافظين إلا أنه أضاف إلى عضويته رؤساء المجالس الشعبية للمحافظات، كما شملت التعديلات تدعيم سلطة المحافظ بالنص على منحه بعض السلطات على العاملين المدنيين بفروع الوزارأت والجهات التي لم تنقل اختصاصها إلى الوحدات المحلية فيما عداً الهيئات القضائية، ومنح المجالس الشعبية المحلية حق تقديم الاستجواب إلى المحافظ ورؤساء المصالح ورؤساء الوحدات المحلية،والموافقة على تحديد نطاق المناطق الصناعية وعلى إنشاء لجان الخدمات بها.

متغيرات قانون الإدارة المحلية من الحكم المحلي للمجالس المنتخبة

وأشارت الورقة إلى أن ثمة عددا من المتغيرات تمت على قانون الإدارة المحلية، فمع صدور القانون رقم 145 لسنة 1988 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الحكم المحلي متضمناً تغيير مصطلح "الحكم المحلي"، "الوزير المختص بالحكم المحلي" إلى "تنمية الإدارة المحلية"، "الوزير المختص بالإدارة المحلية".

وبعدها صدر القانون رقم 84 لسنة 1996 حيث ألغى نظام القوائم وجعل انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية بالنظام الفردي تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة رقم 47 من قانون الإدارة المحلية بما تضمنته من انتخاب عضو واحد من كل المجالس الشعبية المحلية بطريق الانتخاب الفردي وانتخاب بعض الأعضاء عن طريق القوائم الحزبية.

ولفتت الورقة إلى أنه مع صدور القانون رقم 96 لسنة 2003 بتعديل المادة 10 من قانون الإدارة المحلية بإضافة مادتين بشأن تشكيل مجلس محلي شعبي لمدينة الأقصر كمدينة ذات طابع خاص.

وحول إعداد الموازنة الخاصة بالمحليات، ذكرت الورقة إنه في عام 1975 كان المجلس المحلي هو الذي يقوم بإعداد مشروع الموازنة وكان يتم اعتماده من المحافظة ثم رئيس الجمهورية، ومنذ عام 1975 أصبح إعداد مشروعات المراكز والمدن والاحياء يتم عن طريق المجالس التنفيذية لكل مستوى ثم تعرض على المجالس الشعبية المحلية المنتخبة التي من حقها أن توافق عليها أو أن ترفضها جملة لتلحق بعد ذلك بمشروع قانون الموازنة العامة للدولة لاعتمادها من مجلس الشعب.واختتمت الورقة بالتأكيد على أن كافة التعديلات السابق ذكرها و التي أجريت على القانون رقم 43 لسنة 1979 بإصدار قانون نظام الإدارة المحلية، أكدت عدم ملائمته للواقع العملي، وقد تعالت الأصوات المطالبة بضرورة إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يسهم بشكل فعال في بناء الدولة الديمقراطية ويسعى إلى تطبيق اللامركزية.

دستور 2014 يدعم اللامركزية وتمكين الوحدات المحلية من تحقيق العدالة

ويشار إلى أن دستور 2014 خصص للإدارة المحلية تسع مواد من المادة رقم 175 حتى المادة رقم 183 تتضمن تقسيم الدولة لوحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية وكفالة الدولة لدعم اللامركزية وتمكين الوحدات المحلية ومعاونتها لتحقيق العدالة الاجتماعية واستقلاليتها المالية والإدارية وانتخاب أو تعيين المحافظين وتشكيل المجالس المحلية بالانتخاب بحيث تتضمن 25% من مقاعدها للشباب، 25% للمرأة، 50% للعمال والفلاحين وتمثيل المسيحين وذوي الاحتياجات الخاصة تمثيلاً مناسباً.

وحدد دستور 2014 اختصاصات المجالس المحلية في متابعة تنفيذ خطة التنمية ومراقبة أوجه النشاط المختلفة ولأول مرة ينص الدستور على منح المجالس المحلية أدوات رقابية لاستخدامها في الرقابة على الأجهزة التنفيذية المحلية ومن ضمن هذه الأدوات الاستجواب، الذي قد يؤدي إلى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، فضلاً عن بعض الأدوات الرقابية الأخرى مثل توجيه الأسئلة وطلبات الإحاطة إلى الأجهزة التنفيذية المحلية.

كما منع تدخل السلطة التنفيذية في قرارأت المجالس المحلية التي تصدر في حدود اختصاصاتها، وأعطى اختصاصات الفصل في الخلاف على اختصاصات هذه المجالس للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. وجعل لكل مجلس محلي موازنة وحساب ختامي، ومنع حل المجالس المحلية بإجراء إداري شامل.

كما ورد بالدستور مادة انتقالية برقم 242 وقد قضت باستمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه ودون الإخلال بأحكام المادة 180 من هذا الدستور. 


مواضيع متعلقة