صاحب محجر جرانيت المسلة يتحدث لـ"الوطن" عن أحمر أسوان المنقوش بحضارة الفراعنة

كتب: كريم روماني

صاحب محجر جرانيت المسلة يتحدث لـ"الوطن" عن أحمر أسوان المنقوش بحضارة الفراعنة

صاحب محجر جرانيت المسلة يتحدث لـ"الوطن" عن أحمر أسوان المنقوش بحضارة الفراعنة

أصوات ارتطام وتحطيم، في حلقة صراع متواصلة بين الآلات الحادة والحجارة، تبدأ من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساءً، ثمارها "بلوكات" حجرية من الجيرانيت، تُحمل على الناقلات لمصانع السيراميك في مختلف المحافظات خاصة الأقصر، وأسوان، هكذا يبدو المشهد العام لمحجر جرانيت أسوان، فسالفاً استخدمه المصريون القدماء في إنتاج المسلات، التي لا توجد في أي مكان آخر على مستوى العالم، غير أسوان، وهو ما تم الإشارة إليه، أمس، في الفيلم الوثائقي عن المسلة المصرية، في افتتاح منتدى شباب العالم، بشرم الشيخ، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، في نسخته الثالثة.

شرق وسط محافظة أسوان، يقف محجر منطقة المسلة، بجوار المسلة الناقصة لصاحبها أحمس، تركها وخاض حرباً مع الهكسوس إلى أن انتهت مملكته، على مساحة 1000 متر، ويبعد عن نهر النيل 500 متر، شمال خزان أسوان ومعبد فيله فى المجرى القديم للنهر.

تنفرد أسوان بالجيرانيت الأحمر

يطغى عليه اللون الأحمر "الروز"، ولا يوجد له مثيل في العالم، ويتحمل التغيرات المناخية، فضلاً عن زيادة لمعانه كلما زادت خطوات المارة عليه، هكذا وصف روماني نعيم، صاحب المحجر، الجيرانيت الذي يتم إنتاجه يومياً من محجره، ومن هنا كانت تسميته بأحمر أسوان.

"نعيم": وزن المسلة في الحضارة المصرية القديمة 400 طن.. ولم تتغير على مر العصور 

تجانس ملحوظ في شكل وحجم ولون الجيرانيت، ساعد المصريين القدماء على إنتاج العديد من المسلات التي تخلد ذكراهم في التاريخ، فيقول "نعيم" إن الجيرانيت الذي يتوافر بالمحجر يحتاج فقط لخبرة في قطعه من الجبل، فله لون ثابت مدى الحياة: "حتى لو فيه جزء فيه ليونة مش مشكلة مع خبرة القطع الإنسان يعرف يطلع المسلة بشكل كويس"، مؤكداً أن الجيرانيت لم يحدث به أي تغيير في درجة لمعانه على مر العصور.

عن كيفية قطع المسلة من المحجر، في العصر الفرعوني، يقول "نعيم" لـ"الوطن": "في البداية كان يقوم المصري القديم بإزالة الحصى والنواعم التي تكونت بفعل عوامل التعرية في الجبل، ثم يبدأ في عمل فتحة بالمسمار والشاكوش على جانبي الحجر في شكل مستطيل، والذي يصل عرضه لـ4 أمتار، بعدها يضع في الفتحتين من الجانب الأيسر والأيمن خشب البلوط ويسكب عليه المياه فيزيد حجمه ويحرك الحجر من مكانه، ثم يعد فلوكة من الخشت وينقل عليها المسلة مع فيضان النيل إلى المكان المخصص لها، ويصل وزنها لـ 400 طن".

"المسلة عمرها 5000 سنة، كل ما تمشى عليها تنضف وتلمع أكثر"، بحسب تصريحات "نعيم"، لافتاً إلى أن نسبة الإشعاع في جرانيت أحمر أسوان صفر، يمكن النوم عليه دون أي مشاكل، وقابل للتشكيل، فكله متجانس.

ما يقرب من 15 محجرا في أسوان، أهمها هو "محجر المسلة" الذي يحتوي على الجيرانيت الوردي، تتوزع هذه المحاجر حسب تدرج نهر النيل، ويختلف لون الجيرانيت، فعلى الجنوب والشمال من محجر المسلة يطغى اللونان الأسود والأزرق على الجيرانيت، ويعتبر الجيرانيت الأسود شريان مغزي للجرانيت الأحمر، بحسب ما رواه صاحب المحجر لـ"الوطن"، موضحاً أن قرب الجيرانيت الأحمر من الجيرانيت الأسود يزيد من درجة غمقانه.

لم تكن طبيعة العمل داخل المحجر تسير على وتيرة واحدة فلكل عصر تغيراته التي طرأت عليه، فمنذ العصر الفرعوني، حتى الوقت الحالي، اختلفت طبيعة العمل، حيث قل عدد العمال مع مرور الوقت، لابتكار الآلة التي حلت محل الإنسان: "لدينا حوالي 20 عاملاً، يتم توزيعهم على أعمال مختلفة كالنظافة، والتخريم، والرفع، وتتنوع الأدوات المستخدمة ما بين الهلتي، والشانيور الذي لا ينتج فاقداً كثيراً من فتات الحجارة، والكراكات للرفع"، بحسب "نعيم".

تحسباً لوجود أي حشرات ضارة، أسفل الحجارة، يبدأ العمال عملهم من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساءً: "العامل لازم يكون شايف كويس جداً الحجر من كل الاتجاهات فبالتالي ميقدرش يشتغل بالليل".

رغبة ملحة لدى "روماني" في استغلال الفاقد من الحجارة، لذلك قرر إلحاق ابنه في الأكاديمية البحرية اللوجستية كي يدرس كيفية إعادة تصنيع الحجارة الصغيرة واستغلالها في الطرق على سبيل المثال، لافتاً إلى أنه بحث ذلك مع محافظ أسوان.

ثم تأتي الخطوة التالية، حيث يتم تقسيم الحجارة التي ينتجها العمال لأجزاء صغيرة 2 سنتيمتر أو أربعة سم، لاستخدامها في صنع السيراميك، أو أرضيات السلالم.

"دوري يقتصر على الإشراف على العاملين، ومتابعة عمليات تفريغ الحجارة، ورفعها، وشحنها على اللودرات ثم نقلها للمصانع".. هكذا يبدأ شوقي جاد، رئيس العمال بمحجر منطقة المسلة بأسوان، عمله يومياً، موضحاً أنه ينسق العمل مع مالك المحجر بصفة دائمة.


مواضيع متعلقة