هنا عاش الشعبي البسيط.. "الوطن" بين جيران شعبان عبد الرحيم في كعبيش

كتب: نهال سليمان

هنا عاش الشعبي البسيط.. "الوطن" بين جيران شعبان عبد الرحيم في كعبيش

هنا عاش الشعبي البسيط.. "الوطن" بين جيران شعبان عبد الرحيم في كعبيش

بين العمائر المرتفعة، في شارع "كعبيش" المزدحم بكل أنواع المركبات، وسط سيارات فاخرة ووسائل نقل عامة وعدد لا نهائي من "التكاتك"، في منطقة "الطوابق" بشارع فيصل بالجيزة، سكن الفنان الراحل شعبان عبد الرحيم لسنوات طويلة، قبل أن ينتقل إلى حدائق الأهرام منذ عامين فقط، إلا أن المنطقة التي اشتهرت أحد العمارات بها باقترانها باسم "شعبان" ظلت تحمل كثيرا من المشاعر والذكريات له، يتردد على زيارتها ويجلس أمام المقلة التي يمتلكها هو وأحد أصدقائه.

تجول "الوطن" في المنطقة الشعبية البسيطة التي تشبهه كثيرا، واستمعت لأبناء المنطقة يحكون ذكرياتهم مع الفنان الذي رحل عن دنيانا منذ ساعات، لترصد ملامح عن شخصيته على أرض الواقع بلسان جيرانه، وبمجرد أن تطأ أقدامك المنطقة، يبادر الجميع بالإرشاد إلى المسكن القديم للفنان شعبان عبد الرحيم.

على كرسه اعتاد "الفنان الشعبي" الجلوس أمام مقلته التي حملت اسمه الشهير "شعبولا"، يسارع إليه "أبو كريم" القهوجي ذو الـ58 ربيعا، مُلبيًا طلباته التي عرفها عن ظهر قلب، ليحضر إليه "ترابيزة والكرسي" بمجرد أن يلمحه قادما: "راجل سُكرة وبسيط وطلباته بسيطة ماقدرش أغلط فيها علشان بحبه وغالي علينا وعمره ما زعق.. مرة شاي أخضر أو شاي عادي خفيف وزجاجة مياه صغيرة أو ينسون".

قهوجي شعبان عبد الرحيم: روحت زورته في المستشفى وحافظ طلباته زي أغانيه

منذ 9 أعوام بدأ الرجل الخمسيني عمله في قهوة "ليالي العمر" المجاورة لمسكن شعبان عبد الرحيم: "من شهر كان معدي علينا وخد شاي وهو في العربية.. ربنا يرحمه لما تعب كان بيجي برضو بس على خفيف"، وتواصلت أواصر العشرة خلال تلك السنوات، فقرر "أبو كريم" زيارة الفنان في المستشفى في إحدى المرات حين ألمت به وعكة صحية فذهب إليه في المعادي رغم طول المسافة، "رغم إنه تعبان بس كان بيضحك معايا وهزرنا.. كان نفسي أكون فاضي أروح الدفن علشان أقف مع ولاده"، فقد تربى على أغانيه ويصف نفسه "ابن جيلي وبحب أغانيه اللي عمل بيها رتم لوحده محدش عمل زيه ولا حد هيقدر يعمل".

يعلو صوت الذكر الحكيم، في "مقلة شعبولا" التي كانت قبل سنوات طبقا لرواية أحمد عبود سائق تاكسي، محلا فارغا، يدخله شعبان والملحن وبعض من زملاء عمله، فتعلو أصوات كلمات غنائية يسمعها المارة، فيتبادر إلى ذهن سائق التاكسي أن هناك تدريبا وعمل دؤوب على أغنية جديدة يؤدي الفنان "بروفة عليها"، لتظل المقلة في عمل متواصل طوال اليوم، فالأبناء والشريك طلبا من العاملين بها أن تستمر في العمل دون توقف ليستمر اسمه وصيته مترددا.

عمال مقلة "شعبولا": ولاده قالوا متقفلوش والفنان كان خدوم

حزن قاتم يخيم على العاملين في "المقلة"، الذين لم يعرفوا الخبر سوى من ساعات معدودة، تبادر إلى ذهنهم غلق المكان حزنا على مؤسسه، لكن أبناء شعبان عبد الرحيم وشريكه، قررا أن تستمر في العمل، وحكى "علي" الذي يعمل مع الفنان الراحل منذ عام 2007، لـ"الوطن" عن سنوات عمله معه واصفا إياه "كان خدوم مع أي حد حتى لو مش عارفة وأنا اشتغلت معاه وشوفته ياما بيعمل خير ودايما يضحك ويدور على كلمة يضحكنا معاه واللي يجي على لسانه بيقوله.. آخر مرة كان هنا من أسبوع وقعد قدام المقلة زي كل مرة رغم تعبه وسط محبة أهل حتته".

منذ عاما بدأ إبراهيم محمد، العمل في مقلة "شعبولا" التي اكتسبت شهرتها من اسم صاحبها، ذو السيرة الطبية، الذي رغم شهرته لم يقصر مع جيرانه أو من يقصده في أي طلب بصفة عامة "الناس بيتجي تسأل على مقلته مش بس من مصر إنما من كل الدول أصله فنان محبوب.. وكان شعبان لما يجي يدخل ياكل أي حاجة من المقلة ويشوف علشان يتأكد إن كل حاجة نوعها نضيف".

بوابة العمارة: شعبان عبد الرحيم كان بيساعد ناس كتير

ومنذ عامين، كان شعبان عبد الرحيم يقيم في شارع "كعابيش" بمنطقة "الطوابق" بفيصل، قبل أن يتنقل إلى حدائق الأهرام ويحتفظ بشقة له في المنطقة وشقة لكل ابن من أبنائه، ورغم مرضه كان يتردد كل فترة على المنطقة ويجلس في الشارع بين الجيران، فقد تعود منذ سنوات إقامته أن ينزل كلما سمح وقته لذلك، "ساعات ينزل كل يوم العصر لما كان عايش هنا وكان الناس تيجله في الوقت دة لو حد محتاج حاجة يقابله ويقضيهاله"، وذلك بحسب أم يوسف، بوابة عمارة شعبان عبد الرحيم.

وتروي "أم يوسف" لـ"الوطن"، أن هناك بعض الناس التي تتردد على "عبد الرحيم" بشكل شهري، نظرا لظروفهم المادية فخصص لهم راتبا شهريا، "فيه ناس ساعات بيكون عندهم ظروف زي عملية كان هو مبيتأخرش ويساعدهم وغير الشهرية اللي بيطلعها للغلابة"، متابعة "زعلت جدا لما عرفت إنه مات علشان عشرة 5 سنين ليا في المكان مع العيلة المحترمة دي.. كفاية ربى ولاده لما يطلبوا حاجة مني يقولوا لي بعد إذنك"، ليلتقط الحديث من أم يوسف شقيقها الصغير محمد "رغم إنه كان تعبان جه من حوالي 20 يوم وحضر فرح ناس في الحتة وغنى فيه".

 تشابه أسماء جمع الفنان الراحل بـ"شعبان" صاحب الفرن المجاور لمسكن الأول، ليردا سويا في نفس اللحظة على المارين ممن يلقون التحية، فتشيع الضحكة بينهم، "لما حد يعدي يقول إزيك يا شعبان إحنا الاتنين نرد مع بعض ونضحك"، فبحسب صاحب الفرن، أن الفنان ذو شخصية بسيطة تحب المرح، مضيفا "كان ونعم الجار وراجل محترم وسعات يجي بنفسه يسلم علينا وياخد بقسماط وفينو وحاجات بسيطة زيه.. مشوفناش منه حاجة وحشة وكان حبوب وشعبي وسطنا".

سائق تاكسي بالمنطقة: عيلة محترمة ومتواضعة وزعلنا عليه لأنه عِشرة عمر

"بيتعاملوا معانا زي صحابهم مش ناس أقل منهم".. بهذه الكلمات بدأ محمد، سائق تاكسي بالمنطقة، حديثه عن تعاملاته مع الفنان شعبان عبد الرحيم وأبنائه، فرغم امتلاكهم لسيارات إلا أنهم كانوا كثيرا ما يحتاجون للانتقال بدون سياراتهم الخاصة، مضيفا "الراجل دة محترم وبقالي فترة مشوفتوش بسبب تعبه وزعلت أوي لما عرفت بخبر الوفاة.. راجل طيب وولاده محترمين".

اتفق محمد مع زميله أحمد عبود، سائق تاكسي، كي يذهبا سويا إلى ميت حلفا لحضور الدفن، وكذلك تقديم واجب العزاء أيًا ما كان مكانه، فـ"عبود" يعمل في المنطقة منذ 13 عاما، تعامل خلالها مع شعبان عبد الرحيم وكل أفراد عائلته، فقد كانت الأسرة تستعين به لنقل زوجة شعبان إلى موقف عبود كي تستقل الميكروباص الذي سيصل بها إلى أهلها في المنصورة، "العيلة كلها مفيش عليها كلام، زعلانين من وقت ما عرفنا خبر الوفاة، دة عٍشرة عمر من زمان".


مواضيع متعلقة