أحمد فؤاد نجم.. 6 سنوات على رحيل "الشاعر البندقية"

كتب: محمد حامد

أحمد فؤاد نجم.. 6 سنوات على رحيل "الشاعر البندقية"

أحمد فؤاد نجم.. 6 سنوات على رحيل "الشاعر البندقية"

الفاجومي، أهم شعراء العامية في مصر، وأحد ثوار الكلمة، واسم بارز في الفن والشعر العربي، قال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراغون "إن فيه قوة تسقط الأسوار"، وأطلق عليه الدكتور علي الراعي لقب "الشاعر البندقية"، إنه أحمد فؤاد نجم الذي تمر اليوم 3 ديسمبر الذكرى السادسة على رحيله.

في قرية كفر أبونجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية، ولد أحمد فؤاد نجم الذي ينتمي إلى عائلة نجم المعروفة في أرجاء مصر، 23 مايو 1929، وعندما اشتد عوده التحق بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.

انتقل نجم بعد وفاة والده إلى بيت خاله حسين مرسي نجم في مدينة الزقازيق، قبل أن يلتحق وهو ابن السابعة من عمره بملجأ أيتام 1936، والذي قابل فيه عبدالحليم حافظ، ليخرج منه 1945 وعمره 17 عاماً.

"نجم" الذي قضى 10 سنوات من عمره داخل جدران ملجأ الأيتام، عاد لأحضان قريته للعمل راعياً للماشية، ثم عمل في معسكرات الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة، بائع، عامل بناء، لاعب كرة، وغيرها، ليتمكن من توفير قوت يومه.

وفي فايد، وهي إحدى مدن القنال، التي كان يحتلها الإنجليز، التقى نجم عمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الوقت قد عَلَّم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى، واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر 1946، وتشكلت أثنائها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال.

وخرج مع 90 ألف عامل مصري من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها على إثر إلغاء معاهدة 36، وكان يعمل بائعا حينئذ فعرض عليه قائد المعسكر أن يبقى وإلا فلن يحصل على بضائعه، ولكن "نجم" يقول في مذكراته: "تركتها وذهبت".

وبعد سنوات عمل في المعسكرات الإنجليزية ومساعدة الفدائيين في عملياتهم، عينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي، وفي تلك الفترة سرق بعض المسؤولين المعدات من الورشة، وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء، ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن 3 سنوات.

جدران سجن طرة كانت شاهدة على اشتهار نجم، ففي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون وفاز بالجائزة، وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية "صور من الحياة والسجن" وكتبت له المقدمة سهير القلماوي.

وفي الفترة ما بين 1951 إلى 1956 اشتغل نجم عاملا في السكك الحديدية، وبعد معركة السويس، نقل للعمل إلى وزارة الشؤون الاجتماعي كطواف يوزع البريد على العزب والكفور والقرى، وهنا أعاد "نجم" اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيته وتجربته، ويقول: "كنت مقهورا وأرى القهر من حولي أشكالا ونماذج، وشعرت حينئذ رغم أنني فلاح وعملت بالفأس لمدة 8 سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل".

في 1959 شهدت الصدام الضاري بين السلطة واليسار في مصر على إثر أحداث العراق، انتقل من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة، وهذه الفترة كانت شديدة التعقيد التي عاشها نجم في حياته، ويقول: "في يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع 4 آخرين من العمال المتهمين بالمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال، وعندما أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارا يقول إن العامل الذي مات قتل في مشاجرة مع أحد زملائه".

رفض "نجم" أن يوقع، ويقول: "فضربت، وما زالت آثار الضرب واضحة على جسد نجم حتى الآن"، ووجهت إليه تهمة الاختلاس، ووضع في السجن لمدة 33 شهراً، وبعد خروجه عُين موظفاً بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، وأقام في غرفة على سطح أحد بيوت حي بولاق الدكرور.

تعرف "نجم" على الشيخ إمام في حارة "خوش قدم"، ليسكنا معاً، وتتلازم أشعاره مع غناء إمام، وقد نجحا في إثارة الشعب، وتحفيز هممه قديماً ضد الاستعمار، ثم ضد غيبة الوعي الشعبي، والتعبير عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة 1967.

تزوج "نجم" العديد من المرات، أولها من فاطمة منصور أنجب منها عفاف، وأشهرها زواجة من الفنانة عزة بلبع والكاتبة صافيناز كاظم وأنجب منها نوارة نجم، وممثلة المسرح الجزائرية الأولى صونيا ميكيو، وكانت زوجته الأخيرة هي السيدة أميمة عبدالوهاب وأنجب منها زينب.

أحمد فؤاد نجم شاعر متدفق الموهبة، فقد ألف العديد من الأغاني والتي تعبر جميعها عن رفضه للظلم وحبه لمصر واستيعابه الكامل للواقع الأليم، ومن بين من غنوا أغانيه الموسيقي السوري بشار زرقان الذي ربطته به علاقة عمل استمرت لسنوات، حيث سجلا معاً ألبوم "على البال"، وله أشعار عديدة من بينها: يعيش أهل بلدي، والخواجة الأمريكاني، واستغماية، وكلب الست، وتذكرة مسجون، والثوري النوري، وورقة من ملف القضية، وشيد قصورك، وغيرها، وأنتج فيلم الفاجومي الذي يحكي سيرته.

نال العديد من الجوائز، اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيرا للفقراء عام 2007، وفاز بجائزة الأمير كلاوس الهولندية ولكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام، ومُنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بعد وفاته.

انضم "نجم" إلى حزب الوفد في يونيو 2010، إلا أنه أعلن استقالته من الحزب في منتصف أكتوبر من ذات العام، وبعد ثورة 25 يناير يعدّ واحداً من مؤسسي حزب المصريين الأحرار.

وقطع الشاعر البندقية مسيرة طويلة عريضة مسلحاً خلالها بذاكرة وطنية، ليرحل عن دنيانا عن عمر ناهز 84 عاماً، في هدوء لا يتناسب مع صخب الحياة التى كان يعيشها، بعد عودته مباشرة من العاصمة الأردنية عمان، التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.


مواضيع متعلقة