هل تقدر قطر على فاتورة المصالحة؟

سأكون أسعد إنسان على كوكب الأرض لو صدقت قطر فى عرضها الشفهى بالإنهاء الفعلى والتزمت بالإجراءات التقنية المصاحبة له، وللمراقبة الدقيقة من قبل دول المقاطعة للتأكد من الالتزام الصارم به.

سبب كلامى هذا هو ما نشرته جريدة «وول ستريت جورنال» عن قيام وزير خارجية قطر بزيارة للرياض قدم فيها عرضاً صريحاً من قبل بلاده لقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين مقابل عودة العلاقات، على حد ما جاء فى تقرير الصحيفة.

ويبدو أن العرض القطرى جاء عبر وساطة قام بها وزير الخارجية العمانى بطلب من إدارة دونالد ترامب الذى يسعى إلى تهدئة ملفات المنطقة من أجل التفرغ أساساً للملف الإيرانى.

ويبدو أن وجود وزير الخارجية العمانى الآن فى واشنطن هو لإطلاع الجانب الأمريكى على نتائج الوساطة.

كلام وزير الخارجية القطرى يبدو -للوهلة الأولى- خطوة مفاجئة ومتقدمة، لكنها محاطة بكثير من الشكوك حول مدى الالتزام بها.

مبعث الشكوك يرجع إلى تجربة مؤلمة من «المراوغة القطرية» فى هذا الملف.

وبدون تجنٍّ على السياسة القطرية فإن الدوحة كانت قد أعلنت صراحة منذ 4 سنوات عن إيقاف 7 من قيادات جماعة الإخوان على أراضيها، لكنها رتبت مع أنقرة الإقامة عندها مع توفير وسائل الدعم، وأعلن وزير الخارجية القطرى أن أسر هذه الشخصيات ضيوف على الدولة القطرية.

سبق للقيادة القطرية أن وعدت بأمور وإجراءات لإصلاح علاقاتها العربية ثم عادت وفعلت عكسها تماماً بل زادت فى الأخطاء وعمقت فى الأضرار.

الوعود القطرية قطعها الأمير الوالد للملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولى عهده الأمير سلطان، وقطعت منه أيضاً لأمير الكويت ولرئيس الاستخبارات الأمريكية.

والوعود أيضاً قطعت فى اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجى من سمو الأمير تميم عام 2013 وتم توقيع بنود لها ثم توقيع اتفاق تكميلى لها عام 2014.

من هنا، نرجو أن يعذرنا الأشقاء فى الدوحة التى نتمنى لها عوداً حميداً إلى البيت العربى ولكن الوقائع السابقة خلال عشر سنوات ماضية لا تشفع لصانع القرار القطرى، وتجعل وعود الإصلاح موضع تساؤل يرقى إلى الشك الشديد فى مصداقيتها.

يجب على معالى وزير الخارجية القطرى، الذى يحمل ملف المصالحة فى حقيبته الدبلوماسية، أن يدرك أن «الإصلاح الحقيقى» هو الفيصل فى «المصالحة الممكنة» بمعنى أنه لا مصالحة قبل التأكد من النوايا ومراقبة التفاصيل الدقيقة التى تؤكد صدق الالتزام وخلو الأمر من أى مراوغة أو أى محاولة «لاستغباء» الآخرين.

ما نقل عن معالى وزير خارجية قطر عن أنه عرض فى زيارته يوم الخميس الماضى للسعودية قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، للإسلام السياسى فى المنطقة.

7 - فك التنسيق الكامل والارتباط العضوى الحديدى بين الدوحة وأنقرة فى مجال دعم وتمويل ورعاية وتسويق وتسليح وتدريب وترويج التنظيم الدولى للجماعة وفروعها حول العالم، خاصة فى مصر والسعودية والإمارات ولندن وواشنطن وباريس وبرلين وغزة والسودان، والكويت.

8 - القبول الكامل بمراقبة كل حركة الأموال من قطر إلى الجماعة، والتأكد من عدم قيام أى جهات غير رسمية بتقديم الدعم المالى للجماعة عبر «واجهات» أو شركات هى مجرد «ديكور» متنكر يخفى حقيقة خدمته للتنظيم.

هذا من ناحية الشكل، وهو أمر معقد للغاية، لكن الأصعب منه هو الإجابة على السؤال التالى:

هل تعلن قطر رسمياً أنها تعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين (التنظيم الدولى وكافة فروعها) جماعة إرهابية تنطبق عليها كافة الشروط والعقوبات الواجبة تجاه من يوصف بهذه الصفة؟!

إنه التحدى الأصعب أمام صانع القرار القطرى فى هذا الملف الشائك.

هذا المطلب، سبق أن اتخذته دول وجهات عدة منذ سنوات طويلة.

إن صحت المعلومة وكانت دقيقة، فإن وزير الخارجية القطرى يدرك أن الوعد وحده لا يكفى، ولكن لا بد أن تصاحبه إجراءات محددة مكتوبة بشكل تقنى تفصيلى حول تنفيذ هذا الأمر وفق إجراءات متابعة ومراقبة ومراجعة شفافة للتأكد من الالتزام الصارم به.

والأمر لا يعدو مجرد إنهاء علاقة بين دولة وجماعة دينية، لكنه ملف شائك ومعقد بسبب كثرة تفاصيله وحجم الارتباط الكامل والعضوى بين الدوحة وتنظيم الإخوان، يمكن تحديد ملامحه على النحو التالى:

1 - تحمل دولة قطر معظم موازنة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان بشكل دائم.

2 - احتضان الدوحة لكبار رموز جماعة إلى حد قيام ما يعرف باسم جمعية قطر الخيرية بتمويل 140 مشروعاً قيمتها تزيد على 72 مليون يورو لجمعيات تنشر الفكر الإخوانى فى أوروبا.

وفى الدوحة ذاتها أنشأت قطر منذ بداية الربيع العربى ما يعرف بـ«أكاديمية التغيير» و«مشروع النهضة» الذى يترأسه إخوانى قطرى لتدريب الكوادر على الثورة.

يبدأ العمل الصادق الجاد من فك الارتباط بالتنظيم من قطر إلى كافة العواصم بما فيه دعم كتائب الإرهاب فى سيناء وسوريا والعراق وليبيا.

«الإخوان» ليس ملفاً منفرداً بحاله عن حزمة مواقف تتخذها قطر فى كافة المجالات التى تتخذ فيها مواقف عدائية مؤلمة تجاه أشقائها.

مثلاً قامت قطر بعمل اتفاق أمنى مع تركيا وهى تعلم سوء العلاقات بين أنقرة وكل من القاهرة والرياض وأبوظبى.

مثلاً قامت قطر بالاستثمار فى ميناء «جودار» الباكستانى الذى سيقوم بنقل النفط والتجارة الصينية رغم علمها بتأثيره شديد السلبية على «بيزنس موانئ دبى» ودولة الإمارات.

ولو قيل لنا إن «البيزنس» لا يعرف مجاملات فكيف نفسر عدم إقدام السعودية على استخدام تريليونات الأقدام المكعبة من الغاز المدفون فى أراضيها حرصاً على عدم الإضرار بإنتاج قطر العالمى فى مجال الغاز؟!

طبعاً: لا نريد فتح الجروح الأكثر إيلاماً مثلما أشيع فى وثائق وكالة «إنترسبت» من المعرفة المسبقة للدوحة بعمليات ضرب الناقلات الإماراتية قبالة سواحل الفجيرة، وقصف مصافى أرامكو فى «البقيق».

ولا نريد أن نفتح الجروح فى النشاط الهستيرى الذى قامت به وسائل الترويج والإعلام التابعة لقطر بالهجوم على الرياض والتشهير بها خلال الشهر الماضى بمناسبة مرور عام على جريمة اغتيال الزميل جمال خاشقجى (رحمه الله).

هنا نأتى إلى سؤال صعب ودقيق: هل قرار مصالحة قطر للسعودية هو:

1 - مصالحة سعودية فقط أم مصالحة لكل دول التحالف العربى؟

2 - قرار صادر من سمو الأمير تميم وحده أم يحظى بدعم سمو الأمير الوالد والشيخ حمد بن جاسم الذى كتب تغريدة على حسابه الرسمى توحى وكأنه لا يريد المصالحة أو كأنه يريدها -إن تمت- بشروط قطر فحسب!

باختصار، حينما جاءت الرسالة القطرية بطلب الصلح هل كانت الدوحة تدرك أن فاتورة المصالحة قاسية عليها؟ وأن هذا أمر لا يقبل المراوغة؟

الإخوان على أراضيها.

3 - قيام قطر بتعبئة وتجنيد أهم شركات العلاقات العامة العالمية وأدوات التسويق السياسى فى أوروبا والولايات المتحدة لدعم صورة ومكانة جماعة الإخوان.

4 - قيام قطر بشكل دائم باستخدام كل وسائل الضغط السياسى الناتجة عن حجم استثماراتها فى واشنطن وباريس ولندن وبرلين لمنع اتخاذ حكومات وبرلمانات هذه الدول أى إجراءات عقابية ضد الجماعة أو اعتبارها منظمة إرهابية.

5 - دعم الدوحة لـ86 منظمة ووسيلة إعلامية فى العالم من أجل الترويج لجماعة الإخوان.

6 - استخدام فروع مراكز الأبحاث والجامعات الكبرى فى قطر من أجل التسويق لفكرة أن جماعة الإخوان هى النموذج المعتدل والأمثل يجب أن تكون الرغبة فى المصالحة صادقة ونهائية، وأن تدرك الدوحة أن لها ثمناً كبيراً وفيه تفاصيل شائكة ومعقدة، وأنه أمر لا يحتمل المراوغة أو الالتفاف عليه أو الخداع فيه لأنه سيخضع لرقابة شهرية وربع سنوية وسنوية لمدة عشر سنوات، كما جاء فى قائمة المطالب.

ندعو الله أن تكون الخطوة القطرية صادقة وملتزمة بالوعد والعهد، ويكفى إهدار الكثير من الأموال والطاقات والجهود نتيجة قيام الشقيق بإطلاق النار على شقيقه!