«الجوكر» و«بيلا تشاو» وعصر تمجيد المجرمين!

إنجى الطوخى

إنجى الطوخى

كاتب صحفي

هل شاهدت المسلسل الإسبانى «la casa de papel» أو «بيت المال»، إذن فقد استوقفك مشهد «ريو» عندما رفع يده لتحية الجماهير الغفيرة الواقفة أمام بنك إسبانيا، عقب إفراج الشرطة عنه، بينما أصدقاؤه منهمكون فى متابعة المشهد نفسه من خلف الستائر داخل البنك، بعد أن قرروا سرقته من أجل الضغط على الحكومة لإخراج «ريو» من السجن!

كان المشهد فيه سيطرة لمشاعر النشوة بالانتصار والسعادة بعد أن حصل «ريو» أخيراً على حريته، ولكن هل فكرت قليلاً فى تفاصيل المشهد؟ هل أدركت إلى أى جانب أنت متعاطف؟!

فالمسلسل يدور -على مدار ثلاثة أجزاء- حول مجموعة من السارقين يقومون بالسطو على دار سك العملة الإسبانية، ثم يتم القبض على أحد أعضاء الفريق، فيقررون السطو على «بنك إسبانيا» للضغط على الحكومة الإسبانية لإطلاق سراحه.

لا يبدو مسلسل «بيلا تشاو» -كما اصطلح البعض على تسميته- غريباً على تلك السلسلة من الأفلام والمسلسلات التى بدأت تنتشر بقوة، بعد أن كانت على استحياء، وتعمل على تمجيد المجرمين وإعطاء بعد إنسانى لهم، منها على سبيل المثال سلسلة أفلام «purge» ومسلسل «breaking bad»، وسلسلة أفلام «ocean eleven» وآخرها فيلم «الجوكر»، الذى للمصادفة، وللمفارقة أيضاً، تكرر فيه نفس مشهد مسلسل «ريو»، عندما وقف «الجوكر» بعد سلسلة من جرائم القتل ارتكبها، على مقدمة إحدى السيارات وبدأت الجماهير تهتف له.

«تمجيد المجرمين».. يبدو مصطلحاً صعباً، وقد يكون فيه شىء من التجنى، ولكنه أيضاً فيه جزء من الصحة لا يمكن إنكاره، فالسينما ومن قبلها التليفزيون ليسا مجرد وسائل ترفيهية فقط، بل من عوامل نشر الثقافة إن لم يكونا من عوامل بنائها، إلى جانب المساهمة فى بناء الوعى الجمعى، فيكفى تأثر فرد واحد أو عدد قليل من الأفراد بفكرة فيلم أو مسلسل وتبنيها، لتنتشر كما النار فى الهشيم تحت تأثير ما يعرف «مجموعات الضغط» فى المجتمع.

فى فيلم الجوكر كان الأمر ملموساً لا مرئياً فقط، مما جعل كثيرين يتعاطفون مع بطله، والبعض رأى أن اتخاذه لطريق العنف مبرراً، بسبب ما تعرض له من ضغوطات وقتل لأحلامه، ولكن هل هذا صحيح؟ هل أصبح القتل والسرقة الوسيلة المثلى للتعبير عن الغضب، والفوضى.. الحل أمام مجتمع أصيب فى نفسيته، فتارة يقسو بلا أدنى رحمة على أبنائه، وتارة يتخلى عنهم فيتركهم فريسة للوحدة والتنمر، كما حدث فى الفيلم، الإجابة التى قد لا ترضى البعض هى «لا» بالرغم من كل ما سبق.

كان بإمكان البطل الحصول على حقه فى أن يراه المجتمع كما أراد، وأن تتحقق أحلامه رويداً رويداً، بطرق شتى ليس منها «الانتقام»، واستخدام العنف للتعبير عن ألمه الذى يتزايد يوماً بعد يوم، مع غياب الدعم النفسى، من هذه الطرق على الأقل عدم الاستسلام للظروف من أول مرة ومحاربتها قدر الإمكان.

تميز الفيلم على المستوى الفنى، لا خلاف على ذلك، بل إنه تخطى درجة الإبداع فى إمكانياته البصرية والسمعية، والأداء التمثيلى لأبطاله، لدرجة أنك تنسى أنك تشاهد فيلماً لا تتخطى مساحته الزمنية 120 دقيقة، ولكن ما يستحق مناقشته هو رسالته مع غيره من تلك النوعية من الأفلام، التى لم تعد تصدر عن بلد بعينه أو ثقافة معينة، لنقول إنها موجهة، فمنها الإسبانى والأمريكى وجنسيات أخرى مختلفة.

فرسالة تلك النوعية من الأفلام تثير لاشعورياً التعاطف والإعجاب وأحياناً مشاعر الحب من جانب المشاهد تجاه المجرم، فيصبح النموذج الذى يمكن الاحتذاء به، من خلال إظهار قدرته على ممارسة حياته بشكل طبيعى، بل والاستمتاع بها، دون التعرض لأى عقاب عقب ممارسة جرائمه، أو حتى إحساس بالذنب. وأحياناً أخرى يتم إظهار المجرم مدفوعاً لجرائمه، ولم يملك من الأمر شيئاً أمام ارتكاب جريمته.

وهى رسالة تتخطى الحبكة الفنية الشهيرة، التى تريد أن تطهر البطل من جرائمه، بالموت، فيتم ترسيخ أن ارتكاب الجرائم سلوك مقبول، ووسيلة ناجعة للحصول على الحقوق، رغم أن التغيير لا يتحقق بالتدمير، بل بالدفاع عن الحقوق والإصرار عليها، والمقاومة قدر الإمكان حتى نتجنب السقوط فى «فخ» من نعيب عليهم، كما قال «فريدريك نيتشه»: «فليحذر من يحارب الوحوش، لئلا يتحول هو ذاته إلى وحش».