قوات فرنسا ودول الساحل تصعد حملتها ضد الإرهابيين

قوات فرنسا ودول الساحل تصعد حملتها ضد الإرهابيين
يتخذ الجهاديون من منطقة غابة توفا غالا في شمال بوركينا فاسو بالقرب من مالي معقلا ونقطة انطلاق لعملياتهم ضد دول الساحل التي تحشد قواتها لدحرهم بدعم فرنسي.
وفي المنطقة مستنقع تغطيه ورود النيلوفر ومن يراه ينسى أن هذا القطاع في منطقة الساحل بإفريقيا، يشهد معارك طاحنة.
وتتقدم القوات الفرنسية من جانب واحد من المستنقع، فيما تتقدم قوات بوركينا فاسو من جانب أخر. وهدفهم يتلخص في فرض السيطرة على منطقة لم تدخلها قوات عسكرية منذ أكثر من عام.
وأطلقت فرنسا عمليات عسكرية تعرف باسم "بورغو 4" تنفذها قوة برخان الى جانب قوات محلية من قوة دول الساحل الخمس في منطقة التلاقي بين حدود مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وفي تدريب في وقت مبكر من الشهر الجاري، تم نشر 1400 جندي، بينهم 600 فرنسي، في المنطقة المضطربة.
وقال الكولونيل الفرنسي تيبو لومرل إنّه بالنسبة للجهاديين "فالمنطقة مثالية للاختباء وإدارة الامور اللوجستية".
وقتل آلاف المدنيين وعناصر الأمن في النزاع الذي تفجر بسيطرة جماعات جهادية على شمال مالي في العام 2012. وتوسعت أعمال العنف الى وسط البلاد وبعدها الى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين لتغذي التوتر الاتني في المنطقة.
ونزح آلاف السكان من منازلهم إثر تصاعد القتال الذي يشنّه الجهاديون المنتمون لجماعات مختلفة من تنظيم القاعدة إلى انصار الإسلام وصولا إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
وتنشر فرنسا نحو 4500 جندي في المنطقة، فيما لدى قوة دول الساحل الخمس نحو 5000 جندي، وهو هدف يواجه مشاكل التمويل والتدريب ونقص المعدات.
وتلعب هذه القوات "لعبة القط والفأر" في هذه المنطقة الشاسعة مع عدو سريع الحركة وقادر على الاختفاء في الصحراء.
- "حرب مستحيلة" -
قال ضابط صف وهو يمسك ببندقيته "نعرف إنهم هنا نبحث عنهم ولا يمكننا العثور عليهم هذه حرب مستحيلة".
وأحيانا تسير القوات لساعات دون أن تجد شيئا. وعثرت اخيرا على دراجتين بخاريتين يشتبه بأنهما لجهاديين.
وقال ضابط عرّف نفسه باسم جوليان "الأمر يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. قد يكونون هنا كما قد يكونون رحلوا للتو".
ووسط ستة أكواخ متناثرة وشمس حارقة تجلس نساء وأطفال حول شجرة صمغ.
فتشت القوات الفرنسية الأكواخ في صمت. جندي قطع الفراش فيما آخر يهزّ الحصير.
وقال قائد حملة البحث "نبحث عن وسائل اتصال او مكونات تستخدم لصنع القنابل محلية الصنع".
وعثرت القوات على هواتف محمولة وأوقفت حملة البحث التي استمرت ساعتين للعودة الى آلياتها العسكرية.
- قط وفأر -
وشرح ضابط فرنسي الفكرة وراء مهمات البحث، قائلا انه في المناطق الخاضعة لنفوذ الجهاديين "فكل شخص يمكن ان يكون عدوا محتملا".
ويدفع المدنيون المحاصرون بين المطرقة والسندان ثمن النزاع الدامي.
وتواجه قوات مالي وبوركينا فاسو اتهامات بارتكاب انتهاكات حقوقية. وصدرت أوامر للقوات الفرنسية بتبني قواعد صارمة للاشتباك.
ويقول الجيش الفرنسي إن هناك آليات قائمة أثناء العمليات المشتركة لمنع الحوادث. لكن مسؤولا فرنسيا، رفض الكشف عن اسمه، قال إن الشركاء الأفارقة لا يحترمون القواعد دائما.
وهناك فرق كبير بين جيوش دول الساحل الخمس والجيش الفرنسي من حيث المعدات.
قال ضابط فرنسي إن قوات بلاده تسير ببطء في العربات المدرعة لكن قوات الساحل تتنقل في شكل أسرع بواسطة دراجات نارية.
وقال ضابط من بوركينا إنّ التدابير الأمنية الفرنسية والقوافل الصاخبة تتيح للجهاديين وقتا للهرب.
وقال "من الطبيعي ألا يجد الفرنسيون أي شيء عندما يصلون"، وتابع أن الدراجات النارية تجعلهم "أكثر قدرة على الحركة".
لكن القوات الإفريقية عرضة للخطر.
فقبل أيام فقط، قُتل جنديان من بوركينا فاسو كانا على دراجة نارية بانفجار قنبلة على جانب الطريق.
وإجمالا، قُتل حوالي 170 جنديا من قوة دول الساحل الخمس منذ سبتمبر في هجمات جهادية، بما في ذلك حوالي 40 جنديا ماليا لقوا حتفهم في كمين في نوفمبر. في مقابل جندي فرنسي واحد، على سبيل المقارنة.
رغم سنوات من التدريب على أيدي القوات الفرنسية، فإن جيوش قوة دول الساحل الخمس تعاني من العديد من المشكلات.
وقال قائد وحدة بوركينا فاسو وينديمانغدي كابوري لفرانس برس إن تأمين الغذاء والماء لقواته أمر صعب للغاية.
-حصيلة هزيلة؟ -
لكن مهمات البحث الشاقة تحقق بعض النجاحات أحيانا.
فبعد أن اعترضت الاستخبارات الفرنسية رسالة من أحد قادة جماعة أنصار الإسلام على بعد بضعة كيلومترات من مواقع عملية بورغو، أرسل الجيش 80 جنديا للقبض عليه بدعم من طائرات مسيّرة وطائرة من طراز ميراج 2000.
وقرب انتهاء اليوم نفسه، أوقفت القوات أيضا مخبرين محليين أبلغوا الجهاديين عن تحركات القوات.
وحين وصلت القافلة المدرعة في سحابة من الغبار إلى القرية هرب ثلاثة رجال بعد أن خبئوا أشياء في الأرض. واعتقلت القوات واحد منهم بعد عدة دقائق.
وقال الضابط جوليان "تلقينا اتصالا. هرب عندما وصلنا لكن السكان ظلوا في مكانهم وهو أمر مشبوه".
وتابع "لكن ليس لدينا شيء ضده، لذا سنسمح له بالرحيل".
وصادرت القوات حوالي مئة هاتف على مدار أسبوعين من عمليات "بورغو 4" لتنسحب من المنطقة في 17 نوفمبر.
وأعلن الجيش الفرنسي أنّ 24 شخصا قتلوا أو أوقفوا فيما تم الاستيلاء على حوالي 60 دراجة نارية.
ورغم أن الحصيلة تبدو هزيلة، إلا أن قادة الجيش الفرنسي قالوا إنهم مرتاحون للنتائج مشيرين إلى أن العملية عطلت الجهاديين وتسببت في فرار كثيرين.
وقال العقيد رافائيل برنار "نعمل سويا ونغير الأمور ونقاتل".