حصة الموسيقى: مدرسون "سد خانة" بلا آلات ولا حجرة ولا اهتمام

كتب: محمد سعيد الشماع

حصة الموسيقى: مدرسون "سد خانة" بلا آلات ولا حجرة ولا اهتمام

حصة الموسيقى: مدرسون "سد خانة" بلا آلات ولا حجرة ولا اهتمام

«دو - رى - مى - فا - صول - لا - سى» نغمات السلم الموسيقى الشهيرة لم تعد تسمعها آذان الطلبة داخل جدران المدارس الحكومية، حتى تلك اللحظات الهامة، التى يكون فيها صوت آلات الموسيقى عالياً باتت مجرد تسجيلات يعيدها المدرسون على مسامع الطلبة فى طابور الصباح، نظراً لنقص الإمكانات أو وجود مشكلات متراكمة استحال معها تدريس الموسيقى داخل المبانى التعليمية. للموسيقى دور رئيسى فى بناء وتكوين شخصية الطالب منذ الصغر، باعتبارها وسيلة يُعبر بها عن عواطفه وانفعالاته، ولكن غابت «التربية الموسيقية» عن الكثير من المدارس بالمحافظات المختلفة، ليُصبح العزف داخل المدارس على أوتار مقطوعة. «الوطن» فتشت عن مادة «التربية الموسيقية» داخل المدارس الحكومية، وأين ذهبت، وفوجئت بأن الوضع مأساوى، كما تواصلت مع عدد من معلمي التربية الموسيقية، طلب بعضهم نشر أسماء مستعارة لهم، خوفا من تعرضهم للمسائلة القانونية من إدارات مدارسهم والوزارة.

"الحسينى": مديرو المدارس الحكومية ينظرون لنا نظرة سلبية.. ونحتاج إلى ورش وتدريبات وقاعات مناسبة تؤهلنا لتدريس المادة للطلاب

محمود الحسينى، 38 عاماً، مدرس تربية موسيقية، فى إحدى المدارس الابتدائية الحكومية بمحافظة المنوفية، منذ 2005، يقول إن مدرسى التربية الموسيقية يُعانون من نقص كبير فى الآلات الموسيقية، وضعف الإمكانيات المادية للمدارس، التى لا يمتلك كثير منها أية آلات بالأساس، موضحاً أن المدارس تعانى أيضاً من عجز شديد فى مدرسى التربية الموسيقية.

وأضاف: «الشغل فى طابور الصباح فى بعض المدارس بيبقى إنها بتوصل الميكروفون بالموبايل وتشغل عليه الموسيقى»، مؤكداً أن بعض مديرى المدارس لا يهتمون بالأنشطة المدرسية، ومن بينها مادة التربية الموسيقية، وينظرون إلى مُعلميها نظرة سلبية.

ويرى «الحسينى» أن معلمى التربية الموسيقية يحتاجون لتدريبهم على طرق التدريس المثلى، لرفع كفاءتهم، مضيفاً: «مفيش إعداد جيد للمدرس، ومسمعتش ولا مرة عن دورات أو تدريبات لينا، طول شغلى فى المدارس الحكومية، وطلبت ده كتير ومحدش بيسأل»، موضحاً أن التربية الموسيقية مادة نشاط اختيارية، حصتان فى الأسبوع، ويتم تقسيم الفصل داخل المدرسة بين 4 أنشطة، هى الموسيقى والمسرح والصحافة والمكتبة، فى وقت واحد: «طيب اللى اختار المكتبة عارفين هيقعد فين، لكن باقى الأنشطة اللى فى نفس الوقت هتروح فين؟».

المدرسة التى يعمل بها «الحسينى» ليس بها غرفة مخصصة للتربية الموسيقية، لكنه لجأ إلى حجرة الوسائط المتعددة، التى لا تستفيد منها المدرسة، وحولها إلى غرفة موسيقى، موضحاً: «فى المدارس اللى مفيهاش لا إمكانيات ولا حجرات مخصصة، المدرسين فى الحصة بيقولوا اللى معاه سندوتشات يطلعها ياكلها واللى عنده واجب يعمله، أو ينزلوا يقعدوا فى الحوش ألعاب عشان مفيش مكان يقعدوا فيه»، مشيراً إلى أن هناك من يشرح المنهج نظرى على «السبورة». واختتم حديثه قائلاً: «إن أردنا إعادة حصة الموسيقى فى جميع المدارس الحكومية علينا توفير أماكن مناسبة لها، وآلات موسيقية وتدريب المدرسين للتعامل مع المادة والآلات».

"صبرى": الآلات الموجودة متهالكة ومفيش ميزانية نصلحها.. وأنا بشتغل أمن وعامل وناقص يمسكونى الكانتين

صبرى محمود، «اسم مستعار»، 33 عاماً، يعمل مدرساً للتربية الموسيقية فى مدارس حكومية بالقاهرة، منذ 2013، يقول: «عندما تسلمت العمل، كان فى مدرسة ثانوى للطالبات، وإدارة المدرسة رفضت بحجة أننى قريب فى السن من البنات، فانتقلت إلى أخرى إعدادية، وكانت غرفة الموسيقى فى بير السلم، وإدارة المدرسة رفضت أن أعطى الحصص فيها، بحجة الخوف على الطالبات أيضاً، فاضطررت إلى حمل الآلات الموسيقية والصعود بها إلى الفصل، ما أزعج باقى المدرسين فى الفصول المجاورة، حتى غادرت تلك المدرسة ورحلت إلى أخرى، للمرحلة الابتدائية». مضيفاً بنبرة ساخرة: «موجود عبارة عن سد خانة فى الجدول، وأمن كمان على بوابة المدرسة عشان مفيش لا عامل ولا أمن على البوابة، ناقص يمسكونى الكانتين والجودة والمدرسين كلها تمشى وأشتغل أنا فيها لوحدى». وأشار إلى أنه ليس فى استطاعته رفض تلك المهام المُكلف بها. وعن الوضع داخل المدرسة الابتدائية، التى يعمل بها حالياً، يوضح «صبرى» أن المدرسة ليس بها حجرة موسيقى، والآلات الموجودة متهالكة، مضيفاً بنبرة غاضبة: «فى مقابل ده فيه أوضة مقفولة بتاعت التدبير المنزلى ومعندناش مدرس تدبير منزلى، ومينفعش نستفيد منها كأوضة للموسيقى عشان فيها عهدة التدبير المنزلى والموجه رافض إن حد يدخلها».

ويستطرد: «فيه مدارس حكومية بها غرف للموسيقى وآلات، وأخرى لا، وأغلب المدارس التى بها الغرف والآلات فى الإدارة التعليمية هى مدارس الإعدادية والثانوية، وعلى الرغم من أن مادة التربية الموسيقية اختيارية للطلاب، لكن مدرستنا لم تُطبق ذلك، وأُدرس المادة للفصل بأكمله، أدرس لهم الأناشيد كتابة مع القواعد النظرى للموسيقى».

"عمرو": غرفة الموسيقى كانت تحت "بير السلم" ودلوقتى معنديش مكان أقعد فيه ومعرفش هقفل على الآلات فين؟

فى أحد مراكز محافظة الدقهلية، يعمل عمرو مجدى، «اسم مستعار»، 37 عاماً، مدرساً للتربية الموسيقية منذ 2003، وتم تثبيته خلال 2011، ويقول: فى المدرسة الابتدائى، التى أعمل بها، خصصوا لى حجرة دراسية فى الطابق الرابع، ونظراً لصعوبة الانتقال بالآلات الموسيقية بين الطابق الرابع وطابور الصباح يومياً، نقلونى إلى غرفة فى «بير السلم» برفقة معلمة التربية الدينية، إلى أن تحولت تلك الحجرة أيضاً إلى فصل دراسى، لأجد نفسى فى مشكلة، ولا أعرف أين أضع الآلات، فلجأت إلى القاعة المخصصة للمسرح، مضيفاً: «لغاية دلوقتى معنديش أى غرفة للموسيقى، والمسرح ده ملجأ لكل الطلاب والمدرسين، وكل شوية بيتعمل فيه اجتماعات، طيب أنا هقفل على الآلات بتاعتى فين؟ وللأسف أى حد يقدر يعبث بها».

يُحاول «عمرو» على قدر الإمكانيات المُتاحة وعدم وجود حجرة مُخصصة تعليم الطلاب الموسيقى من خلال الغناء والعزف على الآلات فى بعض الأحيان، لكن أكثر ما يُزعجه هو تحمل مهام إضافية خارج تخصصه، موضحاً: «كل يوم عندى حصص احتياطى، وواخد لوحدى إشراف يومين، وبضطر أنفذ كل طلبات إدارة المدرسة، عشان لو رفضت هيخصموا لى الحافز».

وأكد أن هناك الكثير من المدارس ليس بها معلمو تربية موسيقية، على الرغم من وجود الكثير من الكليات التى يتخرج فيها الآلاف سنوياً للعمل كمدرسين للتربية الموسيقية.

"إبراهيم": الحصص آخر الجدول والطالب بيكون تعب.. و"التعليم" تتجاهل الرد على أسئلة "الوطن"

وفى محافظة البحيرة، يعمل أحمد إبراهيم «اسم مستعار»، 42 عاماً، مدرساً للتربية الموسيقية بإحدى المدارس الثانوية، ويُعانى، مثل بقية زملائه، من غياب الإمكانيات، وعدم وجود حجرة لتدريس الموسيقى داخل مدرسته، ويقول: «إحنا بندرس للطلاب فى الحوش أو تحت السلم عشان مفيش غرف مُخصصة لتدريس الموسيقى جوه المدرسة، والأدوات اللى عندى بسيطة خالص، أكورديون وطبلة وأكسفون، ودول اللى بشغل بيهم طابور الصباح»، موضحاً أن «الآلة الموسيقية اللى بتعطل أو تتكهن لا يتم تصليحها أو شراء الجديد منها، لأن أسعار تلك الآلات باهظة، ولا توجد ميزانية مُخصصة داخل وزارة التربية والتعليم لخدمة مادة التربية الموسيقية، وعشان مفيش آلات نشتغل بيها فى المدرسة بنخترع ألعاب مع الطلاب زى لعبة الكراسى الموسيقية». يُكلف «إبراهيم» بأعباء ومهام إضافية خارج تخصصه بشكل أكبر، من بقية زملائه مدرسى المواد الأخرى، منها الأمن على البوابة، والإشراف و«الكانتين»، حسبما أوضح، متابعاً: «المدير بيجبر المدرس على كده ولو رفض هيحوله للتحقيق وممكن يوقف ترقياته، والمدرس مش فى إيده حاجة».

ويشير إلى أن أكثر ما يُزعجه هو أن حصص التربية الموسيقية موجودة فى الجدول فى آخر اليوم الدراسى: «الطالب بيكون تعب ومش قادر يعمل حاجة»، مؤكداً أن مادة التربية الموسيقية أصبحت بلا أهمية بعدما تحولت إلى مادة نشاط: «زمان مادة الموسيقى كانت أساسية وفيها امتحان فى نهاية العام نظرى وعملى، وياما اتكلمنا فى كل ده ومحدش سأل فينا».

فى حفلات المدارس من يعزف على الآلة الموسيقية هو المعلم فقط، ويكتفى الطلاب بالغناء وراءه، وفقاً لحديثه، قائلاً: «عشان أعلم طالب يعزف محتاج وقت، ممكن ياخد شهرين أو تلاتة، وللأسف مفيش لا وقت ولا إمكانيات، والطالب اللى متعلمش فى ابتدائى ولا إعدادى، هاجى فى ثانوى عندى أعلمه إزاى؟»، مشيراً إلى أن التعليم يجب أن يبدأ مع الطالب من مرحلة رياض الأطفال، وأنه يُلاحظ رغبة الطلاب فى التعلم، لكن الإمكانيات الضعيفة تقف حائلاً أمام ذلك: «أولياء الأمور بيلجأوا للمراكز وأكاديميات الموسيقى الخاصة، خارج المدرسة عشان يعلموا ولادهم لأنهم عارفين إن المدارس مش ممكن تعلمهم». فى المقابل لم تستجب وزارة التربية والتعليم لمحاولات كثيرة مع المكتب الإعلامى للرد على أسئلتنا أو طلب بيانات وأرقام عن أعداد معلمى التربية الموسيقية العاملين داخل المدارس الحكومية.


مواضيع متعلقة