عن أرسطو وليلى مراد وسيدنا الحسين
- الانتخابات
- الطريقة الغربية
- الفكرة الديمقراطية
- الانتخابات النازية
- ليلى مراد
- الانتخابات
- الطريقة الغربية
- الفكرة الديمقراطية
- الانتخابات النازية
- ليلى مراد
كنا كعادتنا الأسبوعية نستعيد ذكريات سنوات الصبا ومشاغبات مرحلة الشباب قبل أن يفاجئنى صديقى الصعيدى ذو الملامح المصرية الجادة بسؤاله: «وتفتكر مفيش حل لمسألة الانتخابات والديمقراطية على الطريقة الغربية؟ فهى لا تأتى بالأفضل والأنسب دائماً»، فأضفت بل هى لا تأتى بالأفضل والأنسب إلا نادراً فى ظل سيطرة رؤوس الأموال أو شيوع الروح القبلية على العملية الانتخابية، وإذا أضفنا الخطاب الشعبوى والحشد على أسس دينية وطائفية ستكون المحصلة أسوأ، ضحكنا جميعاً، فيما تعلقت أبصارنا بصديقنا المسيحى الذى علق ساخراً: «يعنى مفيش فايدة مع واحد زى حالاتى مسيحى وفقير على باب الله»، فأضاف آخر: «وزملكاوى كمان انت كده الله يكون فى عونك».
تحولت جلسة الدردشة إلى نقاش سياسى جاد.. تحدثت وتحدث الجميع وكأنها جلسة عصف ذهنى تهدف إلى إجابة السؤال الذى شغل مفكرى وفلاسفة العلوم السياسية منذ أفلاطون وحتى يومنا هذا عن أنسب النظم السياسية وبخاصة فى مجتمع كمجتمعنا المصرى.
والمدهش أن عدداً من المشاركين فى النقاش انتصر لفكرة الديمقراطية المباشرة أو اللجان الشعبية على طريقة الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، وعلى الرغم من اتفاقهم على صعوبة تطبيقها على النحو الذى يقود لنظام سياسى متماسك يلبى طموحات المواطنين فإنهم اعتبروه حلاً لتجاوز محنة التمثيل النيابى التى عادة ما «تسلم القط مفتاح الكرار»، على حد تعبير أحد الأصدقاء،
لكن وفى ختام النقاش وقبل أن نتوجه جميعاً لساندويتشات الفول والطعمية التى تولى أحد الأصدقاء وضعها على طاولة جانبية كان الاتفاق على أن نظام الانتخابات والتمثيل النيابى يبقى الأقل سوءاً، وهو الموقف الذى تبناه الغرب فى مطلع القرن العشرين رغم أنه أدخلهم وأدخل العالم بأسره فى أتون حرب مستعرة بعد أن أفرزت الانتخابات النازية والفاشية.
انقضت الليلة ووليت وجهى شطر منزلى الذى يبعد عن مسقط رأسى حيث اجتماعنا الأسبوعى نحو ثلاثين كيلومتراً، وفى الطريق كنت أستمع لمحطة إذاعة البرنامج العام، رفيقة عمرى، وصاحبة الفضل علىّ، هى وإذاعتا صوت العرب وأم كلثوم التى تحولت إلى إذاعة الأغانى قبل سنوات، كان صوت ليلى مراد يأتينى ناعماً من المذياع بينما رأسى مشغول بهذا السؤال كيف يمكن أن يبدع مفكرو العالم ومنظروه نظاماً سياسياً ملائماً للجميع؟ وهل يجب أن يكون هناك نظام سياسى ملائم للجميع؟
بالطبع لا فلكل مجتمع ثقافته وطريقة تفكير أبنائه، ولكل مجتمع نسق قيمى ونسيج اجتماعى وطبقى يؤثر بكل تأكيد على نظام الحكم فيه، تماماً كما قال أرسطو فى كتاب «السياسة»، حيث نظر إلى أى نظام سياسى باعتباره محصلة لتفاعل عدد كبير من العوامل التى تشمل الوضع الجغرافى والقدرات الاقتصادية والتركيب الاجتماعى والبشرى والأفكار السياسية العامة والسائدة، وأرسطو فى رأى مؤرخى وعلماء السياسة هو الأب الشرعى لعلم السياسة وكان يعتمد فى تصنيف النظم السياسية على معيارين وهما عدد المشاركين فى السلطة ونوعية التوجه الذى يأخذون به، وهنا توجه مغاير لما سار عليه أستاذه أفلاطون فى كتابه «الجمهورية» الذى كان يعتمد على الاستنباط وإعمال الفكر النظرى المجرد.
أنا شخصيا أميل لما قاله أرسطو، لكن لا يمكن الاعتماد عليه وحده وتحليل النظم السياسية وملاءمتها للمجتمعات تقوم على الجانبين وإن اختلفت الأوزان النسبية لكل منهما من وقت لآخر ومن مجتمع لغيره.
وصلت بيتى قبل أن أنهى النقاش بينى وبين نفسى. وبعد أن انتهت ليلى مراد من غنائها «الحب جميل للى عايش فيه»، تحول المذياع إلى نقل صلاة الفجر من مسجد الإمام الحسين الذى طالما صليت فى رحابه وبكيت على بابه، أخذنى تقديم المذيع بصوته الرخيم ولغته العربية السليمة إلى حيث استشهد الإمام الحسين حيث كان استشهاده نهاية حقبة ونظام حكم وبداية حقبة ونظام حكم آخر فى تاريخ الدولة الإسلامية فأعود إلى أبواب الجدل المشرعة عن آخرها فى رأسى حتى الآن عن طبيعة النظم السياسية والنظام الأمثل أو لنقل الأقل سوءاً وهل تختلف النظم باختلاف المجتمعات وهل لكل مرحلة من مراحل تطورها نظامها السياسى الأنسب؟