تستهدف القلب وسعرها جنيه.. "الحبة القاتلة" تنتشر في المنوفية

كتب: إبراهيم الديهي

تستهدف القلب وسعرها جنيه.. "الحبة القاتلة" تنتشر في المنوفية

تستهدف القلب وسعرها جنيه.. "الحبة القاتلة" تنتشر في المنوفية

"أقراص حفظ الغلة" هي الوسيلة الأسرع لحالات الانتحار بالمنوفية في الآونة الأخيرة التي تسببت في وفاة وإصابة المئات من أبناء المحافظة، والتي تحتوي على مواد شديدة السمية تستطيع إنهاء حياة الإنسان فى دقائق معدودة إذا تناولها مباشرة، نتيجة احتوائها علي مادة "الألمنيوم فوسفيد"، وتؤكد الإحصائيات أن نسبة الوفيات تزيد بشكل كبير نتيجة استخدام تلك الحبوب والتي لا تحتاج إلي وقت لتنهي حياة الإنسان . 

مادة "الألمنيوم فوسفيد" هي المادة الفعالة في أقراص حفظ الغلة، والمستخدم لمنع تسوس محاصيل القمح والذرة وغير ذلك من الحبوب الزراعية، وحمايتها من الحشرات الضارة، سعرها جنيه واحد فقط وتستطيع قتل الإنسان في خلال دقائق قليلة، وهذه الأقراص مرخصة من قبل وزارة الزراعة ولا يوجد أي قيود بشرائها من المواطنين في محلات بيع المبيدات الزراعية، وهو ما يساعد على انتشار ظاهرة الانتحار باستخدام تلك الحبوب في الفترة الأخيرة بمحافظة المنوفية .

الدكتورة ليلى جمال سلام أخصائي بوحدة السموم بالمستشفى الجامعي بشبين الكوم، أكدت أن "حبوب حفظ الغلة" عقب ابتلاعها تصدر غاز الفوسفين ثم ينتج عنه قصور في عضلة القلب وهبوط حاد في الدورة الدموية، ويستغرق المريض عددا من الدقائق القليلة قبل وفاته، مؤكدة أن "القرص" إذا كان صالحا وغير فاسد فإذا قام الشخص بابتلاعها باستخدام المياه فإنها تعمل فور بلعها وتصدر غاز الفوسفين جاز سريع الانتشار وفي هذه الحالة يكون معدل التأثير سريعا جدا وفي وقت قياسي، أما إذا حصل الشخص عليها بدون ماء تكون أبطأ بعض الشيء ولكنها تؤتي بنفس النتائج . 

وحذرت "سلام" في تصريحات خاصة لـ"الوطن"، من انتشار ظاهرة الانتحار باستخدام تلك الأقراص، موضحة أن التعامل مع هذه الحالات فور وصولها قسم السموم بمستشفى الجامعة يكون من خلال عمل الإسعافات الأولية ويتم استقبالها في غرفة الإعاشة لأنها تؤثر على القلب وهو أهم عضو في جسم الإنسان ثم يتم الحصول على العلامات الحيوية الخاصة بالمريض وعلى أساس ذلك يتم التعامل معها باستخدام وسائل مساعدة بإعطائه مضخات للقلب وتزيد من ضغط القلب، وعمل غسيل معدة والعمل على أكسدة الغاز ووقف نشاطه، موضحة أنه لا يوجد ترياق صريح لعلاج هذا النوع من الحالات . 

وشددت على بعض النصائح التي يجب الالتزام بها من أهل المريض عقب ابتلاعه أقراص حفظ الغلة، ومن أهمها منع المياه تماما عن المريض ويمكن الاستغناء عن المياه باستخدام اللبن، وكذلك محاولة الاستفراغ وطرد القرص من المعدة قبل إصدار الغاز في الجسم، كما أن بعض الأبحاث التي أجريت في الفترة الأخيرة أشارت إلى أن استخدام زيت البرافين يقلل من المضاعفات الناتجة من استخدام هذه الأقراص، مضيفة أن أغرب حالة توفيت داخل القسم هي فتاة كانت تبلغ من العمر 13 عاما، متعجبة من كيفية حصولها على هذا النوع من الأقراص المميتة.

تشير إحصائيات قسم السموم بمستشفى الجامعة بالمنوفية، إلى عدد الوفيات زاد من شهر يونيو 2018 وحتى يونيو 2019 بنسبة 46%، حيث وصل أعداد الوفيات في عام 2018 إلى 70 حالة، بينما في عام 2019 وصلت حالات الوفاة إلى 113 حالة، ووصلت أعلى نسبة مصابين خلال العام الماضي إلى 41 حالة في شهر سبتمبر توفي منهم 6 أشخاص، أما في العام الحالي فتشير الإحصائيات إلى انتقال 47 مصابا إلى المستشفى الجامعي خلال شهر يوليو مصابين لقي منهم 17 مصرعه.

وسجلت مدينة بركة السبع بمحافظة المنوفية أعلى نسبة وفيات باستخدام أقراص حفظ الغلة، وجاء في المركز الثاني قرية مليج بمركز شبين الكوم، وجاء في المركز الثالث مدينة قويسنا، بينما حلت مدينة الباجور بأقل نسب الوفيات بين مدن المحافظة، ليصبح إجمالي الأعداد التي أستقبلها مركز السموم بالمستشفي الجامعي منذ شهر يناير 2018 وحتي الشهر الجاري 500 حالة، توفي منهم 160 شخصا.

تواصلت جريدة "الوطن"، مع أحد الأشخاص الذين تناولوا أقراص حفظ الغلة، ويدعى "ن.م.ش" 32 عاما يقيم بمركز تلا بمحافظة المنوفية، وأكد أن سبب حصوله على هذه الأقراص كان نتيجة مروره بأزمة مالية كبيرة وعدم قدرته على الزواج من الفتاة المرتبط بها مما أدى إلى زواجها من آخر، يقول "حسيت إن الدنيا ملهاش لازمة ومش قادر أعمل حاجه عشانها والشيطان لعب في دماغي اخد الحباية اشتريتها وأخدت جزء صغير منها عشان قلبي مكنتش مطاوعني أعمل كده" .

"بعدها محستش بنفسي، وكل اللي كنت حاسس بيه هو صوت مرتفع جنبي، وانتقلت للمستشفي وفضلت قاعد فيها اسبوعين متابعات وعلاج لحد ما الحمد لله ربنا أنقذني من الموت، غلطة شيطان والله غلطة شيطان"، هذا ما قاله المريض محذرا أي شخص من الحصول وتناول تلك الأقراص،  وطالب الشباب بضرورة التقرب من الله والبعد عن الشيطان . 

وأكد طلعت شبل الصاوي صاحب محل مبيدات زراعية بالمنوفية، أنه يوجد إقبال كبير علي شراء "حبوب الغلة" نتيجة استخدامها في تخزين جميع الحبوب الزراعية مثل القمح والذره والأرز، موضحا أنه لا يمكن تخزين تلك الحبوب إلا باستخدام أقراص ال" فوستوكسين" وأن كل أمبول يحتوي على 20 قرصا، علما بأن مدة التخزين 45 يوما ويتم تجديدها طوال بقاء المخزون، وسعر القرص الواحد جنيه. 

وأضاف "الصاوي" في تصريحات خاصة لجريدة "الوطن"، أن هذه الأقراص مسجلة بوزارة الزراعة برقم 673 وهي مستوردة على هذا التصريح، موضحا أن منع تلك الأقراص سيضر بالمخزون الخاص بالمواطنين في المنازل لأنه لا يوجد بديل لحفظ الحبوب غير هذه ويعمل مفعول السحر في التخزين، ولكن الاستخدام الخاطئ هو الخطأ نفسه مثلها مثل كل وسائل الخطر التي تؤدي للانتحار بالسكين أو أمام المترو أو أي وسيلة فلا يمكن منع سير المترو أو منع استخدام السكاكين، بالفكرة هي استخدام الأقراص بشكل خاطئ وليس في الاستخدام بشكل عام . 

وعن الحل لوقف تلك المشكلة قال، "لازم الدولة توقف استيراد هذه الأقراص وتوفير بديل لهذا النوع على أن يكون آمنا بشكل أكبر على المواطنين لأنه بمجرد تناول الشخص لهذا القرص يتبخر في الجسم بشكل سريع ولا يمكن اللحاق بمن يتناولها"، موضحا أن بعض الأطفال يأتون لشراء هذه الحبوب بتكليف من أهلهم ولكن نرفض تماما إعطاءهم تلك الأقراص خوفا على حياتهم".

وأوضح الدكتور أيمن الحداد رئيس قسم النفسية بالمستشفى الجامعي بشبين الكوم، أن أسباب الانتحار نوعين إما أنها أسباب اجتماعية وهي تنصب حول الإحباط لدى الشباب لعدم القدرة على الزواج مثلًا، أو عدم قدرته على تكوين علاقات اجتماعية وغير ذلك، أم السبب الثاني فيتمحور حول الأسباب النفسية والاكتئاب ونسبته تزيد بشكل كبير عن الأسباب المجتمعية . 

وردا على سؤال انتشار الانتحار في المنوفية، باستخدام أقراص حفظ الغلة، أوضح "الحداد" في تصريحات خاصة لـ"الوطن"، أن محافظة المنوفية مجتمع زراعي لانتشار الرقعة الزراعية المترامية الأطراف، وأنه لا يوجد تحكم في استخدام وشراء تلك الأقراص، مشددا على ضرورة وضع قيود لشراء تلك المادة لما تسببه من سرعة للوفاة، كأن يكون من يشتريها فلاح ولديه حيازة زراعية . 

واقترح رئيس قسم الأمراض النفسية بمستشفى الجامعة، عمل خط ساخن لتواصل الشباب مع الجهات المعنية في المحافظة وربط ذلك الخط بكلية الطب جامعة المنوفية، للتواصل مع الشباب الذين لديهم ميول انتحارية أو أسباب مرضية، ووضع آلية للتعامل معهم وكيفية مساعدتهم وعلاجهم، مشددا على أن سرعة اكتشاف الحالات النفسية عن طريق الأطباء النفسيين يساعد في الحد من انتشار تلك الظاهرة . 

من جهته، أكدت الدكتور ثريا عبدالجواد أستاذ علم الإجتماع بجامعة المنوفية، في تصريح لجريدة "الوطن"، أن سهولة الوصول للأقراص المميتة وإتاحتها سبب من أسباب انتشار الإنتخار باستخدام أقراص الغلة المميتة، موضحة أن ضغوط الحياة والفقر المنتشر وعدم وجود أمل في المستقبل وعدم استطاعة الشخص حل مشاكله بنفسه بالإضافة إلى وجود مرض نفسي عند البعض هي الأسباب الرئيسية لانتشار الانتحار بالشكل المخيف في الآونة الأخيرة، مشددة على أنه لا يوجد مجتمع خالٍ من الانتحار مثل السويد فنسبة الانتحار فيها مرتفع ولكن لأسباب مختلفة.


مواضيع متعلقة