خطايا الموظفين.. خناقات وتوتر "وموت بالسكتة"

كتب: مها طايع

خطايا الموظفين.. خناقات وتوتر "وموت بالسكتة"

خطايا الموظفين.. خناقات وتوتر "وموت بالسكتة"

على أعتاب المؤسسات والهيئات الحكومية والبنوك والمستشفيات، يردد المواطنون سراً، آيات من القرآن الكريم، يحاولون بها السيطرة على حدة التوتر، الذى ينتابهم تلقائياً، قبل مقابلة موظفى هذه المؤسسات، حينها يستنجدون ببعض الحكم والمقولات عن الصبر «يا صبر أيوب.. اللى يصبر ينول.. لو كان الصبر رجلاً لقتلته»، ورغم استعدادهم الجيد لهذه المقابلة، كثيراً ما تبوء محاولاتهم بالفشل، حيث تنشب المشادات الكلامية، ويتطور الأمر إلى السبّاب والتشاجر بالأيدى، بين المواطنين والموظفين، الذين يقصدون إساءة المعاملة واستخدام أسلوب الشدة والقسوة والتعنت، لا يفرق معهم كبار سن ولا سيدات أو ذوو احتياجات خاصة، وكأنهم يعاقبونهم على زياراتهم المفاجئة لهم بمكاتبهم.

كمسارى ينهى حياة بائع.. وموظفة تضرب مواطناً بالحذاء

بعد «ضحية قطار طنطا»، والمواطن الذى توفى بالسكتة القلبية فى العاشر من رمضان بعد مشادة مع موظفة، أصبح هناك ضرورة قصوى لتأهيل الموظفين وتدريبهم على كيفية التعامل مع المواطنين، وهو ما دفع وزارة النقل إلى إصدار بيان تحث فيه العاملين على حسن معاملة المواطنين من ركاب وسائل النقل المختلفة، كما طالب البعض بإجراء كشف نفسى للموظفين قبل تعيينهم فى الجهاز الإدارى للدولة، حتى لا تؤدى بعض الممارسات الفردية إلى الإساءة للكل. خبراء علم النفس والاجتماع ومدربو التنمية البشرية، اتفقوا على أن هؤلاء الموظفين يعانون من نقص حاد فى مهارات الاتصال وفنون البروتوكول، ورغم أن هذه الأزمات يمكن معالجتها بتنظيم دورات تدريبية لهم، لكن يبدو أن معظم الشركات والهيئات لا تزال تجهل طريق العلاج، بهدف توفير النفقات وعدم الإخلال بأرباح الشركات والمؤسسات. هذه هى نظرية المؤسسات المصرية «التوفير قدر الإمكان»، ما يجعلهم أيضاً يسندون مهام كثيرة لموظف واحد فقط، فيجد الموظفون أنفسهم أمام أعباء وضغوط كثيرة يترجمونها فى شكل أسلوب حاد.

مواطنون عانوا من نموذج "مدام عفاف": "معلش إحنا بنتبهدل"

«تعالٍ وشدة وتطاول» بهذه الطريقة السيئة يتعامل أغلب موظفى الشركات والمؤسسات والبنوك مع العملاء يومياً، وكأنهم يزرعون الاحتقان والخصومة فى نفوس المواطنين، الذين يشعرون بذلك كلما زاروا إحدى المصالح الحكومية، دون أن يملكوا الجرأة على الاعتراض على هذا الأسلوب غير اللائق، فمن يعترض يواجه مصيراً مزعجاً من الموظفين، الذين يتعمدون تعطيل مصالحه وتأخيره ساعات طويلة، وأحياناً يطول الوضع لأيام دون جدوى، كعقوبة على اعتراضه ومطالبته بمعاملة حسنة.

من هنا تنشأ المشادات الكلامية ويتطور الأمر فى أحيان كثيرة إلى السباب والاشتباك بالأيدى، وربما يصل الموقف إلى إصابة أحد المواطنين أو وفاته، وأحياناً يصل إلى أقسام الشرطة.

"سهير": "ممرضة الطوارئ عنفتنى ورفضت تعمل لى رسم قلب"

ليست كل الممرضات ملائكة رحمة، كما يلقبن، فبينهن من ينزعن الرحمة من قلوبهن، ويرتدين قناعاً آخر أكثر قسوة وعنفاً. ودليل على ذلك، واقعة شهدها مستشفى المطرية التعليمى، قبل أكثر من عام، حينما شعرت سهير إبراهيم بأزمة قلبية حادة، انتقلت على إثرها إلى المستشفى، وتحديداً قسم الطوارئ، وجدت ما لا تتخيله ولا تصدقه، حيث عاملتها الممرضة بقسوة شديدة، ورفضت إجراء رسم قلب، وتركتها على فراش المرض دون رحمة: «قالت لى مش هعمل لك حاجة، كل ده عشان استعجلتها لأنى تعبانة ومش قادرة أقعد ولا آخد نفسى، اتعصبت إنى قومتها من على مكتبها، وإزاى أخليها تقوم فى وقت وهى مالهاش مزاج ورمت ورق التحاليل والإشاعات على الأرض».

انتقلت السيدة إلى مسئولى الأمن على الفور، لتحرير محضر ضد الممرضة قاسية القلب، لكن الأمر انتهى إلى التصالح، حتى لا تُضار الممرضة: «مسئول الأمن قالى حقك عليا وبعتذر لك وهى هتتأسف لك ونلم الليلة دى ونشوف حد يعمل لك الكشف».. وحسب «سهير» هذه الممرضة لم تتعظ حتى بعد اتخاذ إجراء قانونى ضدها «بقت بتبص بتعالى وبتعامل كل المرضى بقرف وبتغل جداً عليهم كأنها عايزاهم كلهم يموتوا عشان ماتشتغلش».

"شروق": "الموظف قال لى انتى جاهلة مابتفهميش وعميا مابتشوفيش"

المأساة نفسها تكررت مع شروق عبدالحميد، التى ذهبت إلى مركز الصحة التابع لمنطقة الشرابية، قبل عامين، لاستخراج شهادة ميلاد لأحد أطفال العائلة، ففوجئت بمعاملة سيئة وإهانة كبيرة «فيه حاجات فى الورق ماكنتش فاهماها فبسأل الموظف المختص وندمت جداً إنى سألت، لقيته بيقولى: انتى جاهلة، انتى مابتفهميش، ولا عامية كمان ومابتشوفيش»، صُدمت لدقائق معدودة، وراحت تسترجع بذاكرتها الموقف مرة أخرى، حتى تتذكر إذا كانت ذكرت كلمة عفوية أساءت بها إليه، لكنها لم تخطئ أبداً «بعد ما فُقت من صدمتى بقول له هو فيه ايه حضرتك؟ ليه بتكلمنى بالطريقة السيئة دى؟ قالى أنا حر وانتى تستحملى طالما ليكى مصلحة وعايزاها تخلص يبقى تسمعى الكلام وانتى ساكتة وتنفذى»، حالة من الغضب الشديد انتابتها ولم تشعر بنفسها سوى وهى تجلس أمام مدير المركز تشكو إليه، وتقدم شكوى ضد الموظف.

"ماجد": "طلبت منه يخلص لى الورق قال لى تعالى بعد 4 أيام ولما اتخانقت معاه الورق خلص فوراً"

فى واقعة أخرى وجد أمير ماجد نفسه أمام تعنت وتسلط شديدين، من أحد الموظفين الحكوميين، خلال إنهاء بعض الأوراق الحكومية المهمة: «أول ما شافنى، قال لى عايز إيه؟، بأسلوب كأنه مش طايق يشوفنى أو زعلته فى حاجة، ومابقتش عارف احتوى الموقف إزاى، وكنت هادى جداً ومسكت نفسى عن إنى أتكلم برخامة أنا كمان، عشان أخلص ورقى وأمشى، بعدين لقيته بيقول لى استنانى بره مش فاضى دلوقتى، استنيت فعلاً، وبعدين جابنى وقالى فوت علينا بعد 4 أيام وأنا كنت مستعجل جداً». حينها انفعل «أمير»، وغضب الموظف من انفعاله، ونشبت بينهما مشادة كلامية وتعالت أصواتهما بشدة، لدرجة لفتت انتباه الموظفين والمواطنين الموجودين فى المكان «بعد ما الناس هدتنى وموظفة زميلة له قالت لى معلش يا ابنى هو أسلوبه وحش جداً ومحدش مننا بيتعامل معاه خالص».

وصف «أمير» أسلوب الموظف بـ«أسلوب يهودى أو جاحد»، مضيفاً: «رغم أن هذا الموظف كبير فى السن، لكن يبدو أنه لم يحترم عمره وشيب شعره، ووسط انفعالى وتعاطف الموجودين معى، أنجز هذا الموظف أوراقى بسرعة غير معهودة منه، جاب لى الورقة لحد ما أنا واقف ماتحركتش من مكانى، ساعتها بس اتأكدت إن أغلب موظفين الحكومة مش ينفع نتعامل معاهم غير لما نعلى صوتنا ونتخانق عشان مصالحنا تخلص وإلا كده هنموت جنبهم وحاجاتنا برضو مش هتخلص».

"هبة": "بعد انتظار أسبوع على الشباك الموظفة طردتنى"

أمام طابور طويل لا يظهر له أول ولا آخر، لم تجد هبة طارق أمامها فرصة سوى الانتظار لساعات طويلة حتى طال الأمر لعدة أيام، والمحصلة النهائية «صفر»، ولم تنهِ أوراق بطاقتها الشخصية «كنت فى السجل المدنى والطوابير هناك مالهاش أول من آخر، كنت أروح من 8 الصبح لـ12 الضهر، وأزهق أمشى وأقول أروح تانى يوم وفضلت على كده لمدة أسبوع وفى الآخر فى يوم وصلت خلاص أخيراً للشباك وهختم الورق بتاعى عشان البطاقة اتفاجئت بالموظفة بتعلى صوتها على الناس وترمى الورق فى وشهم».

«هبة» شعرت بغيرة شديدة جعلتها تلقائياً تدافع عن أحد المواطنين من كبار السن، الذى لاقى أسوأ معاملة لرجل عجوز، «كانت بتعامل الراجل الكبير بأسلوب غير لائق ووحش كأنها بتذله حتى مافكرتش تقوله استريح وأنا هخلص لك ورقك زى ما اتربينا واتعودنا نحترم كبار السن فقلت لها حاولى تتعاملى كويس ده راجل أد والدك قالت لى وانتى مالك خليكى فى نفسك بدل ما أعطلك ورقك وأخليكى آخر واحدة»، وعندما اعترضت «هبة» على هذا الأسلوب، عاقبتها بالفعل الموظفة بالانتظار الطويل، وقررت على الفور مغادرة هذا الطابور: «وماعملتش البطاقة ولا خلصتها ورُحت بعدها بفترة حمدت ربنا إنها كانت إجازة وخلصت ورقى ومشيت».

دائماً ما يوجد بكل مؤسسة أو هيئة موظف قاسى القلب، وحاد الطباع، هذا ما وجدت نسمة محمد، إحدى المسئولات عن جمعية خيرية بمنطقة السيدة زينب، عندما ذهبت إلى أحد مستشفيات الأطفال، للاتفاق مع المسئولين على تنظيم زيارة بهدف الترفيه عن الأطفال وإهدائهم بعض الهدايا لإسعادهم: «اتفاجئت بموظف هناك بيقول لى مش عايزين منكم حاجة ومش انتم اللى هتيجوا تدونا والمستشفى فيها كل حاجة هنا والأطفال مبسوطين وشكراً إنك شرفتينى، أسلوب وقح وصادم خصوصاً إنه صادر عن موظف يعمل بمستشفى».


مواضيع متعلقة