تعرف على حكم الدين في تنقيب الأشخاص عن الآثار

كتب: سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسي

تعرف على حكم الدين في تنقيب الأشخاص عن الآثار

تعرف على حكم الدين في تنقيب الأشخاص عن الآثار

الآثار المصرية تراث حضاري، شاهد على معالم الحياة السابقة، وهبة من الله لمصر، إذ تعد دولتنا حاضنة لكل الحضارات وتحمل كافة أشكال تلك الآثار سواء الفرعونية أو الإسلامية أو القبطية أو الرومانية، إلا أن البعض استغل الأمر لتحقيق مكاسب خاصة من خلال التنقيب عن الآثار، واعتبارها هبة ربانية له، وجاء رد المؤسسات الدينية على ذلك حاسما وواضحا، إذ اجتمعت المؤسسات على حرمة العبث بالآثار أو التنقيب عنها لغير المختصين أو بيعها والاتجار بها.

وفي تقرير للدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، عبر موقع دار الافتاء، أكد المفتي أن الآثار في اللغة تعني بقية الشيء، وأما اصطلاحًا فقد نَصَّ القانون المصري في المادة رقم 1 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983م على أنه: "يعتبر أَثَرًا كلُّ عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة، حتى ما قبل مائة عام، متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية، باعتباره مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها".

مفتي الجمهورية:  الآثار تعتبر من الأموال التي يتضرر مجموع الأمة لو اقتصر تملكها على بعضهم وتصرف فيها بما لا يحقق المصلحة العامة

وأوضح المفتي أن الآثار التي يعثر عليها آحاد الناس في مصر أقسام، الأول ما يكون متعلِّقًا بحضارات الفراعنة والرومان، والثاني ما يكون متعلِّقًا بثقافات وطوائف غير إسلامية عاصرت عهد الفتح الإسلامي وما بعده؛ كالآثار القبطية، والثالث ما كان من الآثار الإسلامية، فأما الأول والثاني فيطلق عليه اسم الركاز، وأما الثالث فيسمى كنزًا.

وأشار "علام" إلى أن فقهاء الحنفية ذهبوا إلى أن الركاز اسم يطلق على ما كان ذا قيمة مدفونًا في باطن الأرض؛ سواء أكان بفعل المخلوق أم بفعل الخالق سبحانه وتعالى، فهو عندهم أعم من الكنز ومن المَعدِن؛ والمفتي به أن انتقال ملكية الأرض لا يستتبع انتقال ملكية الركاز المدفون في الأرض.

وأوضح مفتي الديار إلى أن الآثار تعتبر من الأموال التي يتضرر مجموع الأمة لو اقتصر تملكها على بعضهم وتصرف فيها بما لا يحقق المصلحة العامة، فمثلها في ذلك كالماء العِدِّ والمعادن وما لا يستغنى عنه؛ لما لها من قيم تاريخية وحضارية وعلمية واقتصادية تصب جميعها في مصلحة المجتمع ونمائه وتقدمه.

واعتبر القانون المصري الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر من الأموال العامة التي لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة؛ سواء عثر عليها في أرض تملكها الدولة أو يملكها الأفراد، وجاء في المادة 6 من القانون المذكور: "على أن جميع الآثار تعتبر من الأموال العامة -عدا ما كان وقفًا-، ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات المنفذة له".

وجاء في المادة 24 منه أنه: "على كل من يعثر مصادفة على أثر منقول، أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان، أن يُخطِر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمانٍ وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعْتُبِرَ حائزًا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار الهيئة بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة، وللهيئة إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة".

وقررت المادة 32 أنه: "لا يجوز لغير هيئة الآثار المصرية مباشرة أعمال البحث أو التنقيب عن الآثار إلا تحت الإشراف المباشر للهيئة عن طريق من تندبه لهذا الغرض من الخبراء والفنيين وفقًا لشروط الترخيص الصادر منها".

هذا، ونصت المادة 45 من قانون حماية الآثار الجديد على: "أن من جاوز متعمدًا شروط الترخيص له بالحفر الأثري، أو اقتنى أثرًا وتصرف فيه على خلاف ما يقضي به القانون، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه"، أما إذا أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك؛ فقد نصت المادة 44 من هذا القانون على أنه: "يعاقب بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه".

وأوضح أن مما سبق يتبين أن جميع الآثار من الناحية القانونية تُعَدُّ من الأموال العامة، وعلى اصطلاح الفقهاء: تعتبر ملكًا لبيت مال المسلمين، ولولي الأمر دون غيره حق التصرف فيها بما يعود بالنفع العام على أفراد المجتمع؛ لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة؛ كما هو مقرر في قواعد الفقه الإسلامي.

شيخ الأزهر الأسبق: الحفاظ علي الآثار ضرورة وواجب

وفي فتوى سابقة للإمام الأكبر الشيخ، جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، حول الحفاظ على الآثار وحرمة الاعتداء عليها، وضرورة إقامة المتاحف وعرض التماثيل، الصادرة عام 1980، أكد أن الآثار وسيلة لدراسة التاريخ كالمصريين القدماء والفرس والرومان، وغير أولئك وهؤلاء ممن ملؤوا جنبات الأرض صناعة وعمران، قد لجئوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع.

وأضاف أن القرآن الكريم في كثير من آياته لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها؛ إذ منها تعرف لغتهم وعاداتهم ومعارفهم في الطب والحرب والزراعة والتجارة والصناعة، والقرآن الكريم حثَّ على دراسة تاريخ الأمم وتبين الآيات في هذا الموضع، إذ كان كل ذلك كان حتمًا الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلًّا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة

وتابع: إقامة المتاحف ضرورة لما كان التحفظ على هذه الآثار هو الوسيلة الوحيدة لهذه الدراسة أصبح حفظها وتهيئتها للدارسين أمرًا جائز إن لم يكن من الواجبات باعتبار أن هذه الوسيلة للفحص والدرس ضرورة من الضرورات، وقاعدة الضرورة مقررة في القرآن الكريم 

دار الإفتاء: لا يجوز المتاجرة بالآثار أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة  ولو وجدها الإنسان في أرض يمتلكها

وفي فتوى لدار الافتاء المصرية عبر موقعها، أكدت الدار أن الاحتفاظ بالآثار؛ سواء كانت تماثيل أو رسومًا أو نقوشًا في متحف للدراسات التاريخية ضرورة من الضرورات الدراسية والتعليمية لا يحرمها الإسلام؛ لأنها لا تنافيه، بل إنها تخدم غرضًا علميًّا وعقائديًّا إيمانيًّا حث عليه القرآن، فكان ذلك جائزًا إن لم يصل إلى مرتبة الواجب، بملاحظة أن الدراسات التاريخية مستمرة لا تتوقف، كذلك لا يجوز المتاجرة بالآثار أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات ولو وجدها الإنسان في أرض يمتلكها.


مواضيع متعلقة