القضاء الدستوري المصري.. تاريخ عريق من الرقابة الجادة على القوانين

القضاء الدستوري المصري.. تاريخ عريق من الرقابة الجادة على القوانين
- المحكمة الدستورية العليا
- المستشار سعيد مرعي
- رئيس المحكمة الدستورية
- المحكمة الدستورية
- احتفال المحكمة الدستورية
- المحكمة الدستورية العليا
- المستشار سعيد مرعي
- رئيس المحكمة الدستورية
- المحكمة الدستورية
- احتفال المحكمة الدستورية
رغم أن عمر القضاء الدستورى فى مصر 50 عاماً، إلا أن مسألة رقابة القضاء على دستورية القوانين فى مصر على المستوى الفقهى والقضائى تم طرحها قبل ذلك بفترة زمنية طويلة.
فعلى المستوى الفقهى أيد الفقه حق المحاكم فى مراقبة دستورية القوانين التى تطرح عليها والامتناع عن تطبيقها فى النزاع المعروض عليها دون التعرض للقانون ذاته أو القضاء ببطلانه، وكان أول من قال بذلك المستشار برنتون رئيس محكمة الاستئناف المختلط، فى محاضرة ألقاها عام 1920 بعنوان «مهمة السلطة القضائية فى المسائل الدستورية بالولايات المتحدة ومصر».
حرية الرأى.. أول قضية تثار فيها مسألة الدستورية عام 1924
أثار رأى «برنتون» جدلاً فقهياً واسعاً انتهى إلى أن أقرت الغالبية العظمى من الفقهاء حق القضاء المصرى فى رقابة دستورية القوانين بطريق الامتناع، مستندين فى ذلك إلى مبدأ الشرعية وإلى أن هذه الرقابة من طبيعة عمل القاضى، فضلاً عن أن مبدأ فصل السلطات يستوجب ذلك، بينما رفضت قلة قليلة الاعتراف للمحاكم بهذا الحق.
موقع المحكمة الدستورية العليا الإلكترونى، استعرض تاريخ القضاء الدستورى، حيث تضمن البحث المنشور على الموقع الإلكترونى للمحكمة أنه بمراجعة الأحكام الصادرة من المحاكم المصرية فيما يختص برقابة دستورية القوانين -بعد صدور دستور 1923- نجد أن القضاء لم يتخذ طريقة واضحة لتحديد سلطته فى هذا الموضوع.
وقالت المحكمة على موقعها فى هذا البحث إنه قد أثير أمر الدستورية لأول مرة عام 1924 أمام محكمة جنايات الإسكندرية عند نظرها الطعن المقدم من الدفاع فى الدعوى المرفوعة من النيابة العامة ضد محمود حسن العرابى وأنطون مارون وآخرين، لأنهم فى المدة ما بين 13 سبتمبر 1923 و2 مارس 1924 فى الإسكندرية وطنطا وغيرها من بلاد القطر المصرى، نشروا أفكاراً ثورية حبذوا فيها تغيير الأنظمة الأساسية للهيئة الاجتماعية، وحكمت المحكمة فى 16 أكتوبر 1924 حضورياً بالسجن ثلاث سنوات بمقتضى المادة 151 فقرة 2، 3، فطعن على هذا الحكم باعتبار المادة المذكورة مقيدة لحرية الرأى المكفولة بنص المادة 14 من الدستور.
وفى أواخر عام 1925 عدلت وزارة زيور باشا، قانون الانتخاب أثناء غيبة البرلمان، رفض بعض العمد تسلم دفاتر الانتخاب وأضربوا عن العمل فقدمتهم النيابة إلى المحاكمة بتهمة مخالفتهم تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من رؤسائهم طبقاً للائحة العمل، وجاء فى دفاع هؤلاء المتهمين أن هذا القانون غير دستورى، وعلى ذلك فامتناعهم عن عمل مشروع لا يصح معاقبتهم من أجله وقد قضت المحكمة بتاريخ 3 يناير 1926 بتغريم كل منهم عشرة جنيهات لمخالفتهم الأوامر الصادرة إليهم.
وأوردت المحكمة فيما يتعلق بالدفع بعدم الدستورية قولها «اتفق علماء الدستورية أنه مع اعترافهم بحق المحاكم فى تقدير دستورية القوانين لا يخولونها حق إلغاء هذه القوانين غير الدستورية عملاً بنظرية فصل السلطات، بل كل ما للمحاكم هو أن تمتنع عن تنفيذ قانون لعدم دستوريته وبدون أن يغير ذلك من قيام القانون المذكور واحتمال أن تحكم محاكم أخرى بدستوريته».
وحسب البحث المنشور على موقع المحكمة، كان هذا الحكم بمثابة أول الأحكام التى قررت صراحة حق القضاء فى رقابة دستورية القوانين، لكن تم إلغاؤه أمام محكمة الاستئناف عندما تم الطعن عليه.
البحث تطرق إلى دور محكمة النقض فى التعرض لمسألة دستورية القوانين، موضحاً أن محكمة النقض ظلت مترددة فى موضوع الدستورية ولم تشأ أن تقطع فيه برأى إلى أن صدر الحكم الذى امتنعت فيه المحكمة عن تطبيق نص فى قانون الإجراءات الجنائية نظراً لخروجه على قاعدة عدم رجعية قوانين العقوبات المقررة فى دستور 1923.
وأشار البحث إلى أن الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور 1923 حتى دستور 1964 المؤقت، خلت من نص ينظم مسألة الرقابة على دستورية القوانين سواء بتقريرها أو بمنعها.
وجاءت أول محاولة رسمية لتنظيم رقابة دستورية القوانين على المستوى التشريعى، من خلال نص مشروع وضع الدستور عام 1953، على إنشاء «محكمة عليا دستورية» يناط بها وحدها مهمة رقابة دستورية القوانين تتألف من تسعة قضاة من بين المستشارين وأساتذة القانون ورجال الفقه الإسلامى الجامعيين، ومن المحلفين لدى محكمة النقض، وقد راعت لجنة وضع الدستور فى تشكيل المحكمة تمثيل السلطات الثلاث ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية، وثلاثة ينتخبهم البرلمان مجتمعاً فى هيئة مؤتمر أول كل فصل تشريعى، وثلاثة ينتخبهم القضاء العادى والإدارى والشرعى، وتنتخب المحكمة رئيسها من بين أعضائها، ومدتها اثنتا عشرة سنة وتجدد جزئياً، غير أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح إذ إن رجال ثورة 23 يوليو رفضوا مشروع لجنة الخمسين وعهد إلى بعض المتخصصين بإعداد مشروع دستور يتمشى مع أهداف الثورة.
وكانت أول تجربة لإنشاء محكمة دستورية متخصصة يناط بها دون غيرها مهمة رقابة دستورية القوانين، هى تجربة «المحكمة العليا» التى أنشأها القرار بقانون 81 لسنة 1969 والتى تولت مهمة الرقابة بالفصل وباشرتها مدة تقترب من العشر سنوات اعتباراً من 25 أغسطس 1970 وحتى تاريخ تشكيل المحكمة الدستورية العليا فى 9 أكتوبر 1979.
دستور 1971 أوكل المهمة لـ"الدستورية العليا"
ويعد دستور 1971 هو أول الدساتير التى تضمنت نصوصاً تنظم رقابة دستورية القوانين، وأوكل أمر هذه الرقابة إلى محكمة خاصة سماها «المحكمة الدستورية العليا» وقد نظم الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح فى خمس مواد منه من المادة 174 حتى المادة 178.
وحرصت الوثائق الدستورية التى صدرت فى أعقاب الثورات التى مرت بها البلاد، على بقاء دور المحكمة الدستورية العليا فى الرقابة على دستورية القوانين واللوائح قائماً، وتكرس هذا الاختصاص من خلال دستور 2012، وراعت لجنة الخمسين، التى نيط بها وضع التعديلات الخاصة بدستور عام 2014 على بقاء دور المحكمة الدستورية العليا سامقاً عالياً، فأفردت لها فصلاً خاصاً يختلف عن باقى الجهات والهيئات القضائية.