مسألة الأمن الاستراتيجى العربى 2019م
- عبدالغفار عفيفى الدويك
- الأمن الاستراتيجي
- الحرب العالمية الثانية
- الأمن القومى
- عبدالغفار عفيفى الدويك
- الأمن الاستراتيجي
- الحرب العالمية الثانية
- الأمن القومى
نحن أمام مسألة سياسية أمنية شائكة تمثل قضية محورية تتعدد أطروحاتها المعهودة، فأغلبها خلافية فى المنهج والأهداف، ورغم جهود العلماء والمفكرين والخبراء فإن مفتاح الحل يبقى فى يد صناع القرار وقناعتهم بتغيير واقعنا بأيدينا بدلاً من أن يُفرض علينا، فلم تخرج نظرية الأمن العربى عن حيز الرصد أو التحليل للتهديدات وتحديد دوائر الأمن دون أن تركز فى بناء استراتيجية علمية، وبالرغم من أن الأدبيات العربية الأولى منذ بدء الستينات لم تجد من يطورها، فقد تعددت نظريات الأمن القومى فى فترة القطبية الثنائية وطورت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، واجتاز النظام الدولى سريعاً نظامين أحادى وتعددى القطبية، وكان لثورة المعرفة دور رئيسى، وهو ما لم يستفد منها عربياً لبناء منظومة تتلاءم مع المتغيرات.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ظل صناع القرار أسرى دوائر جغرافية، هى مجال القوى العظمى، لذا جاءت الهزائم متتالية تؤكد فشل النظرية الأمنية العربية فى فلسطين وسوريا واليمن واحتلال جزر الإمارات واحتلال بيروت وحرب الخليج الأولى وغزو العراق للكويت وانهيار دولة الصومال واحتلال إريتيريا جزر جنيش وتقسيم السودان وازدياد النفوذ الإيرانى فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأخيراً التهديد المباشر من إيران لأمن الخليج العربى.
وأرهق النظام العربى تحت وطأة مغامرات عسكرية بين إيران والعراق وبين ليبيا وتشاد والصومال وإثيوبيا وبين الجزائر والمغرب، خلقت تصدعات عربية عربية، وعربية إقليمية، هذا غير بؤر الصراع الحدودية بين العديد من البلدان العربية، ومنذ بداية ثمانينات القرن الماضى تحركت نظرية الحرب بالوكالة، حيث لعبت إيران دوراً رئيسياً فى دعم المنظمات الشيعية، وتركيا فى دعم جماعات الإسلام السياسى السنى، حدث كل هذا «بالرغم من وجود جامعة عربية مسئولة عن الأمن العربى» ولا يستطيع أحد توجيه اللوم لها؛ لأنها فى مجملها تعبير عن حالة إرادات أعضائها الذين اختار أغلبهم الاعتماد على الفاعل الأجنبى، ما دعا الأمم المتحدة للدفع بممثليها لمحاولة فض نزاعات عربية عربية.
وغاب عن واقع الأمن العربى سرعة استيعاب المتغيرات بطبيعتها الديناميكية التى أدركها «السادات» من منتصف سبعينات القرن الماضى وطرح مبادرته للسلام على المنطقة استكمالاً لما بدأه فى حرب أكتوبر 1973م، وبدلاً من دعمها، وقع النظام العربى فى مأزق إدراكى كاد أن يفكك النظام العربى ككل، وتشكلت جبهة الصمود والتصدى، التى عجزت عن مواجهة العالم بحقوق الشعب الفلسطينى.
ورغم أن نظريات الفكر السياسى للأمن القومى غير خافية على أحد من المختصين فقد دخل العرب القرن الحادى والعشرين وفق قواعد الحرب الباردة، غير مستعدين لمتطلبات الألفية الجديدة، وما أفرزته من متغيرات أهمها: ثورة الاتصالات وثورة المعرفة، وحروب الجيلين الرابع والخامس عبر الفضاء الرقمى متمثلاً فى حروب المعلومات والشبكات.
لقد شهدت بعض البلدان العربية خريفاً عاصفاً أزاح ديكتاتوريات، وانكشفت نظريات الأمن الوطنى بانهيار الأنظمة التى تبنت فكرة حماية أمن النظام وتجاهلت أمن المجتمع.
ومع بدء العقد الثانى من القرن الحالى وعلى المستوى القُطرى أجبرت العديد من الدول العربية على تنفيذ أجندة الإصلاح، بعد أن دفع الشعب الثمن، وخرجت تنظيمات الإسلام السياسى من الكمون، ظن البعض أنهم قوى سياسية، فإذا بهم عملاء متعددو الجنسيات والهويات يمارسون الإرهاب بكل صوره، وازدادت تصدعات الأمن القومى العربى وتراجعت متطلباته وتعدلت أولوياته، فبعد أن كانت القضية الفلسطينية والإرهاب وأمن الخليج العربى والأمن المائى، فى ترتيب منطقى، أعيد ترتيبها ليكون الإرهاب، ثم أمن الخليج والأمن المائى، وتراجعت القضية الفلسطينية التى أصبحت قميص عثمان البالى الذى لم يعد يصلح للارتداء. وبنظرة غير مجتزأة هناك عوامل عديدة أدت إلى عدم قدرة منظومة الأمن العربى على المواءمة مع المتغيرات المتلاحقة؛ أولها: استئثار الدولة واحتكارها صياغة الأهداف مع تجاهلها أمن المجتمع أو حتى الحوار مع المفكرين والأكاديميين، الثانى: صمت المنظومة العربية على أخطاء العديد من الحكام فى حق شعوبهم، فى حين أن تقارير المنظمات الدولية وحقوق الإنسان كانت تعج بالجرائم التى ارتكبوها ضد الإنسانية، الثالث: أن بعض الدول العربية رأت أن الفاعل الدولى أكثر ضماناً لأمنها واستقرارها وأبرمت معاهدات وتحالفات ما لبثت أن تحولت إلى أوراق ضغط خارجية، الرابع: اختلاف بعض الإرادات العربية على أولوية القضايا الجوهرية فى غياب تام لرؤية عمادها الإصلاح الشامل.
كما كان هناك توافق دولى لدعم التطرف والإرهاب فى بعض البلدان العربية، الذى كان هدفاً لاستراتيجيات بعض القوى الإقليمية لإخراج دول بعينها من معادلة الأمن الإقليمى، فانهارت قواتها المسلحة وانشغلت بحروب أهلية.
وفى ظل الغياب العربى، تُركت الساحة بيد قوى إقليمية تحركت فى إطار نظريتها الأمنية تحقيقاً لمصالحها من منظور خلق بؤر نفوذ فى العديد من الدول، وغير خافٍ أن مخابرات دول أجنبية وجدت مسرحاً ملائماً لنشاطها فدعّمت تيارات التطرف الذى تحوّل إلى وحش من الإرهاب يأكل الأخضر واليابس، وكان لإيران استراتيجية عدوانية، فى اتجاه العمل السرى، ونجحت فى اقتناص مشروعها النووى من الدمار، وتصدير الارتباك والفتن الطائفية لبعض الدول العربية، وتهديد الملاحة الدولية فى الخليج العربى وبحر العرب، أما تركيا، ورغم الحرب الإعلامية مع أمريكا، فتظل هى حصان الفوضى الإقليمية لما ترتديه من أقنعة؛ سواء قناع الناتو فى إطار الأمن الدولى، وقناع أوروبى فى محاولة للدفاع عن الهجرة غير الشرعية، وقناع الخلافة مع قوى الإسلام السياسى، أما إسرائيل فاستراتيجيتها هى الوحيدة التى ينفذها خصومها نيابة عنها بأخطائهم التراكمية، وما زالت هذه الاستراتيجيات مستمرة فى البقاء لما اتسمت به من فاعلية ومناورة؛ لاستخدامها أدوات العصر من تكنولوجيا، واستفادت من المتغيرات الدولية ووظفتها لمصلحتها، بينما ظل الأمن القومى العربى أسير التقليدية ومتوجساً من وهْم مجهول، وما يحدث فى العراق وسوريا ولبنان والصومال وليبيا واليمن والخليج العربى دليل دامغ على ما أقدمت عليه الاستراتيجيات الإقليمية، خاصة فى إدارتها للإرهاب تحقيقاً لمصالحها، بينما كان العرب مختلفين على أسلوب مكافحته وتُركت الساحة للفاعل الأجنبى الذى زاد من مساحة وجوده وتأثيره.
إن قضية الأمن العربى تحتاج لمد الجسور بين مواقع الخبراء والباحثين فى جانب، وبين صناع القرار فى جانب آخر، لصياغة منظومة جديدة للأمن الاستراتيجى العربى، تتجاوز أفكار الوحدة التى عجزت عن رأب الصدوعات العربية المتكررة، وتتناسب مع الرؤى القُطرية 2030م لمواجهة مخاطر قد تعصف بالإقليم ككل.
أما محاولة فهم أبعاد الأمن الوطنى المصرى فلا يمكن أن تتم فى غير السياق الإقليمى والعالمى الراهن والمستقبلى، وهو تاريخ حافل بالكفاح، تحتاج قصته لمقالات للإجابة عن سؤال استراتيجى:
لماذا نجحت مصر حيث فشل الآخرون؟ وللحديث بقية..