أكتوبر.. والمؤامرة.. وكلمة السر
فى حوار أجرته الكاتبة الصحفية حنان البدرى، مراسلة «روزاليوسف» فى واشنطن، قبل ما يقرب من 20 عاماً مع السياسى المخضرم جوزيف سيسكو، الذراع اليمنى لـ«هنرى كيسنجر»، أشهر وزراء الخارجية الأمريكيين، اعترف الرجل بأن قدرة المصريين على إعادة بناء قواتهم المسلحة فى 6 سنوات فقط بعد هزيمة 67، إلى الدرجة التى جعلتها تحقق نصراً يصل إلى حد الإعجاز فى أكتوبر 1973، وكذلك عدم انهيار الدولة المصرية سبّبا أرقاً للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد بحث عميق لتفسير تلك الحالة شارك فيه عدد من المؤسسات التابعة للاستخبارات والمراكز البحثية وتلك المعنية بالدراسات العسكرية والاستراتيجية هناك، توصل الأمريكيون إلى أن ذلك يرجع لأسباب ثلاثة؛ أولها: الروح المعنوية العالية فى الشارع، التى كان من الصعب اختراقها، وقدرة المصريين على امتصاص الهزيمة تحت قيادة زعيم يرونه مخلصاً لبلاده رغم كل ما حدث -يقصد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر- وثانيها وجود قطاع عام قوى وفر للمواطن احتياجاته الأساسية ولو فى حدها الأدنى، وهو ما جعله قادراً على التحمل، وبالتالى الصمود، وثالثها: وهو المهم، ويتمثل فى قدرة الجيش على الاكتفاء الذاتى، وعدم ربط ميزانيته بالموازنة العامة للدولة، وهو ما مكنه من تحديث قدراته وإعادة تسليح قواته.
أضاف «سيسكو»: هذه العوامل موجودة دائماً على طاولة صانع القرار الأمريكى وهو يدير علاقاته مع مصر..
القراءة المتأنية للحوار، وربطها بما شهدته مصر منذ انتصارها فى 73 فى علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات الدولية، وتحديداً صندوق النقد الدولى، تكشف إلى أى مدى نواجه المؤامرة التى يتم تسويتها على نار هادئة وباستراتيجية ثابتة لا تختلف سواء سكن البيت الأبيض من نحسبه من الحمائم أو من الصقور.
منذ منتصف السبعينات ونحن نرى إصرار البنك الدولى فى كل تعاملاته مع مصر على التخلص من القطاع العام، وهو ما تحقق جزئياً -مع الأسف- خلال سنوات حكم الرئيس مبارك.
وفى إطار تلك الاستراتيجية أيضاً، أدعوكم لنتذكر معاً ما حدث فى مصر بعد نكسة 2012 (وصول الإخوان لحكم مصر)، وسعى الجماعة الإرهابية لتحقيق طموحات الأمريكان فى ضرب قدرة الجيش المصرى على الاكتفاء الذاتى عبر محاولات الخروج بتشريع من البرلمان -بعد سيطرتهم والسلفيين والمتأخونين عليه- لإجبار القوات المسلحة على إدماج ميزانيتها ضمن الموازنة العامة للدولة.
وجميعنا يرى الآن محاولات هز ثقة المصريين فى أنفسهم من ناحية، وفى قيادتهم السياسية من ناحية أخرى، وكلما فشلوا فى تحقيق ذلك عبر أحد السيناريوهات لجأوا إلى سيناريو آخر، وما زالوا يحاولون.
الواقع يشير إلى أن التاريخ يعيد نفسه الآن، وها هى مصر تستجمع قدرتها لتحقيق العبور الثانى إلى الدولة المدنية الحديثة تحت مظلة جيش قوى، وروح معنوية متماسكة فى الشارع ترفض أى محاولة خارجية للسيطرة على الإرادة المصرية، وجهد واضح لاستنهاض ما تبقى من القطاع العام الذى تم القضاء عليه إلا قليلاً.. وأرى أن الدولة العميقة، التى أرقت الإخوان المجرمين، وجعلت قادة الجماعة الإرهابية ومن والاهم يصرخون من عجزهم عن اختراقها رغم سيطرتهم على نظام الحكم، هى من تستطيع ضبط المعادلة مرة أخرى، وتستعيد لنا دور القطاع العام.
والواقع يشير أيضاً إلى أن قوى الشر لن تتركنا فى حالنا، هم عرفوا مكمن قوتنا، ويحاولون عرقلتنا، ونجاحهم وفشلنا، أو نجاحنا وفشلهم، يتوقف فقط على إدراكنا لأهمية وخطورة اللحظة التاريخية التى نمر بها.. أو ما يمكن تلخيصه فى كلمة السر.. «الوعى».
وقانا الله وإياكم شر الغفلة.