مستشار الأمم المتحدة: الشركات العالمية تستغل ثغرتين في القوانين المصرية للتهرب الضريبي

كتب: محمود الجمل

مستشار الأمم المتحدة: الشركات العالمية تستغل ثغرتين في القوانين المصرية للتهرب الضريبي

مستشار الأمم المتحدة: الشركات العالمية تستغل ثغرتين في القوانين المصرية للتهرب الضريبي

قال مصطفى عبدالقادر، رئيس مصلحة الضرائب المصرية الأسبق ومستشار هيئة الأمم المتحدة للضرائب، إن أزمة إخضاع الاقتصاد الرقمى بشكل عام والتجارة الإلكترونية للضرائب تكمن فى أن القواعد الضريبية الحالية شُرّعت خصيصاً للأنشطة الاقتصادية التقليدية، موضحاً أن القواعد الضريبية الحالية اشترطت ممارسة الشركة نشاطها من خلال «منشأة دائمة» أو «مكان ثابت للعمل»، وبناء عليه تستطيع مصلحة الضرائب فرض الضريبة على نشاطها داخل الدولة.

وكشف «عبدالقادر» لـ«الوطن» أن الشركات الرقمية تستغل ثغرتين فى قوانين الضرائب المصرية، أولاهما ثغرة الأنشطة التحضيرية والمساعدة، بحيث قد يكون للشركة وجود مادى بالفعل فى الدولة فى صورة مخزن أو مكتب لتجميع المعلومات والتسويق أو حتى معرض أو مكان لتسليم السلع، إلا أنها لا تخضع للضريبة، لأن القانون يعتبر أنشطة التخزين والعرض والتسليم وتجميع المعلومات من قبيل الأنشطة التحضيرية والمساعدة، وأن ممارسة الشركة لهذه الأنشطة لا تعطى الدولة الحق فى فرض الضريبة عليها.

وأضاف أن الثغرة الثانية تتم عبر الوكلاء، وهو ما يعنى ممارسة إحدى الشركات العاملة فى مصر نشاطاً رقمياً دون أن يكون لها مقر أو كيان مادى موجود عبر وكيل تابع لها، وضرب مثالاً بشركة «أوبر»، فالشركة لا يوجد لها مقر ثابت أو منشأة دائمة فى مصر، وإنما تدير أعمالها من خلال مكتب أو شركة تابعة لها، وبناء عليه لا يحق لمصر فرض الضريبة على أرباح الشركة، وإنما تُفرض الضريبة على العمولة التى يحصل عليها الوكيل مقابل خدماته التى يقدمها للشركة.

"عبدالقادر": مبيعات "أمازون" للمصريين غير خاضعة للضريبة.. ويجب التطبيق على كل وكلاء الشركات العالمية فى مصر

وأضاف الخبير الضريبى أنه حتى يحق للدولة فرض الضريبة على أرباح الشركة فى هذه الحالة، لا بد أن ينوب الوكيل عن الشركة بشكل كامل، بمعنى أن يتفاوض باسمها ويبرم العقود ويوقع الاتفاقيات نيابة عنها.

وأشار «عبدالقادر» إلى أنه فى هذه الأوضاع تلجأ الشركات إلى حيلة جديدة، وهى أن ينوب الوكيل عن الشركة فى جميع أعمالها عدا إبرام العقود، كأن يتفاوض وكيل شركة (أوبر) فى مصر مع إحدى شركات التسويق التى ستتولى القيام بحملة دعائية ضخمة لصالح الشركة، وبعد ترتيب كل شىء والاتفاق على كافة التفاصيل، تُرسل العقود إلى أحد مسئولى الشركة خارج مصر لتوقيعها، وبذلك تنتفى سلطة إبرام العقود ولا يكون الوكيل ممثلاً للشركة بشكل كامل، وبناء عليه لا يحق لمصر فرض الضريبة على أرباحها.

وأوضح، فى دراسة أعدها تحت عنوان «مكافحة التجنب الضريبى الدولى فى ضوء أنشطة الاقتصاد الرقمى: هل هو ضرورة أم رفاهية؟»، أن الطفرة التى شهدها قطاع تكنولوجيا المعلومات خلال الفترة الأخيرة أدت إلى ظهور أنواع جديدة من الشركات ونماذج الأعمال لم تكن موجودة من قبل ولم تعهدها النظم الضريبية القائمة، فأصبح تعديل القوانين والاتفاقيات الضريبية الدولية ضرورة فى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة.

وأرجع «عبدالقادر» بداية عهد التجارة الرقمية أو الإلكترونية إلى وقت انهيار الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضى، مؤكداً أن هذا مثّل نصراً لليبرالية بشقيها: السياسى المتمثل فى الديمقراطية، والاقتصادى المتمثل فى الرأسمالية، حيث شهدت هذه الفترة انتشاراً كثيفاً للشركات متعدية الجنسيات، وتم إنشاء منظمة التجارة الدولية فى يناير 1995، بهدف ضمان انسياب التجارة بين الدول بأكبر قدر من السلاسة والانسيابية والحرية، وهو ما أدى إلى نمو تجارة السلع والخدمات وتدفقات رؤوس الأموال بمعدل بلغ ضعف معدل نمو الناتج العالمى، إلى أن وصل حجم التجارة العالمية أقصاه عام 2007، مسجلة 53%من الناتج العالمى مقارنة بـ22% عام 1990.

وتابع أنه مع أواخر 2007 بدا أن العالم على شفا أزمة مالية عالمية بدأت تطل برأسها من الولايات المتحدة الأمريكية، وما لبثت أن انتشرت فى معظم دول العالم المتقدم منه والنامى على السواء، حيث أدت الأزمة إلى تراجع حجم التجارة الدولية على نحو واضح لتنخفض من 53% من الناتج العالمى عام 2007 إلى 31% عام 2009، رغم أن حجم التجارة الدولية كرقم مطلق بلغ 30 تريليون دولار فى 2014، وهو نفس حجم التجارة قبل الأزمة، إلا أنه لم يمثل سوى 39%من الناتج العالمى خلال هذا العام. وأكد أنه يوجد الآن نمط جديد للعولمة مدفوع بالانتقال السريع لكميات ضخمة من البيانات، فأصبحت مناطق العالم أكثر اتصالاً من ذى قبل، وليس أدل على ذلك من تضاعف حجم البيانات المتدفقة بين منطقة الشرق الأوسط وباقى مناطق العالم 150 مرة منذ 2005 وحتى 2015 وارتفاع حجم البيانات المتدفقة عبر الحدود بأكثر من 150 ضعفاً فى العقد الماضى.

840 مشتركاً جديداً على "السوشيال" و3 ملايين "بوست" على "فيس بوك" و4 ملايين "سيرش" على "جوجل" و15 مليون رسالة نصية و1.4 مليون فيديو كل دقيقة

وأضاف أنه بعد أن كانت الشركات متعددة الجنسيات فى شكلها التقليدى عنوان الموجة الأولى من العولمة، أصبحت محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعى هى عنوان العولمة فى ثوبها الجديد، فكل دقيقة على الإنترنت تعنى 840 مشتركاً جديداً على مواقع التواصل الاجتماعى، ونحو 3 ملايين بوست على «فيس بوك»، و4 ملايين عملية بحث على «جوجل»، وأكثر من 15 مليون رسالة نصية، ونحو 1.4 مليون فيديو يتم مشاهدتها على «يوتيوب».

ونوه إلى أن قدرة هذه الشركات على خدمة عملائها عن بُعد تمثل التحدى الرئيسى للأنظمة الضريبية فى جميع دول العالم، فالقواعد الضريبية التقليدية لا تسمح للدولة بفرض الضريبة على شركة ما إلا إذا وُجدت بشكل فعلى على أرض الدولة، فإذا لم تمارس الشركة نشاطها من خلال مقر ثابت أو منشأة دائمة لا يكون للدولة حق فرض الضريبة عليها، فأصبح بإمكان شركة مثل «فيس بوك»، على سبيل المثال، ممارسة نشاطها فى معظم دول العالم دون أن تخضع للضريبة فى هذه الدول، نظراً لأن المقر الرئيسى الذى تمارس منه الشركة نشاطها يقع فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم لا يجوز لدولة أخرى فرض الضريبة على أرباح الشركة.

وقال «عبدالقادر» إن الأمر لم يقتصر على ظهور محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعى، بل إن كثيراً من الأنشطة التقليدية باتت تُؤدَّى بشكل مختلف وتطورت نماذج الأعمال الخاصة بهذه الأنشطة بشكل كبير، وما زالت السفن تنقل حاويات السلع عبر حدود الدول ومع ذلك تستطيع أن تشترى السلعة من خلال الإنترنت دون أن تذهب بنفسك إلى المتجر.

وكشف عن أن هذا النوع من التجارة الإلكترونية يمثل نحو 2.10%من إجمالى تجارة التجزئة فى العالم، ويكفى هنا الإشارة إلى أن مبيعات شركة أمازون بلغت 178 مليار دولار فى 2017، ويمثل الرقم نحو أربعة أضعاف إيرادات الموازنة المصرية لعام 2017/2018، ومع ذلك لا تستطيع مصر فرض الضريبة على أرباح شركة أمازون المتحققة من مبيعاتها للمصريين، لأن الشركة ليست موجودة بشكل فعلى فى مصر.

وأضاف أن انطلاق موقع يوتيوب فى 2005 أحدث ثورة فى عالم الإذاعة والتليفزيون، فأصبح بإمكان كل شخص أن يمتلك قناته التليفزيونية الخاصة والنفاذ لملايين المشاهدين حول العالم، وبات تقديم المحتوى المرئى من خلال اليوتيوب مصدراً لكسب الرزق، فمجرد أن تحقق قناة اليوتيوب عدداً معيناً من المشاهدات يحصل صاحب القناة على دعم مالى من شركة «جوجل» المالكة لموقع يوتيوب، بالإضافة إلى إمكانية وضع إعلانات على الفيديوهات والحصول على مقابل مادى، هذا الدخل المتحقق لا يخضع للضريبة ولا تعلم السلطات الضريبية عنه شيئاً.

377 مليار دولار حجم سوق الخدمات الصحية الإلكترونية على مستوى العالم بحلول "2025".. ونحتاج لتطوير النظم الضريبية

وتابع «عبدالقادر» أن الطفرة التكنولوجية طالت التعليم والصحة، وأصبح بإمكان أى طالب فى العالم دراسة مواد علمية مجانية أو مدفوعة فى جميع فروع المعرفة، وأوضح أن سوق الخدمات الصحية الإلكترونية على مستوى العالم يقدر بــ126 مليار دولار فى 2016، ومن المتوقع أن يبلغ 377 مليار دولار بحلول 2025. وبناء عليه، أصبح تطوير القواعد والنظم الضريبية لتكون قادرة على استيعاب هذه التطورات أمراً مهماً.

وانتهت الدراسة إلى أنه فى ظل التحول نحو الاقتصاد الرقمى بات فرض الضريبة على هذه الأنشطة إحدى أهم الأولويات فى الوقت الحالى، فإذا لم تواكب القواعد الضريبية التحول الرقمى المتسارع ستتقلص العوائد الضريبية على نحو واضح خلال السنوات القليلة المقبلة.

وطالب «عبدالقادر» الحكومة بتعديل قانون الضرائب المصرى ليأخذ فى اعتباره هذه الجهود الواردة فى الوثيقة متعددة الأطراف إلى جانب تطوير الإدارات الضريبية وإعادة هيكلتها لرفع قدرتها على التحصيل من خلال تزويدها بقواعد بيانات إلكترونية متكاملة من ناحية وتدريب العاملين على استخدامها من ناحية أخرى.

وأضاف أن الضريبة على القيمة المضافة، وهى أحد أنواع الضرائب غير المباشرة، لا تُفرض على الدخل أو الربح بشكل مباشر، وإنما على السلع والخدمات التى يستهلكها الأفراد، فالمستهلك النهائى للسلعة أو الخدمة هو من يتحمل الضريبة.

وأشار إلى أن التوقعات تظهر أن مبيعات الكتب الإلكترونية ستسجل 25% من إجمالى مبيعات الكتب فى العالم بنهاية 2019.


مواضيع متعلقة