قطر.. ودعم الإرهاب
أدرك قطاع كبير من المصريين أن قطر وأذرعها الإعلامية، وعلى رأسها «شبكة الجزيرة»، تسعى بجهود حثيثة وإنفاق لا حدود له إلى إشعال فوضى فى البلاد، وتقويض أركان الدولة، وتحويلها إلى نسخة مماثلة لما جرى فى بلاد أخرى فى المنطقة، مثل العراق، واليمن، وسوريا، وليبيا.
لقد فقدت «الجزيرة» عقلها بعدما فقدت اعتبارها، وعلى عكس ما جرى على مدى نحو 15 عاماً منذ انطلاقها فى منتصف التسعينات الفائتة، فإنها كشفت وجهها الحقيقى، وراحت تتحول باطراد إلى منصة تحريضية للفبركة وبث الأكاذيب، بموازاة اندلاع الانتفاضات العربية فى مطلع العقد الجارى.
مع اندلاع تلك الانتفاضات تحولت «الجزيرة» إلى أداة لدعم الإرهاب بصورة سافرة، وفى محاولاتها الدائبة لتثوير الأوضاع، وزرع الفتن، تناست أى معيار مهنى أو مبدأ أخلاقى، وراحت تلعب أدواراً إجرامية، مثل التحريض على العنف، وإثارة الكراهية، وإشاعة التمييز، وتمجيد الفوضى.
دأبت قطر على نفى كونها دولة داعمة وممولة للإرهاب، بل إنها زادت فى نفيها لتروج لنفسها باعتبارها «دولة تدعم الحريات وحقوق الإنسان»، و«تشارك المجتمع الدولى جهوده الرامية إلى تعزيز السلم والاستقرار».
تدافع قطر عن نفسها أيضاً عندما يتم كشف الحقائق عن علاقاتها بإيران وتركيا، وهما دولتان تلعبان أدواراً مقلقة إزاء الأمن القومى العربى، فضلاً عن دعمها، ضمن شراكة راسخة مع أنقرة، لتنظيم «الإخوان»، الذى تم تصنيفه من جانب دول عدة مؤثرة باعتباره تنظيماً إرهابياً.
ولكى تلعب «الجزيرة» لعبتها، وتنفذ دورها المرسوم ضمن الاستراتيجية القطرية الرامية إلى دعم الإرهاب والترويج له، وزعزعة استقرار دول المنطقة، فإنها تطيح بكافة القواعد الإعلامية التى ادعت كذباً أنها تحترمها وتلتزم بها فى أدائها.
تقوم «الجزيرة» بالتدليس عبر الاختيار المسىء للقصص التى تعرضها على شاشاتها وعبر أذرعها الإلكترونية؛ إذ تسلط الضوء على وقائع تافهة أو محدودة الأهمية الإخبارية لمجرد أنها تحقق أهدافها فى التثوير والتحريض.
تفتح البث المباشر على تظاهرة تضم عشرة أفراد، وتقدمها إلى الجمهور باعتبارها حدثاً كونياً محورياً، يجب أن يستمر بثه على مدار الساعة، وتروج له فى شريط الأخبار، وتدعمه بـ«البروموهات»، وتسنده بالأفلام الوثائقية المحرّفة، وتقيم له ندوات، وتستضيف مصادر مجهولة من عواصم مختلفة، لكى توحى بأن هذه التظاهرة الصغيرة تمثل انقلاباً سيطيح بالأوضاع الراسخة، ويؤسس لأوضاع جديدة.
ورغم أن قطر تورطت بما لا يدع مجالاً للشك فى فضائح رعاية الإرهاب وتمويله، فإنها تنجو غالباً من المحاسبة. قبل شهرين، فجرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فضيحة كبرى، حين كشفت عن أن قطر تقف خلف تفجيرات دامية فى الصومال، من أجل تحقيق مصالح سياسية وتجارية.
قالت الصحيفة إنها تمتلك تسجيلاً صوتياً لمكالمة هاتفية بين السفير القطرى فى الصومال حسن بن حمزة بن هاشم، وبين رجل الأعمال القطرى خليفة كايد المهندى، الذى وصفته بأنه مقرب من الأمير تميم، وأن صوراً عدة جمعت بينهما فى مناسبات مختلفة.
بحسب الصحيفة، فقد أقر رجل الأعمال المقرب من الأمير القطرى أن المتطرفين، الذين اتضح لاحقاً أنهم ينتمون إلى تنظيم «داعش» بعد إعلان ذلك الأخير مسئوليته عن الحادث، «قاموا بتفجير فى مدينة بوصاصو الصومالية لتعزيز مصالح قطر».
وقع تفجير بوصاصو فى 18 مايو 2019، وأدى إلى مقتل أشخاص وإحداث أضرار مادية، ورغم ذلك، فإن السفير القطرى لم يُظهر أى رفض أو استنكار، خلال المكالمة التى لم ينكرها الطرفان.
وأصدرت الخارجية القطرية بياناً، لم تنف فيه المكالمة، ولم تنف هوية المتحدثين فيها، مكتفية بالتذرع بأن «المهندى لا يمثلنا»، لكن هذا الأمر بالطبع لم يقلل من خطورة هذا الاختراق، إذ تم إثبات تمويل قطر للإرهاب ودعمها إياه، دون أن تمتلك أى قدرة على التنصل أو النفى.
ليست تلك هى الواقعة الوحيدة التى تثبت تورط قطر المباشر فى دعم الإرهاب، بل تسبقها وقائع مثبتة أخرى عديدة.
ففى أبريل من العام 2018، تفجرت فضيحة أخرى تثبت دعم قطر للإرهاب، لكن هذه المرة جرى الأمر عبر صحيفة «واشنطن بوست»، التى نشرت تقريراً يفضح إقدام قطر على دفع مبلغ مليار دولار، إضافة إلى نحو 150 مليون دولار فى صورة رشاوى حصل عليها وسطاء، من أجل تحرير رهائن قطريين، من بينهم بعض أفراد الأسرة الحاكمة، بعدما تم خطفهم خلال رحلة صيد فى الأراضى العراقية.
تشير التقارير إلى أن تلك الأموال ذهبت إلى ميليشيات شيعية، من بينها كتائب «حزب الله» العراقية، وجماعات أخرى، ومسئولين فى الحرس الثورى الإيرانى.
للدوحة تاريخ طويل فى دعم الجماعات الإرهابية، وهو تاريخ مثبت وليس هناك أى قدرة على نفيه، ومع ذلك فإن المجتمع الدولى يماطل أو يغض الطرف عن هذه الممارسات لأسباب تتعلق بأدوار معينة تلعبها قطر، وبمدفوعات ضخمة تستطيع أن تكمم بها الأفواه.
تلعب قطر دوراً محورياً فى دعم الجماعات الإرهابية فى سوريا، وتنفق على عدد كبير من التنظيمات المسلحة التى أسهمت فى تعميق جراح هذا البلد وسعت إلى تفتيته واستباحته، وهو الأمر ذاته الذى تفعله فى العراق وشمال سيناء ومناطق أخرى.
وإضافة إلى تبنيها الكامل لتنظيم «الإخوان»، فإن قطر رعت المد الإرهابى فى ليبيا منذ العام 2011، وهو الأمر الذى عبر عنه العقيد الراحل القذافى فى فيديو شهير ما زال نشطاء «يوتيوب» حريصين على تداوله، خصوصاً أنه يلخص فيه موقفه من مسئولية قطر عما جرى ببلاده، حيث قال: «بارك الله فيكم يا إخوتنا فى قطر.. بدلاً من أن تكونوا معنا تكونون ضدنا.. قد تندمون يوم لا ينفع الندم».
قال «القذافى» ذلك، بينما كان الأمير السابق خليفة بن حمد يبذل جهوداً مضنية من أجل أن تسقط الدولة الليبية، وأن يتولى الحكم عبدالحكيم بلحاج، زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة، بعد معارضة قطر جمع السلاح من الليبيين، كما أفاد مسئولون ليبيون لاحقاً.
قطر تدعم الإرهاب، وتبذل جهوداً مضنية من أجل تقويض الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، والأدلة على جرائمها حاضرة وثابتة، لكن البعض يدعمها لتنجو من المحاسبة.