التكنولوجيا تهزم مكتبات المدارس

كتب: سحر عزازى

التكنولوجيا تهزم مكتبات المدارس

التكنولوجيا تهزم مكتبات المدارس

مكان ملىء بالمعرفة يحمل بين أرففه كُتباً متنوعة تناسب جميع الأذواق والمراحل التعليمية المختلفة، كان له زهوة فى وقت ما، يتهافت عليه الصغار والكبار لتصفُّح كتاب وقراءة قصة وتأليف أخرى، إنها المكتبة المدرسية تلك المساحة الآمنة التى كانت تحتضن جميع الأطفال بداخلها تثقفهم وتمنحهم ما يحتاجونه من معلومات بعيدة عن الكتاب المدرسى، لكن مع مرور الوقت تراجع دورها بفعل التطور التكنولوجى والاعتماد على «السوشيال ميديا» التى خطفت أنظار الأجيال الحالية، وغيرت أذواق الأولاد الذين لم يعد يستهويهم الكتاب. تحول هذا الركن الاستثنائى الذى يقدم خدمة ثقافية وتعليمية لكل الطلاب، إلى مكان قلَّ فيه الإقبال وتراجع زواره ومن ثم قلَّت خدماته وأنشطته، التى أصبحت فى منافسة مع أنشطة أخرى مثل المجال الصناعى والزراعى، ولم تعد حصة المكتبة إجبارية كما كانت. تفتح «الوطن» ملف الحديث عن المكتبات المدرسية ودورها فى الوقت الحالى، والتحديات التى تواجهها فى ظل ظهور «الآيباد» و«التابلت»، والألعاب الإلكترونية التى يفضلها الأطفال، إضافة إلى الجهات المتعاونة مع وزارة التربية والتعليم، وخطط تطويرها وزيادة وسائل الجذب لها، إضافة إلى أسباب تراجع دورها.

الأمناء: جيل الإنترنت والآيباد والتابلت والموبايل"ما بيحبش القراية"

على مدار 30 عاماً، تعمل جيهان محيى الدين، إخصائية مكتبة، فى مدرسة ابتدائية بالدقى، مر عليها العديد من الأجيال مختلفون فى أفكارهم وأعمارهم، تجلس على مقعدها تنتظر جرس حصتها يدق، تجهز العناوين للصغار، تحكى لهم القصص المُسلية وتحثهم على حُب القراءة وأهميتها، تخرج لهم من بين السطور الحكم والمواعظ التى يحتاجونها فى حياتهم المستقبلية، تظل على مدار حصتين متتاليتين توجه وتنصح وتشجع.

تحكى أن الأجيال الحالية متُعبة، القليل منها يحب الكتاب والأكثرية انجرفت وراء «السوشيال ميديا» والأجهزة الحديثة مثل «الآيباد والتابلت»، غاب حماس الأجيال السابقة التى كانت تشارك فى مسرحة المناهج والإقبال على تلخيص القصص والتأليف وإطلاق العنان لأفكارهم وإبداعاتهم المغلفة بحصيلة قراءات من كنوز المكتبة، ضاع الشغف وقل الاهتمام بعد أن انصرف الأطفال عنها ولجأوا إلى بدائل مغرية سهلة الاستخدام والتصفح: «الولاد دلوقتى معندهمش أى استعداد للقراءة».

أصبحت حصة المكتبة اختيارية مع وجود أنشطة أخرى مثل النشاط الزراعى والصناعى، ما جعل الصغار ينصرفون عنها بمحض إرادتهم، ولكن عدداً قليلاً لا يزال لديه فضول للتعرف على نهاية قصة ترويها المُعلمة، التى أكدت أنها تبذل قصارى جهدها لاستعادة الأولاد مرة أخرى: «بقرأ لهم القصة وبناقشهم فيها وبطلب منهم يكتبوا رأيهم»، تنظم المسابقات لتحفيزهم وتشارك فى أخرى على مستوى الإدارة والجمهورية، مؤكدة أنها سبق وحصلت على مراكز متقدمة: «لسه فيه أمل».

"جيهان": ليس لدينا ميزانية لشراء الكتب.. والطلاب منشغلون بمواقع التواصل الاجتماعي

لا يذهب للمكتبة الأطفال من الصف الأول وحتى الثالث الابتدائى، تفتح أبوابها فقط أمام المرحلة الرابعة وحتى السادسة، لافتة إلى أن هناك أطفالاً فى الصف السادس الابتدائى لا يجيدون القراءة وتضطر لقراءة القصص لهم، تحكى أن المكتبة لم تتغذ بعناوين جديدة منذ عامين، نتيجة ضعف الميزانية التى كان يخصص نصفها لشراء الكتب و25% للأدوات والخامات وجوائز لتحفيز التلاميذ: «الولاد مبقوش بيدفعوا المصاريف فى المدرسة والدفع عن طريق البريد».

تضم المكتبة أكثر من 11 ألف كتاب تتنوع ما بين قصص خيالية وأساطير وكتب علمية وجغرافيا وتاريخ وغيرها حسب المُعلمة، مؤكدة أنه يوجد من كل عنوان 5 نسخ، إضافة إلى فتح باب الاستعارة للأطفال عن طريق عمل بطاقة اشتراك. فى مدرسة إعدادية بنين أخرى تعمل سارة بدر، خريجة آداب مكتبات جامعة القاهرة عام 2009، تم تعيينها فى عام 2001، مؤكدة أن البداية كانت فى مدرسة ثانوى عسكرى، تحفظ كل أرفف المكتبة تعرف مكان كل عنوان، تجيد التعامل مع الكبار والصغار، تحفظ أرقام ترتيبها من الصفر وحتى الـ999: «على سبيل المثال رقم 100 كتب الفلسفة».

تحكى أن كل فصل يدخل مرة فى الأسبوع، الصف الأول والثانى الإعدادى هم فقط الملتزمون بالحضور، تحاول التقرب منهم ومصاحبتهم لحب القراءة، مؤكدة أن الأغلبية معتمدة على الاستعارة الخارجية أقصى مدة أسبوع: «أهم حاجة يسيب صورته وعنوانه ورقم تليفونه»،

تختار العناوين الجديدة بنفسها كل عام من كتب تاريخ إلى دين ورياضة والمجموعة الخضراء التى تتحدث عن الفواكه والخضراوات وكتب الفنون وغيرها، تشترى الكتب من منتدى المكتبات، تضع المُعلمة قواعد لدخول المكتبة لا تتراجع عنها مهما كان، أولها الزى المدرسى وقص الشعر والعناية بالنظافة الشخصية: «اللى مش حالق شعره مابدخلوش».

تلتزم بمنهج تطبقه طوال العام الدراسى، تشرح لهم كتاباً وتعطى عليه تقييماً، تحكى أن المنهج يتضمن التعريف بآداب المكتبة وبالالتزام بالهدوء والإنصات والمحافظة على المكان وخفض الصوت وعدم إتلاف الكتب حتى تعيش فترة أطول، إضافة إلى شرح تصنيف الكتب والفهرس ودور المكتبة وشرح الاستعارة: «وإزاى تعمل كارنيه والقواعد والالتزام بيه»، تشتكى من صعوبة التعامل مع الجيل الحالى.

"عبدالناصر": الإقبال لا يزيد على 40% وميزانيتنا 420 جنيهاً في السنة

عبدالناصر محمد، مدرس لغة عربية، فى مدرسة حكومية فى مدينة نصر، أكد أن الإقبال على المكتبة 40%، فى ظل عدم وجود إخصائى مكتبات: «عندنا عجز وبنعانى»، يقوم بتلك المهمة منذ 5 سنوات لحين تعيين متخصص، يحكى أن قلة وجود مشرف أثر على الإقبال، إضافة إلى أن ميزانية المكتبة ضعيفة جداً تصل إلى 420 جنيهاً: «بنجيب بيهم 15 كتاب كل سنة».

تحوى المكتبة العديد من العناوين، منها عالم البحار وكتب رحلات ابن بطوطة والحرب العالمية الأولى والثانية وكتب عن الغلاف الجوى والكيمياء ونظريات المنهج الدراسى وقراءات فى الأدب وكيف تتخلص من الخوف وكتب عن برامج الإذاعة وميادين عالم الفيزياء: «بس محدش بقى بيقرا».

 

 


مواضيع متعلقة