أثريون عن المساجد التاريخية: كنوز بين الإهمال والسرقة.. وحمايتها مسئولية الوزارة والمواطنين

كتب: كريم رومانى

أثريون عن المساجد التاريخية: كنوز بين الإهمال والسرقة.. وحمايتها مسئولية الوزارة والمواطنين

أثريون عن المساجد التاريخية: كنوز بين الإهمال والسرقة.. وحمايتها مسئولية الوزارة والمواطنين

أكد أساتذة الآثار الإسلامية أن مهمة الحفاظ على المساجد الأثرية تقع على عاتق المواطنين، ووزارة الآثار، لافتين إلى وجود خطوات ملحوظة فى عمليات تسجيل مقتنيات المساجد، وتوثيقها، لحمايتها من السرقة والنهب.

من جانبه، يقدم الدكتور جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، شرحاً مبسطاً للمكانة التاريخية للمساجد الإسلامية، قائلاً: «المساجد التاريخية تشمل مسجد عمرو بن العاص ومسجد العسكر ومسجد أحمد بن طولون، والأزهر، حيث تم إنشاؤها على نسق مسجد الرسول فى المدينة المنورة، وهى عبارة عن صحن أوسط مكشوف، تحيطه 4 أروقة بها الأعمدة والعقود، وتطورت المساجد فظهرت بها إضافات معمارية جديدة، خاصة فى العصرين الأيوبى والمملوكى، أبرزها المدارس والخنقاوات لمكافحة الصليبيين بتدريس المذاهب الصوفية فى تلك المدارس، ومحاربة المذهب الشيعى بتعليم الأطفال العلوم السنية، كمذاهب الشافعى والحنفى والمالكى والحنبلى».

"عبدالرحيم": لولا عباس حلمى الثانى ما تبقى أثر إسلامى حتى الآن

يضيف: «لم يبق الوضع قائماً كما هو عليه، فتغيرت ملامح وطرق التدريس بالمدارس، وأصبحت تتكون من 4 إيوانات أو أقل لتدريس مذهب واحد من المذاهب، بعكس ما كانت عليه فى السابق، أى بتدريس المذاهب الأربعة، مثل مسجد السلطان حسن وهو مدرسة وليس مسجداً، ويختلف عن مسجد الأزهر ومسجد أحمد بن طولون»، موضحاً أن المدرسة كانت تعادل الجامعة فى الوقت الحالى لكونها متخصصة بمختلف العلوم الدينية والدنيوية كالكيمياء والأحياء، بجانب إنشاء مستشفى للطلاب، و«خلاوى» لتسكينهم، ومطاعم، والمدارس فى العصور الإسلامية القديمة كانت تُعد وحدة تعليمية متكاملة.

ويؤكد «عبدالرحيم» وجود التباس فى بعض المعلومات التاريخية، فهناك فارق كبير بين المساجد التاريخية والأثرية، منتقداً تعميم لفظ «المساجد التاريخية» على كافة المساجد، موضحاً أن المساجد التاريخية هى التى لم يمر على عمرها وقت طويل، أى تم إنشاؤها منذ 50 أو 60 عاماً، مثل مسجد عمر مكرم، أما مساجد عمرو بن العاص والسلطان حسن والأزهر فيطلق عليها المساجد الأثرية لمرور وقت طويل على تأسيسها يصل لأكثر من 1000 عام.

ويتابع: «شهدت المساجد الأثرية تدهوراً بشرياً وطبيعياً، فالتدهور البشرى جاء جراء الاحتلال الفرنسى والإنجليزى لمصر، وصاحبه عدم إدراك القيمة الأثرية لتلك المساجد، فجنود فرنسا وإنجلترا كانوا يستخدمون المدارس والمساجد لتربية الخنازير والخيول»، فيما تمثل التدهور الطبيعى فى الهزات الأرضية والزلازل، مثل زلزال 1302 فى عصر المماليك، وزلزال 1992 فى العصر الحديث.

عمليات الترميم بدأها السلطان الملك الناصر محمد، وبعد زلزال 1992 ظهرت منظومة «القاهرة التاريخية» لترميم الآثار التى تأثرت بالزلازل، وفى مطلع القرن العشرين، أطلق الخديو عباس حلمى الثانى ثورة ترميم الكنائس والمساجد التى تدهورت نتيجة الاحتلال الفرنسى والإنجليزى، بحسب الدكتور جمال عبدالرحيم، مضيفاً: «لولا الخديو عباس حلمى الثانى ما تبقى أثر إسلامى حتى الآن»، مشيراً إلى أن وزارة الآثار رغم ظروفها المادية، تهتم بتطوير وترميم المساجد استكمالاً لمنظومة القاهرة التاريخية.

وأردف: «المرحلة الابتدائية فى التعليم القديم كانت تسمى السبيل أو الكتّاب مثل سبيل أم عباس، بعدها يلتحق الطالب بالمدرسة، وما يتم تدريسه فى الوقت الحالى من مناهج حول المساجد الأثرية لا يتضمن على أى معلومات معقدة، والسياحة الدينية انتعشت فى الوقت الحالى لزيادة وعى العالم بالقيمة التاريخية والدينية للمساجد، وتضم القاهرة أكثر من 600 مسجد أثرى».

"عبدالدايم": كان لها دور مجتمعى بخلاف الصلاة.. ودائماً كانت تجاورها الأسواق

من جهته، يقول الدكتور نادر عبدالدايم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس، إنه لم يكن هناك مسجد أو منشأة دينية كمدرسة لتعليم المذاهب، إلا وصاحبها دور مجتمعى خدمى، موضحاً أن إنشاء المسجد هو أول ما يتم التفكير فيه فى «العاصمة»، كالفسطاط، والقطائع، مضيفاً: «المكانة التاريخية للمساجد ترتبط بدورها الاجتماعى، فلم يكن المسجد للصلاة فقط بل دار للمناسبات والاحتفالات الكبرى كمسجد عمرو بن العاص، لكون الإمام هو الحاكم، فدائماً ما يجتمع بالشعب، ودائماً ما كان يجاوره السوق».

وأكد أستاذ الآثار الإسلامية أن الدور المجتمعى للمساجد اختلف فى طريقته فى العصور القديمة مقارنة بالعصور الحالية، والتى أصبح دور المسجد المجتمعى يتمثل فى إنشاء جمعية خيرية أو تنظيم أنشطة طبية أو مركز خدمى، بجانب بعض المجمعات كملحق مدارس، مثل مجمع الإيمان فى محافظة المنصورة، إضافة للدور التوعوى للمسجد فى الدروس الدينية.

وعن مراحل إنشاء المساجد التاريخية، يقول الدكتور محمد إبراهيم، مدرس الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة عين شمس، إن فكرة إنشاء المساجد فى مصر بدأت مع الفتح العربى لمصر عام 21 هـجرياً 641 ميلادية، أى مع دخول الإسلام لمصر، وتم إنشاء المساجد على نمط مسجد الرسول، لأن الرسول وضع منهجاً جديداً بعد الهجرة من مكة للمدينة، وهو ضرورة بناء مسجد فى أى مدينة إسلامية باعتباره يمثل الأساس فى الإسلام، ومكان تجمع الناس للصلاة، ومناقشة القضايا المختلفة السياسية والاجتماعية.

"إبراهيم": الوحدة الوطنية تجلّت فى مسجد "ابن طولون".. و"عمرو بن العاص" لم يتبق منه سوى المكان

وأضاف «إبراهيم»: «مسجد عمرو بن العاص هو أول مسجد تم تشييده فى مصر بمدينة الفسطاط عام 21 هجرية، على نسق مسجد الرسول، أى عبارة عن مكان مستطيل له 4 جدران و6 أبواب، ومحراب صغير لتحديد اتجاه القبلة، وأسقفه من جريد النخل، وحول المسجد تم إنشاء منازل، وكانت أول عاصمة إسلامية فى مصر هى (الفسطاط)، ومر المسجد بمجموعة من التطورات، أشهرها ما حدث للمسجد فى العصر الأموى على يد مسلمة بن مخلد الأنصارى وقرة بن شريك، وفى العصر العباسى تطور المسجد على يد عبدالله بن طاهر عام 212هـ، وتم تجديده كذلك فى العصرين الفاطمى والأيوبى، وكانت أهم التجديدات فى العصر المملوكى، إلا أن المسجد فقد أجزاءه الأثرية الأصلية ولم يتبق منه من عصر الإنشاء إلا المكان فقط».

وأوضح أن مسجد عمرو بن العاص يُعد الآن من أكبر المساجد، وكذلك مسجد أحمد بن طولون الكائن بجوار مسجد السيدة زينب، أعلى جبل يشكر، الذى يقال إن موسى النبى كلم الله من أعلاه، وبناه أحمد بن طولون عام 263هـ، وظهرت فيه الأنماط والأشكال الفنية والمعمارية العراقية وتحديداً من مدينة سامراء، وبلغت مساحته حوالى 6 أفدنة بما يحيط به من زيادات، مشيراً إلى أن المسجد عبارة عن صحن أوسط مكشوف تحيط به 4 أروقة أكبرها رواق القبلة، له مئذنة من أندر المآذن فى مصر وهى مئذنة «الملوية» الخاصة بأحمد بن طولون، مضيفاً: «يقال إن أحمد بن طولون أنفق على بناء هذا المسجد بعد أن عثر على كنز فى الجبل».

«ظهرت الوحدة الوطنية جلياً فى مسجد أحمد بن طولون، خاصة بعد أن خضعت عملية إنشائه لإشراف «مهندس قبطى»، لأن ابن طولون رغب فى بناء المسجد بلا أعمدة، لأن الأعمدة كانت تجلب من المعابد المصرية القديمة أو الكنائس، بينما رفض استخدامها فى مسجده»، بحسب الدكتور محمد إبراهيم.

وأوضح أن ثالث وأهم مسجد فى مصر هو الجامع الأزهر، والذى تم إنشاؤه بعد دخول الفاطميين مصر، تحديداً سنة 359 هجرية، على نفس نمط مسجد الرسول، ومر بتطورات وإضافات فى العصر الفاطمى والأيوبى، وعصر المماليك الذين أضافوا إليه مئذنة السلطان قايتباى والغورى، ومدارس متعددة لتدريس المذاهب الفقهية الأربع الكامدرسة الأقبغاوية والطيبرسية والجوهرية، وفى العصر العثمانى أضاف «عبدالرحمن كتخدا» للمسجد، مساحة كبيرة من ناحية القبلة، فضلاً عن بناء مدفن، وتوالت الاهتمامات بالجامع الأزهر حتى أصبح من أكبر المؤسسات العلمية الدينية فى العالم.

ويعُد العصر المملوكى، أكثر العصور التى شهدت إنشاء مساجد بمصر، حيث شهدت ما يفوق 100 مسجد ومدرسة، أشهرها مسجد السلطان الظاهر بيبرس الواقع بميدان الجيش، وكذلك مسجد السلطان الناصر محمد بن قلاوون فى القلعة الذى بنى عام 735هـ، وأخيراً مسجد ومدرسة السلطان الناصر حسن الذى يقال عنه «إذا كان للآثار المصرية أن تفخر بأن الأهرامات من عجائب الدنيا السبع، فإن للآثار الإسلامية أن تفخر بجامع السلطان حسن كإحدى عجائب الآثار الإسلامية فى مصر»، حيث ينفرد بعناصر معمارية مختلفة ومميزة، وإيوان القبلة بالمسجد أكبر إيوان قبلة فى مصر، ولا أحد يزور مسجد السلطان حسن إلا واكتشف فى كل مرة شيئاً جديداً سواء فى العناصر المعمارية، أو الزخارف والكتابات.

وتابع «إبراهيم»: «فى العصر العثمانى تم إنشاء مساجد عديدة منها مسجد سليمان أغا السلحدار بشارع المعز، واختلف شكل المسجد العثمانى عن شكل مسجد الرسول، حيث اتخذ النمط التركى، وهو عبارة عن جزأين، (مصلى وحرم)، وكذلك المئذنة التى أصبحت مدببة الشكل على هيئة القلم الرصاص».


مواضيع متعلقة