شهادات الميلاد المؤقتة حياة جديدة لـ"مجهولي النسب"

كتب: منة عبده

شهادات الميلاد المؤقتة حياة جديدة لـ"مجهولي النسب"

شهادات الميلاد المؤقتة حياة جديدة لـ"مجهولي النسب"

جاءوا إلى الدنيا غير مُدركين المعاناة التى فى انتظارهم، فقد أنكرهم الأب، وتخلت عنهم الأم فى لحظات استثنائية، وكأن الحياة أغلقت أبوابها قبل أن يخطوا فيها خطواتهم الأولى.

لا يجد الأطفال مجهولو النسب سنداً يتكئون عليه منذ ميلادهم، فلا أب وأم حقيقيين، أو أوراق ثبوتية، أو نظرة إنسانية من المجتمع، وتلك هى المشكلة الأخطر.

مؤخراً، أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكماً يقضى بأحقية هؤلاء الأطفال فى شهادة ميلاد مؤقتة، بأسماء وهمية للأم والأب، وإلزام السجل المدنى بإثبات ذلك فى سجلاته، ما يمنحهم حق التأمين الصحى والدراسة على غرار الأطفال الشرعيين، دون كتابة ما يشير إلى كونهم لُقطاء، منعاً للتمييز ضدهم، أو وصمهم فى المجتمع، ومطاردتهم بنظرات دونية.

بحسب التقديرات، فإن قرابة 82% من أطفال دور الأيتام فى مصر مجهولى النسب، ويحصلون على حقوقهم كاملة، مثل الإقامة فى المؤسسات الرعوية، وتحرير شهادات ميلاد بأسماء وهمية، وتقديم أوراقهم للمدارس بشكل طبيعى، وعدم حرمانهم من كافة امتيازات الأطفال الشرعيين. «الوطن» تفتح الملف من كافة أبعاده، الرسمية والحقوقية والاجتماعية.

حقوقيون: الحُكم القضائى يضمن معيشة كريمة للأطفال دون وصمة أو تمييز

أكد عدد من الحقوقيين المهتمين بحقوق الطفل والمرأة أن حكم القضاء الإدارى الصادر قبل أيام قليلة حول إلزام الأحوال المدنية باستخراج «شهادة ميلاد» للأطفال، رغم عدم وجود وثيقة رسمية للزواج أو إثبات للنسب، وتسجيل المولود بأسماء وهمية للأم والأب لحين إثبات نسبه، موجود بالفعل فى المادة 12 للقانون المصرى للطفل الصادر فى 1996، حيث أقر بأحقية استخراج وثيقة رسمية للطفل تُثبت وجوده، مشيرين إلى أن الأحوال المدنية كانت تشترط وجود وثيقة تثبت نسب الطفل قبل الاستخراج، ما يعيق تنفيذ الحكم على أرض الواقع، ويضاعف من ظاهرة أطفال الشوارع.

من جانبه، يقول المحامى أحمد مصيلحى، رئيس شبكة الدفاع عن حقوق الطفل، إن حكم القضاء الإدارى حول إلزام الأحوال المدنية بضرورة استخراج شهادة ميلاد للطفل حال عدم وجود عقد زواج موثق يثبت نسبه، هو «حكم كاشف لحق وليس مُنشئاً لحق»، مضيفاً: «هناك فرق بين الحُكمين، فالأول يصدر تنفيذاً لقانون صادر بالفعل، أما الثانى فيصدر للمرة الأولى، إذ نص القانون المصرى للطفل فى المادة 12 عام 1996، على أحقية كل طفل فى استخراج وثيقة رسمية تثبت وجوده (شهادة ميلاد) أياً كانت ظروف ولادته، فيما نصت اللائحة التنفيذية التى صدرت عام 2010، على أنه فى حالة وجود أم لديها طفل بلا أب شرعى، يُكتب الطفل باسم والدته، ويسجل باسم أب افتراضى لحين إثبات نسبه». وأشار إلى إلغاء القانون المصرى للطفل فى عام 2016، لمصطلحَى «طفل سفاح» و«طفل شوارع»، وبالتالى كل طفل ليس لديه أب أو لم يثبت نسبه أو جاء نتيجة علاقة غير شرعية يُسمى «طفل يتيم»، وتابع: «سفاح ده وصم للطفل، وماينفعش نوصف بيه الأطفال، لأنهم ما اختاروش أبوهم وأمهم».

"مصيلحى": القانون ألغى مصطلحى "طفل سفاح" و"طفل شوارع".. وتسجيله باسم أب وأم وهميين حال تعدى الأب على ابنته وإنجابه منها

وأوضح «مصيلحى» أن أسوأ الحالات التى تُمنع فيها الأم من كتابة اسمها فى شهادة ميلاد الطفل، هى حالة تعدى الأب على ابنته وإنجابه منها، وبالتالى يُسجل الطفل باسم أب وأم وهميين، وتتلخص الإجراءات فى تسجيل الأحوال المدنية للطفل بأسماء والدين وهميين لإثبات وجوده، وأردف: «دى من أسوأ الحالات اللى بنقابلها، وهى أكتر حالة بتثبت إن لكل طفل الحق فى وجود أوراق رسمية». وأنهى حديثه، قائلاً: «المشكلة إن الأحكام لا تُطبق، والأحوال المدنية ترفض تسجيل الأطفال دون عقد زواج يثبت نسبهم، ما يزيد من معدل وجود أطفال بلا نسب».

"هلال": أكثر من 21 ألف قضية إثبات نسب متداولة فى المحاكم.. وتحليل "DNA" هو الحل الوحيد

من جهته، يقول هانى هلال، رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، إن قرار استخراج شهادة ميلاد للأطفال غير الشرعيين، صدر فى الفترة الحالية لزيادة أعداد قضايا إثبات النسب بالمحاكم، ووصلت لـ21 ألف قضية، مضيفاً: «قضايا إثبات النسب بتزيد يوم عن يوم، والحكم الأخير لو اتنفذ هيقلل منها»، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لإثبات النسب يكمن فى تحليل الـDNA، ولكن ارتفاع تكلفته تقف عقبة أمام الكثيرين، وتابع: «مش كل الناس تقدر تعمل التحليل عشان تثبت نسب أولادهم، وده السبب فى عدم وجود حلول لقضايا النسب داخل المحاكم»، لافتاً إلى أنه كان من المفترض عند تعديل قانون الطفل عام 2008، تعديل المادة الخاصة بشأن تحليل الـDNA، وجعلها على نفقة الدولة لغير القادرين.

وأضاف «هلال»: «يجب تخصيص مكاتب صحة داخل كل منطقة تتكفل باستخراج شهادات الميلاد، ويُكتب فى خانة الأب اسم عشوائى كغيره من الأطفال مجهولى النسب، وفى مصر عدد كبير من الأطفال بيكونوا مجهولى الأب والأم، ويتم تسجيلهم ببيانات وهمية».

وعن «شهادات الميلاد المؤقتة»، أوضح «هلال» أنها تُعطى للطفل حق إثبات الميلاد فقط، أى أنه فى حالة وجود تشابه بين اسم الأب الوهمى ورجل آخر، فليس للطفل الحق فى ميراث هذا الرجل أو إثبات نسبه به، وأردف: «السجل المدنى هو اللى بيختار الاسم الوهمى، وبيكونوا حريصين على اختيار اسم مختلف، ومش متعارف عليه بين الأسماء لمنع الاختلاط أو التشابه».

من جانبها، وصفت ميرفت أبوتيج، رئيس جمعية أمى للحقوق والتنمية، حكم القضاء الإدارى الذى صدر مؤخراً، بأنه يقف فى صف الطفل ووالدته، إذ منحه الحق فى العيش حياة كريمة على غرار بقية الأطفال، دون وصمة أو تمييز ضده، مضيفة: «الحكم منع أى تمييز بين الأطفال التى جاءت بطريقة شرعية أو غير شرعية». وأشارت المحامية بالنقض إلى أن شهادة الميلاد التى تُستخرج بدون اسم حقيقى للأب، تتضمن بداخلها «كوداً» خاصاً بحيث لا يمكن لأحد التفريق بينها وبين شهادة الطفل الطبيعى، سوى الجهات الرسمية فقط، بجانب شمولها لجميع الصلاحيات التى يتمتع بها الطفل الشرعى، تتابع: «شهادة الميلاد بتساعد الطفل غير الشرعى إنه يدخل مدرسة ويتعلم زيه زى أى طفل غيره».

"ميرفت": لا يمكن التفريق بين شهادة الميلاد التى تُستخرج باسم وهمى للأب والشهادة العادية

وأضافت: «حال تسجيل الطفل باسم أب وهمى، تكتب الأحوال المدنية اسماً غير موجود بالفعل على أرض الواقع، لمنع وجود تشابه بالأسماء أو اختلاط بالأسماء، والأحوال المدنية حريصة فى اختيار اسم للأب مش موجود، وتكتبه بطريقة تدل على أنه اسم وهمى، والأحكام دى موجودة فى قانون الطفل المصرى من سنين، لكن غير مفعّلة على أرض الواقع».

 

أقرا إيضا

مراحل الانتقال القانوني.. من خانة "البدون" إلى "الطفل الطبيعي"

"التضامن": 82% من نزلاء دور الأيتام "بلا آباء".. والوزارة مسئولة عن رعايتهم

 


مواضيع متعلقة