كيف أصّل فرج فودة لدور الشائعات في خدمة الإرهاب قبل 27 عاما؟

كتب: نهال سليمان

كيف أصّل فرج فودة لدور الشائعات في خدمة الإرهاب قبل 27 عاما؟

كيف أصّل فرج فودة لدور الشائعات في خدمة الإرهاب قبل 27 عاما؟

"مكافحة الإرهاب" و"نشر الأكاذيب".. موضوعان مترابطان، وجاءا ضمن جلستين بالمؤتمر الوطني الثامن للشباب، الذي انطلق صباح اليوم من مركز المنارة بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعلى الرغم من أن الجلستين منفصلتان، إلا أن الارتباط بين الأكاذيب ونشر الشائعات وبين الأحداث الإرهابية، متأصلا، تناوله الكاتب والمفكر المصري الراحل فرج فودة في كتابه "الإرهاب" المنشور في عام 1992 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

شائعات مدروسة تستهدف نتائج محددة، وتستند إلى دراسة نفسية لاتجاهات الرأي العام، وما يمكن أن يؤثر فيه، وتؤسس الإطار النفسي الملائم لقبول عمليات إرهابية في مرحلة لاحقة، وهذه الشائعات التي تستند إلى خطوات معقدة، هي من صنع أجهزة متمرسة في العمل الإرهابي، تضع الشائعة المركبة في عدد محدود من السطور، وتتركها تختمر بعد شهور، ثم يأتي الحادث وقد مهد له الطريق، والذي يمكن أن يصل إلى حد الإضرار بالأمن القومي المصري، وذلك وفق حديث "فودة".

 

لم يعد حمل السلاح وتصويب الطلقات هي عناصر جهاز الإرهاب فقط، لكن يشمل بعض الخبراء في إعداد الشائعات وبعض القادرين على تمريرها، فالشائعات شأنها شأن كثير من السلع الاستهلاكية، بعضها صناعة محلية، حين يتعلق الأمر بتصفية حسابات فردية، وبعضها مستورد، تصنعه أجهزة متخصصة، حين يعلق الأمر بتهديد الأمن الداخلي والخارجي لمصر.

الشائعات عنصر أساسي في الإرهاب مثلها مثل حمل السلاح

شائعة بيان البابا شنودة قبل حوادث الخانكة، وشائعة الدعوة لإنشاء دولة قبطية وقيام الأطباء الأقباط بتعقيم النساء المسلمات قبل حوادث الزاوية الحمراء، هي أمثلة لشائعات سردها، الكاتب والمفكر المصري الراحل فرج فودة في كتابه "الإرهاب"، ليؤصل بذلك لدور نشر الشائعات والأكاذيب في العمليات الإرهابية والتي تعد محركا أصيلا لها ومسببا في تطرف البعض.

"حادث موظفي السفارة الأمريكية" أو ما يطلق عليه "حادث سيارة المعادي" هو أحد الحوادث الإرهابية التي ضرب بها فودة المثل، والتي جرى التمهيد لها بنشر شائعة في جريدة معارضة، تحت باب أخبار ممنوعة بتاريخ 10 مارس 1987، تحت عنوان "وفراخ سامة؟"، ويتلخص المقال الذي استشهد به فودة في نشر شائعة مفادها بأن "مصر تأكل فراخ مستوردة من أمريكا بها مادة سامة تعرف باسم بي سي بي والتي لا يظهر تأثيرها إلا بعد 10 سنوات، وبعد تواصل مع الخبراء تبين أن الأمر ليس له أساس من الصحة".

فودة يتناول تفنيد شائعة أودت بحادث إطلاق الرصاص على موظفي السفارة الأمريكية 

حروف مختصرة أطلقها كاتب الشائعة على اسم المادة العلمية، ولم يكتبها باللغة الإنجليزية، ما يجعل التأكد منها صعبا، كما لم يحمل الخبر مصدرا توثيقيا للمعلومة، بالإضافة إلى قصده أن يختار فترة زمنية يصعب على القارئ تبينها، فلن يتسطيع أحد أن يتذكر ما أكله الشهر الماضي على أقصى تقدير، ما يجعل القارئ متأكدا من تناوله طعاما يحتوي على المادة المزعومة، أو يربط بين وفاة أحد أفراد الأسرة خلال العشر سنوات وتناوله للفراخ سامة، ثم اختتم الخبر أن معامل التحليل المصرية لا تستطيع اكتشاف المادة بما لا يعطي فرصة للتأكد، ما يجعل ذلك دعوة مفتوحة للثأر وهو ما حدث بعد الخبر بـ3 شهور من إطلاق النيران على بعض الدبلوماسيين الأمريكان، ليستشعر من قرأوا الخبر الأول ارتياحا وانتقاما بعد سماع خبر الحادث، وذلك بحسب تفنيد وشرح "فودة" للخبر المفبرك الذي تسبب في العملية الإرهابية.

فرج فودة: مروج الشائعة يمهد الطريق لتقبل العمل الإرهابي كانتقام 

"ليس شرطا أن يكون منفذ العملية الإرهابية هو مروج الشائعات"، فمجموعة الشائعات تقوم بتهيئة المناخ وإعداد المسرح وتحفيز من كانت لديهم الرغبة أو توافرت لديهم النوايا، والتمهيد النفسي للإرهاب وتخدير الرأي العام الجماعي حتى لا يستنكر، بل وتطويعه للقبول والتبرير.

"الصلبان على حجاب المسلمين يصنعها الأقباط" شائعة أخرى يرصدها كتاب الإرهاب، حيث ورد في نفس الجريدة خبر أن "الإسبراي" الذي يرشه بعض الأقباط على ملابس الفتيات يترك أثرا لا يظهر إلا بعد الغسيل، مكونا شكلا على هيئة صليب، واختتم الخبر بجملة تضفي مزيدا من الموضوعية كي يصدق القارئ الخبر وهي أن "نطالب بتحرك السلطات المسؤولة للتحقيق"، ليحمل الخبر بين طياته ما يجعل التأكد منه صعبا وهو أن الصليب لا يظهر وقت الرش ولكن بعد غسل الملابس، ليوضح فودة أن الخبر تضمن معلومات غير صحيحة ومستحيل التيقن منها، واستفزازا للمشاعر، ما يؤدي إلى إضرام الضغائن والانتقام، فكانت الحوادث الإرهابية التي جرت بعد 3 شهور في مناطق متعددة.

الشائعات الكاذبة المدروسة هي أحد أنياب ومخالب الإرهاب، والتي تمثل ستار الدخان الذي يحمي الإرهابيين، سواء في إقدامهم على الفعل أو في هروبهم بعده بأقل الخسائر، وبأكبر قدر من تجميد وتحييد الاستنكار الشعبي، حتى أصبحت سمة أساسية للعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، فأصبحت لا تقل خطرا عن البندقية في كل الأحيان.

كما أن الصلة وثيقة بين الإرهاب والشائعات، فالشائعات هي المدخل الآمن لتنفيذ العمليات الإرهابية، ولو استطاعوا إنشاء مدرسة للإرهاب لكان الدرس الأول فيها "لا تتسرع بإطلاق رصاصة، وابدأ أولا بإطلاق شائعة، وتعمد أن تكون فجة ومثيرة، وأسهل الشائعات أن تتهم الضحية بتمزيق المصحف أو بدهسه بالأقدام، أو بشتم سيدنا الحسين، أو بأنه يتباهى بالكفر والإلحاد، أو بأنه شتم الدين الإسلامي، وسوف تنتشر الشائعة كالنار في الهشيم، وبعدها لك أن تقدم آمنا مطمئنا على إطلاق النار، وسوف تجد طريقك ممهدا، وإرهابك مؤيدا، فأنت أمام الرأي العام، مدافع عن الإسلام"، هكذا أوضح الكاتب كيف تتخذ الجماعات الإرهابية من الشائعات حائطا يهيئ الرأي العام لتقبل عنفهم وتطرفهم.


مواضيع متعلقة