ناجون من الموت في "اليوم العالمي لمنع الانتحار": نادمون والحياة حلوة

كتب: إنجي الطوخي

ناجون من الموت في "اليوم العالمي لمنع الانتحار": نادمون والحياة حلوة

ناجون من الموت في "اليوم العالمي لمنع الانتحار": نادمون والحياة حلوة

يبدو أن الحديث عن محاولات الانتحار عند البعض دوما مقرونا بالخجل، واليأس، وأحيانا العار الذي يجعل بعضهم يمتنع عن فتح باب النقاش حوله، ولكن في اليوم العالمي لمنع الانتحار، والذي يوافق 10 سبتمبر من كل عام، كان هناك البعض ممن رأوا ضرورة الحديث عن تجاربهم مع المحاولة الفاشلة، ولكن من منطلق الندم، معتبرين أن الحياة مازال فيها الكثير ليرى ويعاش، كما قال فريد الأطرش "انسوا أوجاعها وليه نضيعها ده الحياة حلوة".

"منى": ندمانة.. وهناك طرق كثيرة لمواجهة المشاكل غير الانتحار

لم تدرك منى أحمد مدى صدق كلمات أغنية "فريد الأطرش" سوى مؤخرا، بينما كانت تجلس مع ابنيتها "جنا وحنين"، حيث أدركت مدى الحب الصا في الذي كان سيفوتها، سواء في نظرات ابنتها الصغرى التي لم تتجاوز عاما ونصف وهي ترضع يوميا، أو في أصوات ابنتها الكبرى التي تخطت الثلاث سنوات وهي تلعب معها حتى لا تبكي.

محاولة الانتحار التي لجأت إليها وهي في الـ23 من عمرها بسبب رغبتها في الزواج من أحد الأشخاص ورفض عائلتها للأمر، تراه الآن أمرا مندفعا يستحق الندم: "بعد تخرجي من كلية الألسن، أحببت شاب لبناني يعيش في مصر، ولكن عائلتي رفضت تماما وخصوصا أمي بسبب اختلاف الجنسية، ورفضها أن ابتعد عنها، وظل الأمر كذلك لشهور طوال، حتى شعرت بالغضب الشديد ثم اليأس من الحياة وقررت الانتحار بقطع شرايين يدى، ولكن استطاع أهلي إنقاذي في آخر لحظة".

تعترف "منى" أنها تتمنى لو يعود الزمن بها، حتى لا تكرر الأمر مرة أخرى، وبل تصف الانتحار بأنه فعل غير شجاع تحمد الله أنه لم ينجح: "يلجأ الشخص للانتحار في لحظات ضعفه، وهناك طرق كثيرة لمواجهة مشكلاتنا غير التخلص من حياتنا، فمع الحديث مع أحد كبار العائلة، بعد محاولة انتحاري قررت أن أبدأ حياتي من جديد، وأن أقاتل من أجل أحلامي، وبالفعل نجحت في الالتحاق بعدة دورات كمضيفة طيران، وتزوجت وحاليا أبحث عن عمل".

بعدما قطعت شرايين يدها ورجلها معا.. "بسمة": الحياة جميلة حتى لو كان فيها بعض الحزن والتعب

أما بسمة عبد الحميد صاحبة الـ 28 عاما، موظفة في أحد الشركات الخاصة، فيبدو الحديث عن محاولة انتحارها بالنسبة لمن يعرفها ضربا من الخيال، فمكتبها المليء بالتحف والألعاب الصغيرة ينبأ عن شخصية منطلقة محبة للحياة، ولكنها سرعان ما تصدم محدثها: "لكنني بالفعل حاولت الانتحار، أشعر بالندم صحيح، ولكنى لا أندم من الاعتراف بذلك على نطاق أصدقائي على الأقل".

رغم جمالها الواضح، والمستوى المعيشي المرتفع الذى تنتمى إليه "بسمة"، بل وحصولها على درجة الماجستير في الإدارة إلا إن ذلك ليس كل شيء في الحياة، فأحيانا تكون سوء معاملة الأهل سببا في التفكير في محاولة الانتحار بقطع شرايين القدم واليد معا، خصوصا إذا كانت بنت وحيدة على شقيقتين: "أبى كان عصبي، وفي فترة من فترات حياته، بينما كنت لا أتجاوز الـ14 عاما، شهد منزلنا أزمة مالية حادة، جعلت أبى في أشد حالته عصبية بل وعنفا، كان يضربني بعنف عندما أخطأ، مثل ضياع مفاتيح البيت، مناقشته في شيء ما، وهكذا، الأمر كان يتصاعد حتى صرت اتحداه بشكل علني، فكان الرد دوما وأبدا هو الضرب حتى بسير الغسالة، حتى دخلت في أحد الأيام الحمام واغلقته على نفسي وبموس حاد حاولت قطع شرايين قدمي ويدي معا".

بعد 14 عاما، تدرك "بسمة" خطورة محاولاتها البائسة في الانتحار، فمشكلة أبيها تم حلها بعد فترة من الوقت، وعاد لطبيعته معه، بل وسعى إلى محاولة التعويض عليها، بعد أن أدرك مدى الضرر النفسي الذي سببه لها: "علاقتي بأبي جيدة جدا، بل الآن هو صديقي الأول في الحياة، بعد أن اعترف لي بأنه أخطأ في الاعتماد على الضرب كوسيلة للتربية، وبل وطلب مسامحتي أنا وأشقائي، واعتقد أن الانتحار شيء قاس جدا لنفعله تجاه أنفسنا، وفقط يجب أن يكون هناك توعية أكثر بأن الحياة فعلا جميلة حتى لو كان فيها بعض الحزن والتعب".

"وفاء": بحكي لبناتي إني انتصرت على الموت

أما "وفاء حسن" 55 عاما، التي تعمل مدرسة، فتشعر أنها انتصرت على الموت، عندما ترى ابنتها الكبرى في كلية "حاسبات ومعلومات" وهى تسير سريعا في الغرفة بدون أي ألم أو تعب، استعدادا للذهاب لمحاضراتها، فمازال جرح الانتحار ماثلا أمام عينها في "العرج" الذى يعترى قدمها اليمنى خلال المشي، بعد أن ألقت بنفسها من الدور الرابع في محاولة للتخلص من حياتها بسبب ضغوط الحياة: "كانت حالتنا المادية صعبة جدا بعد وفاة أبى، وكانت أمي بالكاد توفر احتياجاتنا أنا وأشقائي الثلاث، كانت مساعدتها أمرا واجبا، لكني لم أعرف كيف أفعل ذلك، أمام ضغوط الدراسة في كلية آثار التي تطلب سفرا يوميا من بنها إلى القاهرة، وفي أحد المرات احتدم النقاش معها بسبب الزواج والظروف التي نمر بها، فقررت أن ألقى بنفسي من الشرفة".

كضوء أبيض ناصع، تتذكر "وفاء" حياتها بعد محاولة الانتحار، فقد علقت قدمها في "أسلاك" الكهرباء، وهو ما أعطاها فرصة للنجاة، والتفكير في معنى حياتها من جديد: "بعد أن تم إنقاذي كان الندم صديقي الجديد الذي لم يفارقني أبدا، حتى الآن بعد أن كبرت وتزوجت وصار لدى أبناء بل وعلى وشك أن زواج أبنتي الكبرى، إلا أنني أشعر أني كنت أجبن من أن أواجه مشكلاتي، وأنى كنت بقليل من التفاهم والصبر سأستطيع حلها".

تعتبر "وفاء" أن حكي تفاصيل محاولة الانتحار لبناتها واجب عليها، وهو ما فعلته، معتبرة أنها الآن قادرة على تقديم "روشتة" لمواجهة الانتحار: " في سني هذا كل ما يمكن قوله إن الانتحار مثل العفريت الذي أن خفنا منه سيسطر على حواسنا، وإن واجهناه فسيختفي للأبد، والانتحار لحظة يتوقف فيها المخ عن العمل، لذا منذ ذلك الوقت وأنا أحرص على شغل وقتي وعقلي وقلبي، لأن الحياة بها الكثير ليعاش".

عندما يأتي الجمعة، وقت الصلاة، تبدأ "سميرة عبد السلام" في "تشمير ساعدها" استعدادا لتنظيف شقتها، فتمسح أرضية الشقة جيدا، ثم تأتى عند الأركان والحواف، وترش المبيد الحشري منعا لدخول أي حشرات، وقتها بالضبط تضع "سميرة" 45 عاما، قلبها على يدها، وهي تتذكر تلك الندبة الخفية في روحها التي لا يعلم أحد عنها شيئا، جراء محاولة الانتحار باستخدام المبيد الحشري "التكسوفين".

يقشعر جسد "سميرة" بشدة، وهى تتذكر مشاهد الضرب المبرح الذى كانت تتلقاه من عائلتها، سواء في الركلات العنيفة من أبيها، أو اللكمات الهجومية من أشقائها، بعد أن عرفوا بقصة حبها لأحد زملائها في الدراسة، ورغم أنها أخبرتهم أن "غرضه شريف"، ويرغب في الزواج منها، إلا إن الرفض القاطع كان الجواب بحجة "الشرف" وأن ذلك قد يؤثر على سمعة العائلة، عندما يعرفون أن تزوجت من تحبه: "وقتها سمعت كلام، لا يمكن أن يسمعه أحد ويظل عنده ذرة أمل في الحياة، سواء في التشكيك في عذريتي، أو شر في، فضلا عن الاهانات المستمرة، وعروض الضرب المستمر، وأمام تلك القسوة التي ليس لها حد، قررت أن اتخلص من حياتي، و في آخر لحظة وأنا أتناول المبيد الحشري، لحقتني أمي، وبعد غسيل المعدة، ورقاد في المستشفى عدة أيام اقتنع أهلي أنهم يجب أن يراعوا إنسانيتي ويسمعوني".

تبتسم "سميرة" وهي ترى أبنائها الثلاث يعرضون عليها مساعدتها في تنظيف الشقة، ثم تعود لحكي ذكرياتها عن محاولة الانتحار التي فشلت، ولكنها أعادتها للتفكير في معنى الحياة مرة أخرى: "ندمت بشدة على الانتحار، ليس فقط بعد أن رأيت الخوف في عيون أمي، ولكن عندما علمت أنه كان يمكنني اللجوء لحلول كثيرة لتفادي الأمر، وللحفاظ على كرامتي دون التخلص من حياتي، مثلما فعلت بعد أن خرجت المستشفى، حيث طلبت الذهاب لعمي، والعيش لديه فترة، حتى هدأت العائلة، واستطاع عمي اقناع أبى بالزواج من محمد زوجي، وبالفعل تزوجنا، وحاليا لدينا 3 أبناء".

لا تنكر "سميرة" أن انتمائها للطبقة متوسطة تعليميا واقتصاديا- خريجة دبلوم تجارة- يجعل الوعي بقضية الانتحار وخطورتها أمرا ليس في الحسبان، ولكنها على العكس اهتمت بالأمر، وكانت تقرأ عنه كثيرا: "الانتحار شائع وسط الفتيات بشكل كبير، أما بسبب ضغوط الأهل أو بسبب قصص الحب، ويجب أن تكون هناك محاولات للتوعية، بأن الحياة تستمر وأن الحل ليس الانتحار أبدا، بل هو أمل كاذب في الراحة، فأحيانا لا أصدق أنني كنت سأموت لأترك أمي وحدها تواجه الحياة بدون أن يخدمها أحد من شدة حبي لها، فهناك الكثير من المشاعر التي سنفوتها على أنفسنا إذا قررنا التخلص من حياتنا، وهناك الكثير من الألم الذى سنسببه لمن نحبهم دون أن يكون ذنبهم أنهم يحبونا".


مواضيع متعلقة