"الوطن" بمسرح جريمة مقتل أمين شرطة الزمالك.. والأهالي: كان مروح لعياله

كتب: دينا عبدالخالق

"الوطن" بمسرح جريمة مقتل أمين شرطة الزمالك.. والأهالي: كان مروح لعياله

"الوطن" بمسرح جريمة مقتل أمين شرطة الزمالك.. والأهالي: كان مروح لعياله

5 دقائق، كانت الفارق بين نهاية وردية عمله وعودته لأسرته بمدينة السنطا في الغربية، ليقف في انتظار زميله أمام أحد البنوك الشهيرة بشارع حسن صبري في حي الزمالك، متكئا على أحد الأكشاك الكهربية، يعدّ الثواني لتسليم سلاحه، حالما باللحظة التي سيريح فيها جسده الأربعيني المرهق طوال 12 ساعة، ليباغته شخص "مهتز نفسيا" من الخلف بطعنات في الظهر، أودت بحياته.

أمين الشرطة علي أحمد المليجي، أو "ضحية الزمالك"، استشهد في الساعات الأولى من صباح أمس، بطعنات شخص يستقل سيارة مرسيدس في منطقة الزمالك بالقاهرة، حسبما جاء في تحريات وتحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية التي باشرت التحقيق في الواقعة، حيث تبين أن الشاب مرتكب الجريمة "مهتز نفسيا"، لتنتقل "الوطن" إلى مسرح الجريمة للوقوف عن قرب على تفاصيل الحادث وحياة الشهيد.

حالة من الهدوء الشديدة تسيطر على شارع حسن صبري الشهير بالزمالك، بينما عادت الأمور إلى طبيعتها، سواء بحركة المارة أو العمل في البنوك والسفارات المعروفة به، إلا أن العاملين بمنطقة الحادث علت وجوههم نظرات من الترقب والحذر في متابعتهم للجميع، بينما ارتسمت على وجوههم ملامح حزن عميق.

صديقه المقرب: وصاني قبل ما يموت بيومين.. وكان مالوش مثيل في الأدب والأخلاق و"الطبيخ"

"صاحبه الروح بالروح".. هكذا وصف العديدون وليد محمد، السايس الخاص بالبنك، في علاقته مع الأمين الشهيد، حيث كانا يتلازما لعدة أوقات، فضلا عن زياراتهما المتبادلة لأسرهما، نتيجة علاقتهما التي تمتد لـ18 عاما، وهي مدة خدمة "المليجي" الذي أوشك على عامه الخمسين، بالبنك، ما جعله على علم بتفاصيل عدة عنه.

شاب في الـ22 من عمره وابنة لم تتجاوز الـ20 من عمرها متزوجة، هم أفراد عائلة الشهيد البسيطة، حيث وهبهم حياته بأكملها فينتقل بين القاهرة والغربية يوميا من أجلهم، وسعى بكل السبل لتغيير مهنة نجله من مساعد شيف بنادي طنطا إلى توظيفه بجهة حكومية، فكان يتسم بفكر متميز ومتدين وذو "بال طويل" وطبع هادئ وأخلاق عالية لطبعه الريفي الأصيل، على حد قول وليد، مضيفا: "كان صحيح عصبي شوية بس طيب أوي، واشتغل فترة شيف فكان نفسه في الأكل لا يعلى عليه، وكمان القهوة".

الخميس الماضي، كان اللقاء الأخير بين وليد و"عم علي"، كما يلقبه، حيث تبادلا أطراف الحديث عدة مرات طوال اليوم أثناء عملهما، ليحمله في إحدى المرات وصيته الأخيرة: "قالي اللي يموت فينا الأول التاني يترحم عليه كل يوم ويقراله الفاتحة، وقتها أخدتها بهزار وقلت له يمكن أنا اللي أموت قبلك، بس قالي خلينا نتفق على ده"، ليودعه السايس الثلاثيني غير مهتم بذلك الحديث ويعود لأسرته بإجازته يومي الجمعة والسبت.

في صباح السبت، استيقظ وليد على مكالمة تليفونية من أحد العاملين في المنطقة يخبره بوفاة الأمين علي، ليكذِّبه السائس، ويحاول الاتصال سريعا بهاتفه دون إجابة ليلجأ لشخص آخر يؤكد له الواقعة، ليهرول وقد تملكه الحزن والصدمة سريعا إلى قرية الشهيد للمشاركة بالجنازة في الغربية، ليصفها بـ"المهيبة، ومكنش فيها مكان لبني آدم القرية كلها كانت على رجل هناك، وفي ناس من قرى تانية برضه جات ومليانة شرطة ولواءات، والناس فضلت طول الليل تدعيله وتترحم عليه".

وحيد: الجاني كان هيضرب واحد تاني.. والمرحوم كان آية في الأدب والأخلاق

على مقربه منه، وقف وحيد شديد، العامل ببرج العبد في الشارع نفسه، بذات مكان الحادث يتأمله بأعين حائرة غير قادر على الحركة، لحزنه الشديد على فراق "راجل ميتعوضش"، قائلا: "دمه ساح هنا وهو واقف لا حول ولا قوة له فجأة، بعد ما كان قبلها بساعات بيهزر ويتكلم معانا عادي".

رغم عدم وجود الرجل الستيني أثناء الواقعة، إلا أنه شاهدها كاملة على كاميرات المراقبة، ويرويها بأنه: "شوفنا على الكاميرا واحد نازل من عربية مرسيدس آخر موديل، ومشي ورا أمين شرطة تاني في الشارع لحد السفارة وبعدين لقى هناك زحمة ودوشة وكده علشان ميعاد تغيير ورديات، فرجع وقف ورا عم علي وضربه من الخلف فجأة هنا وهو ساند على الكشك، وفضل يصرخ وينادي على وليد النبطشي في البرج معاه".

لم يعبأ الشهيد بإصابته، وإنما استقل "موتوسيكل" وركض خلف الجاني، رغم "دمه السايح"، وتمكن من القبض عليه: "بس الجاني وقعه على الأرض عند أورانج جيت كده ناحية نادي الجزيرة ونزل عليه بطعنتين تانيين، هما اللي قضوا عليه خالص مع الدم الكتير الليل نزفه".

علم الرجل الستيني بعد إلقاء القبض على الجاني أنه يعاني من أمراض نفسية، وهو ما شعر به من خلال مقطع الفيديو، فضلا عن أنه أحد الأثرياء بالمنطقة، حيث يقال إنه يقطن بشارع المرعشلي في الزمالك ولديه رخصة لسيارة "آخر موديل"، مؤكدا أهمية استرداد حق الشهيد، وأن العاملين بالمنطقة يستعدون لتكريمه على طريقتهم الخاصة.

 

المصري: الأمين علي كان آية في الاحترام وبيساعد الكل وعمره ما اتأخر عن حد

في الجهة الأخرى المواجهة لمسرح الجريمة، جلس صديقان يتابعان الحركة، بينما يتمتمون "الله يرحمه.. الله يرحمه، كان راجل طيب وملتزم ومبيتأخرش عن حد أبدا وبساعد الكل"، ليؤكد حسام المصري، السائق لأحد المقيمين بشارع عماد الكاتب المتقاطع مع حسن المصري، أن الشهيد كان مثالا في الأخلاق والأدب والرقي، رغم بساطته.

ومثلّ المصري مشاهد الواقعة، التي جرت قبل 5 دقائق من تغيير الودية، بوقوفه متكئا على الكشك الكهربي على ناصية التقاطع بين الشارعين، قبل أن يطعنه الجاني ثم يفر هاربا، ليركض خلفه الأمين مستقلا موتوسيكل، قبل أن يتمكن من توقيفه بشارع الجبلاية بمساعدة الأهالي وأفراد الأمن لينقض عليه القاتل بطعنه مجددا، ليوجه له رسالة بقوله: "منه لله".

حارس العقار المجاور له: الشهيد قبض من عامين على حرامي واتكرم في الداخلية

محمد طه، حارس العقار الملاصق للبنك، جمعته "عشره" مميزة مع الشهيد، الذي وصفه بـ"المحترم"، حيث لن ينسى أبدا استقباله الدافئ له قبل 10 أعوام عند قدومه للمنطقة من بلدته النوبة، مؤكدا أن سيرته طوال تلك الفترة كانت "عطرة" بين "الجدعنة" والشجاعة والقوة، حيث تمكن قبل عامين من القبض على لص بالمنطقة.

بابتسامة بسيطة، سرد الرجل الستيني تفاصيل الواقعة، أنه أثناء فترة خدمته وجد لصين يتبعوا أحد الأفراد بعقار العبد، ليسارع بالقبض على أحدهم، وسرعان ما تم تكريمه على موقفه البطولي من قيادات بوزارة الداخلية، قائلا: "كان بيفرجنا الصور وقتها وهو فرحان، واللي جواه ميتعوضش علشان كده قام رغم الطعنات وقبض على القاتل بردو".

لم يجد الحارس النوبي الكلمات التي تسعفه ليعلق على الواقعة، كون الجاني "مختل نفسيا"، حيث استمع من الجيران بأنه كان يعاني من هلاوس طوال الوقت، ولكن لم يتم علاجه.


مواضيع متعلقة