كامب ديفيد.. شهادة حية للسفير الريدى

السفير عبدالرؤوف الريدى من أبرز وأخلص رجالات الخارجية ظل سفيراً لمصر فى أمريكا 8 سنوات، وكان ضمن الوفد الذى صاحب «السادات» فى كامب ديفيد وهذا مختصر لروايته المهمة عنها:

الوفد الذى رافق «السادات» كان على مستويين: الأول يضم الوزيرين إبراهيم كامل وبطرس غالى، وحسن التهامى، مستشار الرئيس، وحسن كامل، رئيس الديوان، وأشرف غربال، سفير مصر فى واشنطن، والمستوى الثانى يتكون من: نبيل العربى، والريدى، أحمد ماهر، أحمد أبوالغيط وأسامة الباز.

كان «الباز» هو جوكر الوفد رغم انتمائه للصف الثانى وظيفياً إلا أنه كان الأقرب للسادات والأهم فى الوفد كله، لأنه يعد كل الأوراق التى يطلبها السادات وكان أداؤه ممتازاً باعتراف الوفود الثلاثة المصرية والأمريكية والإسرائيلية.

كان حسن التهامى شخصية غريبة وهو الذى قام بكل المقابلات مع «ديان» برعاية ملك المغرب التى مهّدت لكامب ديفيد.

رغم الطبيعة الخلابة فى كامب ديفيد، فإن همومنا كانت طاغية، وشعرنا بأننا فى مصيدة تاريخية وعزلة عن العالم.

كان الوفد الأمريكى لا يقدم اقتراحاً إلا بعد عرضه على الإسرائيليين وموافقتهم عليه، وقد صرح الأمريكان بذلك دون خجل، فقد تعهد لهم «كيسنجر» بذلك خطياً وقد أحضر «بيجن» الورقة وأطلع عليها الوفد الأمريكى فى بداية المفاوضات، وذكر ذلك «وايزمان» فى مذكراته.

استمرت المفاوضات 13 يوماً كاملة وتعجل «كارتر» إنهاءها قبل نضجها ليحقق لنفسه نصراً تاريخياً.

كانت قضية المستوطنات فى سيناء والضفة الغربية وغزة هى أكبر عقدة فى المفاوضات.

الموقف المصرى كان حاسماً بعدم قبول أى مستوطنات على أراضيها، ولن تكون هناك معاهدة قبل حسم هذه المشكلة.

كان وفد الخارجية المصرية مغيباً عن حركة المفاوضات التى تجرى، باستثناء أسامة الباز، الذى يعد الدينامو الحقيقى للوفد المصرى، وأدرك «كارتر» ذلك فكان يستدعيه مع أهارون باراك، وزير الخارجية الإسرائيلى للنقاش والتداول بين ثلاثتهم.

كان يعز على الوفد المصرى للخارجية أن يرى الوفدين الأمريكى والإسرائيلى يجتمعان باستمرار مع وفودهم كاملة، بينما لا يعرف وفد الخارجية المصرية شيئاً عما يجرى.

كان «وايزمان»، وزير الدفاع الإسرائيلى الوحيد من وفده المقرب من السادات، وبينهما كيمياء خاصة، وكان حريصاً على إنجاح المؤتمر، ونصح «السادات» بلقاء ديان لتخفيف التوتر ولكنّ لقاءهما كان عاصفاً وجعل «السادات» يعلن المغادرة لمصر للضغط على كارتر الذى أدرك الأمر وذهب إليه فى استراحته واسترضاه كثيراً، وكان «السادات» مستعداً للاقتناع.

رغم مرور 30 سنة لم ينشر «الباز» مذكراته عن كامب ديفيد، ولو نشرها لكانت المرجع الأساسى من الجانب المصرى، فقد نشر الفريقين الأمريكى والإسرائيلى مذكراتهما عنها.

كان «بيجن» يعتقد أن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل، ولم يكن «السادات» مستعداً للتضحية باتفاق سيحرر أرضه من أجل معركة خاسرة وهى الإصرار على انسحاب إسرائيل من المستوطنات فى فلسطين، ولذا طرح تجميد المستوطنات على أن يترك مصيرها للتفاوض النهائى.

النسخة النهائية لكامب ديفيد خلت من الإشارة للمستوطنات فى الأراضى الفلسطينية ولما نبه نبيل العربى «السادات» لذلك هاج وماج واتهم وفد الخارجية بعدم فهم الأبعاد الاستراتيجية لمبادرته، وهذا أدى إلى استقالة إبراهيم كامل، وزير الخارجية، فالاتفاق أغفل القضية الفلسطينية تماماً، لا المستوطنات ولا القدس.

تعجل «كارتر» لإعلان نجاحه بسرعة دون إنضاج المعاهدة لصالح الطرفين بالتعادل فاعتمد أسلوب الخطابات المتبادلة.

اعتقد «كارتر» أنه اتفق مع «بيجن» على تجميد المستوطنات 5 سنوات ولكن «بيجن» خدعه ووقع على ثلاثة أشهر فقط.

لم يحضر أحد من وفد الخارجية المصرى توقيع الاتفاق، وتم أخذ القرار لكل منهم منفرداً، وكما قال «الريدى» عن قرار المقاطعة: «الكل أخذ القرار منفرداً دون تشاور مع الآخرين» وهذا أغضب «السادات» من «أولاد الخارجية المصرية»، كما كان يسميهم بمن فيهم «الباز»، ورغم ذلك لم يتعرض أحد منهم لأى جزاء أو عقاب وتدرجوا جميعاً فى مناصبهم وشغلوا أرقى المناصب، وكلهم لم يرغبوا فى حضور حفل توقيع اتفاق يتضمن ثغرة خطيرة، مثل ثغرة المستوطنات والقدس، ولا يحسب عليه تاريخياً، وشاهدوا الاحتفال فى التليفزيون.