"الوطن" في معهد الأورام بعد التشغيل الكامل.. "يد تداوي وساعد يبني"

كتب: نهال سليمان و كريم روماني

"الوطن" في معهد الأورام بعد التشغيل الكامل.. "يد تداوي وساعد يبني"

"الوطن" في معهد الأورام بعد التشغيل الكامل.. "يد تداوي وساعد يبني"

ستائر بألوان علم مصر، منسدلة على الواجهة، تخفي جدرانا تحمل بين طياتها، يدا تبني ويدا تمرِّض، تسير جنبا إلى جنب، تحاول أن تمحو ما تبقى من أثر مادي وآخر معنوي، دون ركون إلى راحة، فقد كان العمل مستمرًا منذ صباح اليوم التالي للحادث الإرهابي بمحيط المعهد القومي للأورام، حتى معاودة تشغيل المعهد بكامل طاقته مرة أخرى صباح اليوم، بعد 12 يوما فقط من الحادث.

في مدخل معهد الأورام بين عربة نقالة تحمل مريضا تصعد بعزم على "رامب الصعود"، يدفعه التمريض والأطباء المتابعون للحالة، وسلم مجاور لا يخلو لحظة من ذوي السترات فسفورية اللون، بين صعودهم ونزولهم في حركة مستمرة هدفها إنهاء أعمال الترميم في أسرع وقت، كان ذلك المشهد الطبيعي منذ دقات السابعة صباحًا، بنشاط حتى يعود كل مريض لاستكمال علاجه بالمعهد بنقلهم من المستشفيات المجاورة التي استقبلتهم خلال أيام إخلاء المعهد.

تجولت "الوطن" بين أرجاء المعهد ترصد عودة المرضى والأطباء وهيئة التمريض، وتعايش قيام العمال بأعمالهم في شكل مستمر لم ينقطع حتى أيام العيد الأضحى، فهم يرونه عملا وطنيا جديرا بالبقاء حتى اكتماله، بين عمال وموظفي المعهد ممن يتسلمون الغرف ليعيدوا تجهيزها أولا بأول.

أم ياسين: مش هنسى عمري يوم ما نزلت بابني مرعوبة.. ويوم ما رجعت والمعهد زي الأول وأحسن

لحظات اطمئنان عاشتها والدة ياسين، ذي الستة أعوام، بعد أن تلقت اتصالًا من الطبيبة المعالجة لنجلها، تخبرها بأن المعهد سيعاود عمله السبت الموافق 17 أغسطس، لتطلب منها الحضور يوم إعادة التشغيل هذا، حتى يتناول ياسين جرعته لعلاج سرطان الدم في موعدها، رغم أن ذهابها لمستشفى هرمل لم يؤثر على تلقي العلاج حيث تابع حالة ياسين أطباء المعهد، إلا أن عودتها كان بمثابة العودة للمكان الطبيعي، والتي اعتادت التواجد به مع ابنها ذي الستة أعوام منذ أبريل الماضي، في رحلات علاج من المنزل ببني سويف إلى المنيل وتناول الجرعات.

مفارقات عاشتها "أُم ياسين" ترويها لـ"الوطن" بين يومين كانت شاهدة عليهما "مش هنسى يوم ما نزلت بجري بابني وقت الحادثة الساعة 11 ونص بالليل وسط خوف على سلالم مليانة زجاج متكسر ومش هنسى لما رجعنا تاني النهاردة ولقينا كل حاجة جاهزة في استقبالنا.. ماكانش في خيالي إن في 10 أيام هرجع نفس الأوضة كأنها ماحصلش فيها حاجة ولا الدور سقفه وقع"، واختتمت "مبسوطة إننا رجعنا لمكانا اللي شهد إنجاز كبير".

طه عيد: جالي انهيار وماصدقتش اللي حصل.. إزاي مستشفى فيها أطفال ومرضى حصل فيها كده

حاملا ابنه ذو الـ 4 سنوات بين يديه، طه عيد، أتى من بني سويف كي يستكمل رحلة علاج ابنه في معهد الأورام والتي بدأها منذ الـ20 من شهر رمضان الماضي، فاليوم كان موعد الجرعة الثالثة، ويروي لـ"الوطن" عن صدمته يوم شاهد وقائع الحادثة على شاشات التليفزيون "جالي انهيار وماصدقتش اللي حصل، إزاي مستشفى فيها أطفال ومرضى حصل فيها كدة"، لينقلب الأمر بعد ذلك من انهيار وصدمة إلى فرحة وأمل عندما تلقى اتصالا بموعد الجرعة الثالثة لابنه وأنها ستتم في غرف العهد بأقسام الإقامة كما كانت، "الترميمات رجعت المبنى زي ما كان وأحسن، الطبيعي هنا إن الناس مش بتقصر في شغلها ودة اللي حصل بعد الحادث يرجع الشغل مظبوط كده ويستقبلوني وندخل الغرف على طول على الرغم إنها كانت متدمرة".

بين رسومات الفراشات الزرقاء والقلوب الحمراء، كان محمود غانم قد عاد مرة أخرى إلى غرفته المتجددة بالدور الخامس بمعهد الأورام يدفع ابنه يوسف على كرسيه المتحرك، بعد أن كان وداعه للقسم الذي يتردد عليه طيلة 8 شهور وداعًا مليئا بالأدخنة وروائح الحريق على خلفية سقوط الأسقف المعلقة والشبابيك نتيجة الحادث، "وأنا ماشي يوم الحادثة وشايل يوسف علشان ماينفعش ننزل بالكرسي قولت مش معقول المعهد هيقوم تاني، لكن الحمد لله بجهود الناس المتواصلة اشتغل تاني".

جالسا بجوار ابنه يوسف ذو الـ13 عاما، يحكي محمود لـ "الوطن" بملامح أكثر ما يميزها هو الرضا "أطباء معهد الأورام كانوا معايا لحظة بلحظة على التليفون، خرجنا من هنا على معهد ناصر أخدنا محاليل وكلموني على طول علشان مانخدش كيماوي هناك ونروح هرمل وفي مستشفى هرمل كانوا هما المسؤولين عننا لأن عندهم كل البيانات"، ليتم استدعاؤه مرة أخرى عند بدء إعادة التشغيل اليوم لاستكمال العلاج وعمل تحاليل ما قبل الجرعات ومتابعة حالته وخصوصا بعد تعرضه للسقوط أثناء المغادرة وقت الحادث، ما يستدعي الاطمئنان على حالة المفصل الصناعي الذي تم وضعه بعد استئصال ورم الركبة فيما سبق، ليختتم "الناس هنا تمام وكفاية بيتصلوا علينا علشان المشوار مايتعبناش في إننا نيجي على الفاضي".

 

 

يحكي محمد كامل صدقي، 17 سنة، والمصاب بورم في الفك، أن القدر كان له فضل في نجاته، فقد خرج من المعهد يوم السبت السابق ليوم الأحد الذي شهد الحادث الإرهابي المروع، لكنه عاد مرة أخرى يوم الاثنين ليجد الأطباء في العيادة يستقبلونه لعمل التحاليل بشكل اعتيادي تمهيدا للجرعة، ولأن حالته مستقرة فقد خرج في نفس اليوم ليعود مرة أخرى في اليوم الأول لاستعادة عمل المعهد بكامل طاقته، "قالوا لي تعالى يوم السبت بعد العيد ومكانتش متوقع إنه يبقى يرجع يشتغل تاني كدة.. الحمد لله مفيش تقصير ودخلنا عادي والدكاترة ماقصروش وكانوا بيتصلوا علينا في البيت يتطمنوا".

في إجازة العيد بينما كان العمل مستمرا على قدم وساق في معهد الأورام كي يستعيد مرضاه القدامى ويستقبل آخرين، كانت شيماء خليل، من إمبابة، بين أرق احتمالية دخول دوامة المرض الخبيث، بعد شعورها بأعراض لم يسبق أن مرَّت بها، كآلام في الثدي وإفرازات غريبة، لتتوجه اليوم بعد انقضاء الإجازة إلى عيادة الكشف المبكر وخصوصا بعد أن سمعت عن إعادة تشغيل المعهد بكامل طاقته.

رافقت "الوطن" شيماء في زيارتها للمعهد التي وصفتها بـ"مخيبة للآمال"، فقد تركت أولادها منذ الصباح الباكر كي تتواجد بالمعهد الساعة السابعة صباحا، وتستطيع أن تحجز لها دورا لدى المكان الأكثر تخصصا فيما تواجه من أعراض، "أنا مدرسة وعندي تأمين صحي وكان ممكن أروح لدكتور نسا أو أي حد، لكن أنا قولت آجي للمتخصصين وكنت مستنية أجازة العيد تخلص بفارغ الصبر، وفي الآخر يقولوا لي مفيش ولما الدكتورة تيجي هنسألها".

مدير مستشفى المعهد: الأولوية للمرضى وغرفة الكشف المبكر هتكون جاهزة خلال أسبوع

بين التمريض وموظفي الحجز والإداريين، قضت شيماء ما يزيد عن ساعتين دون معرفة ما إذا كانت ستخرج من اليوم بتشخيص يُنهي أرقها أو يضعها على أول طريق العلاج أم ستظل في حيرتها وأرق المجهول، فغرفة الكشف المبكر قد أصابها الحادث الإرهابي وتوقف الكشف على إثر ذلك، لكن لاح في الأفق لحظات أمل بعد أن وجدت بين غرف العيادات غرفة تحمل لافتة "وحدة الوقاية والاكتشاف المبكر للأورام"، ويقابلها غرفة أخرى تُسمى "غرفة مبادرة صحة المرأة"، لكن الخيبات عادت من جديد بعد أن قالت إحدى الممرضات إن الغرف ليست مخصصة لاستقبال حالات غير محولة من وزارة الصحة، وقالت شيماء "فيها إيه لو شغلوهم لحد ما يرمموا الغرفة ويمشوا الأمور.. إحنا عايزين نتطمن.. مش عارفة أروح فين واتصلت بمستشفى بهية قالوا ميعادك يوم 3 نوفمبر لسة".

من جانبها، علقت الدكتورة ريم عماد، مدير مستشفى المعهد، أن المترددين على عيادة الكشف المبكر ليسوا مرضى، والأولوية لدينا هي لمريض جرعات السرطان ومريض العمليات، بينما تلك الحالات ليست عاجلة وسنحاول المضي نحو تجهيز غرفة الكشف المبكر في غضون أسبوع أو أسبوعين.

كانت شعلة العمل النشط هي ما يميز ذوو الزي الأصفر والبرتقالي الفسفوريين، بأدواتهم الخشبية والحديدية، يتابعون أعمال رفع مخلفات الحادث الإرهابي والإصلاح بأقصى سرعة، حيث يقف عبدالرحمن محمد، 36 عاما، من المعصرة بحلوان، رافعا يديه يدق على الجدران المتهدمة كي يكسر ما يجب إعادة بنائه، فيقوم سيد جمال، 28 عاما، من الواحات بالبحيرة، بجمع المخلفات وباستخدام "الكُريك والجاروف" ليملأ "براويتة حديدية"، ليقوم بإخراجها إلى مكان المخلفات، ويستلم المكان بعد ذلك زملاؤهم من شركة المقاولين العرب المسؤولة عن إعادة تأهيل المعهد، ولكن بتخصصات أخرى ليقوموا بإعداد المكان مرة أخرى بين أعمال بناء ودهان وتركيبات.

سيد وعبدالرحمن: جينا نشتغل في ترميم المعهد.. ومش مهم ناخد أجازة العيد

عمل متواصل بذله عمال ومهندسو الترميم، دون راحة في فترة العيد، يدفعهم في ذلك إنجاز عمل يساهم في عودة استقرار المرضى، وهو ما اتفق عليه محمود وسيد "لما عرفنا إننا جايين المعهد ماخوفناش ولا رفضنا إننا مش هناخد أجازة العيد.. جينا مبنى المرضى فاضي والنهاردة شايفين الناس راجعين مكانهم ومبسوطين إننا ساهمنا في ده.. اللي بنعمله دي تعمير نحارب بيه التخريب اللي حصل، جينا علشان المكان يرجع تاني وبنساعد في رجوعه".

 

"شفتات عمل متواصلة على مدار 24 ساعة" بهذه الكلمات وصف سيد غريب، مشرف تنفيذي لشركة المقاولين العرب، طبيعة العمل داخل المعهد، حيث يقسم العمال والمهندسون الأعمال من الساعة 8 صباحا وحتى 8 مساء، ليستلم العمل آخرون حتى الثامنة صباح اليوم التالي، حتى ينتهي العمل قبل المواعيد المستحقة، حيث دفعت إدارات الشركة بموظفين من كل الإدارات مرة واحدة، بحيث تجري الأعمال جنبا إلى جنب، "عمال من إدارة صيانة القصور والآثار ومن إدارة الاعتيادي ومن التشطيبات والشداد وللكباري علشان يعملوا سقالات المرور.. بعد عمل السقالات بيدخل عمال التشهيلات يشيلوا المخلفات و الصيانة يشتغلوا على الغرف ترجع أحسن من الأول والموظفين بيستلموا مننا أوضة أوضة على طول.. كل اللي يهمنا إن المرضى ترجع والدنيا ماتقفش".

الممرض هاني مجاهد: فرق كبير بين الذعر وإحنا نازلين بالمرضى.. والأمن وإحنا راجعين بيهم نكمل علاجهم

رحلتان مع المرضى إحداهما كانت بين القلق والذعر أثناء الذهاب للمستشفيات البديلة والثانية كانت اليوم في عودة المرضى إلى معهد الأورام، كان من أبطالها التمريض الذي ساهم في وصول المرضى ومتابعة حالاتهم، وعن ذلك تحدث هاني مجاهد، الممرض بالدور الخامس، والذي عاصر اللحظتين "الوضع كان صعب جدا، كنا بنشيل المرضى مع الأهالي إيد بإيد ونزلنا على السلم اللي الإسعاف والمطافي عملوه ورا علشان الأسانسير متعطل ومفيش استخدام عربات المرضى والنار كانت طالعة لسابع دور وبتدخل من الشبابيك.. النهاردة جايين ودخلنا بصورة عادية مع مرضانا في أمان".

من جانبها، قالت ريم عماد مديرة مستشفى المعهد القومي للأورام، إن المعهد استأنف عمله بشكل طبيعي اليوم لاستقبال المرضى بعد عملية الإخلاء لغرف العمليات، مؤكدة "عادت حوالي 50 حالة من الحالات التي تم نقلها لمستشفى قصر العيني، ومعهد ناصر، وتم استرجاع أدوية الكيماوي التي تم نقلها مع المرضى لمعهد ناصر حتى لا تنقطع عملية استكمال جرعات المرضى"، مشيرة إلى أن الحالات المتبقية في قصر العيني حوالي 30 حالة خرجت بعد الاطمئنان على حالتها الصحية.. في وقت الحادث نقلنا المرضى والتمريض والأدوية والأطباء واليوم نستعيد كل ذلك".

مديرة المستشفى: التبرعات لا تكفي سوى 10% من احتياجات ترميم المعهد

وأضافت "ريم" لـ"الوطن"، أنه تم البدء في عمليات تعقيم غرفتين من غرف العمليات بعد استلامهما الخميس الماضي، سيتم عمل جراحات خفيفة اليوم كسحب العينات، وغدا يتم تشغيل الثلاث غرف الأخرى، لافتة إلى أن إصلاح تلفيات المبنى الإداري والواجهات الأمامية للمعهد، والطوارئ يستغرق حوالي شهرين، كما أن حجم التبرعات التي تلقاها المعهد منذ وقوع الحادث لم تكفِ 10% من احتياجات المعهد لاستكمال عمليات الترميم.


مواضيع متعلقة