جرائم الاغتصاب وأزمة تطبيق العقوبة

تعد جرائم الاغتصاب أحد أخطر أشكال العنف ضد المرأة والمجتمع، وتؤثر بالسلب على الثقة فى منظومة العدالة، لأنها لا تمتد إلى الضحية فقط وإنما إلى كافة المحيطين بها سواء من آثار نفسية مدمرة للضحية أو آثار اجتماعية تمس العائلة، كما تمتد للمجتمع لأن مرتكب الاغتصاب له سمات حددها علم الجريمة بأنه لا يسعى إلى المتعة الجنسية كما هو الشائع، وإنما يسعى إلى الشعور بالقوة من خلال استضعاف واستعباد الضحية، وبناء على ذلك فالمجرم مرتكب الاغتصاب فى أغلب الأحوال لا تكون الواقعة المضبوطة هى الأولى، فكثير من المغتصبين ثبت أنه قد اغتصب فى السابق العديد من الضحايا من الأطفال سواء إناث أو ذكور، الفتيات القاصرات أو نساء متزوجات أو حتى مسنات، هو لا يفرق فى الضحايا وإنما يسعى إلى افتراس ضحية ضعيفة تشعره بالقوة، وهذا هو مصدر اللذة وليس فعل الاغتصاب فى ذاته، لذا يجب أن يدرس كل بلاغ اغتصاب بجدية شديدة، لأننا أمام مجرم محتمل أن يكون متعدد الجرائم، بل التهاون فى القبض والاحتجاز أو الإفراج عنه دون حكم محكمة يعنى إطلاق مجرم فى المجتمع يستبيحه كيفما يشاء، وقد كانت مصر سباقة وتعد من أوائل الدول التى كانت تنص على: «لا عقوبة لمغتصب الأنثى حال زواجه منها زواجاً شرعياً»، وذلك عام 1999، أى منذ عشرين عام، الذى كان يساعد الجانى على الإفلات من العقاب ويهدر الضحية والمجتمع ككل، والعجيب أنه فى حال اغتصاب عشرة لضحية وتزوجها أحدهم يفلت الجميع من العقوبة لتساوى المرتبة القانونية، الصادم فى الأمر أننا ومنذ إلغاء هذه المادة ورغم العقوبة المشددة لهذه الجريمة إلا أن الاغتصاب جريمة مقلقة، ويرجع ذلك لغياب الردع وضعف تنفيذ القانون، ففى بعض الحالات بدلاً من القبض على المتهم وإحالته للعدالة يتم تزويج الضحية فى هذه الجريمة المركبة، التى تصل العقوبة فيها إلى الإعدام، فهى ليست جريمة واحدة ولكنها عدة جرائم يقوم بها الجانى ضد المجنى عليها طبقاً لنص المادة 290 من قانون العقوبات والتى تنص على: (كل من خطف بالتحايل أو الإكراه أنثى أو بواسطة غيره يعاقب بالسجن المؤبد ويحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوفة بغير رضائها)، ولو كانت الفتاة قاصراً أو تعانى من قصور عقلى وفاقدة للأهلية، يصبح الإعدام وجوبياً طبقاً لنص المادة 267 من قانون العقوبات، ومع ذلك يفلت المجرم من العقوبة إذا أفادت الضحية أو أهلها أن الواقعة كانت علاقة غرامية حتى لو كانت قاصراً، وهو أمر بحاجة إلى مراجعة ولا يعفى الشرطة أو النيابة من المسئولية أو السماح بإفلات مجرم من العقاب، وما يقال حول تزويج الضحية للمجرم وهو أمر يشكل اغتصاباً مضاعفاً، لذا يجب مراجعة هذه البلاغات من وزارة الداخلية ومكتب النائب العام للوقوف على حقيقة ما يحدث وما إذا كان الأمر بحاجة إلى تدريب القائمين على إنفاذ القانون أو عمل شرطة متخصصة فى جرائم الاغتصاب للوقوف على حقيقة كل بلاغ، وهل يتم الضغط على الضحية من أهلها أو يتم الضغط على الضحية وأهلها من المجرم، أيضاً ضرورة عرض الضحايا على الطب الشرعى للفحص وأيضاً عمل اختبارات نفسية لتحديد أثر الصدمة على تضارب الأقوال، ولا يقبل التنازل عن البلاغ فهى قضية لا تمس فرداً أو أسرة وإنما مجرم مطلق السراح يغتصب كل من هو أضعف.