عصام السيد: لينين الرملي مكتشف المواهب ونقطة تحول في مسيرتي المهنية

كتب: إلهام زيدان

عصام السيد: لينين الرملي مكتشف المواهب ونقطة تحول في مسيرتي المهنية

عصام السيد: لينين الرملي مكتشف المواهب ونقطة تحول في مسيرتي المهنية

قال المخرج عصام السيد، إن الكاتب لينين الرملي، يحتل مساحة هامة وبارزة في تاريخ الحركة المسرحية المصرية، وأنه رجل مسرح بكل معنى الكلمة، فهو يكتب لكي يُقدم، لا يكتب لكي يُقرأ، مثله في هذا كل رجال المسرح الكبار كشكسبير وبريخت وغيرهم، ممن يعتبرون أن اكتمال النص في عرضه وجماله في تقديمه، كما مارس "الرملي" التأليف والإخراج والإنتاج للمسرح طوال سنوات حياته، ولم يتكسب من المسرح بقدر ما أعطى له، مؤكدًا مسرحه قريب الصلة بالبشر لا يصيبه الزمن بالبلى والقِدم وتلك أيضا من شيم رجال المسرح.

وعبر "عصام" عن اعتزازه بالعمل المشترك مع الرملي، قائلا لـ"الوطن": الرملي له منزلة كبيرة في نفسي فهو نقطة تحول في مسيرتي المهنية وشريك نجاحات عدة، وربما كان إيماني بأن المسرح هو المسرح سواء في الكوميديا أو التراجيديا سواء من ناحية ضرورة وجود بناء درامي قوي، وحبكة محكمة، و شخصيات مرسومة بدقة، أو من ناحية الجدية في الأداء وتصوير الموقف بصدق، هو ما جمع بيني و بين لينين في ثمانية أعمال بدأت بـ "أهلا يا بكوات" واستمرت على مسارح القطاع العام والخاص وسجلت لي أكبر عدد من بين المخرجين في تقديم أعمال للينين، والحقيقة أنه هو من اختارني لإخراج أعماله.

الكوميديا السوداء

ولفت "السيد" إلى أن البعض يعتقد أن السبب في ذلك الرواج هو "كوميديا " لينين، ولكن بمراجعة بسيطة للنصوص سنجد أن أغلبها ينتمي إلى نوعية "الكوميديا السوداء" وهي تنطلق عادة من موقف غير مضحك، ولكن الصياغة واستعمال الحرفة في إبراز التناقض، مثلا انطلقت مسرحية "أهلا يا بكوات" من موقف رجل ارتعب من التقدم العلمي حولنا بينما نحن جالسون، فجاء إلى صديقه ليسأله ماذا فعلنا لنواجه المستقبل؟ أليست تلك كارثة أن نظل قابعين متأخرين عن عصرنا، بينما العصر يسير بسرعة الصاروخ؟ من أين ينبع الضحك وأمامنا مجموعة من العميان يعانون في "ملجأ" كما في مسرحيته وجهة نظر؟ أليس موقفا يدعو إلى الرثاء والحزن؟.

وتابع "السيد" وحتى النهايات يغلفها إحساس قد يبدو مأساويا، فما الذي يُضحك في أن الاشباح تشعل النار في البيت في نهاية "في بيتنا شبح" بينما يهرب سكانه ولا يصمد لمقاومة الحريق إلا قلة؟ أي أنه يغزل من خيوط الجدية سخرية حادة و تناقضا مريرا يبعث على الضحك، وبنهايات تصلح لنصوص درامية جادة وعابسة تنتهي معظم مسرحيات لينين، فهل نستطيع أن نقول أن كوميديا لينين "كوميديا جادة" في داخلها يقبع احساس بالحزن أو على الأقل يشوبها المرار؟.

أول عمل

وعن كواليس العمل معًا، كشف "السيد": "يحضرني موقف يتكرر بشكل يكاد أن يكون دائم في أعمال لينين الرملي، في بداية تدريبات القراءة لكثير من نصوصه يتساءل الممثلون: أين الضحك؟ أو على الأقل يعبرون عن مشاعرهم بجملته المعروفة "الضحك قُليل" أي أن كمية الضحك قليلة في النص ولكن مع ليالي العرض الأولى يكتشف هؤلاء أن ينابيعا من الضحك قد تفجرت، ليس بالطبع بالخروج على النص ولكن بالالتزام به، فمن أين يأتي الضحك؟، وأعتقد أن الضحك في مسرح لينين مبنى على قاعدتين: الأولى أن شر البلية ما يضحك، والثانية هي المفارقة التي تثير السخرية، وهو بالتالي ضحك ينبع من العقل والتفكير وليس ضحك الدغدغة والتسطيح.

وأكد "السيد" أن مسرح لينين الرملي يتطلب جدية شديدة في الأداء وصدقا تاما من الممثل لكي تتفجر الكوميديا الساكنة في النص، ومن منطلق الصدق في التمثيل – يستطيع أي ممثل جيد أن يبرع في تقديم نصوص لينين الرملي سواء كان كوميديانا أو لم يقدم دورا واحدا كوميديا من قبل، عليه فقط أن يقدم الموقف بصدق وأن يجعل المتفرج يصدق، والضحك سينفجر تلقائيا وببساطة، ولهذا تصيبني الدهشة عندما يلجأ بعض الهواة إلى الخروج عن النص في أعمال لينين بينما لا يكتشفون مكنون النص وخفاياه.

الخلطة السحرية

مشيرًا إلى أن الجدية تبلغ أقصاها في عرض وجهات نظر كافة الشخصيات بقوة ومنطقية حتى ولو كانت متناقضة، فلا تعرف هو مع من وضد من، ويترك للجمهور حرية الاختيار بين المنطقين، ففي أهلا يا بكوات -على سبيل المثال- يعرض وجهتي النظر المؤيدة للحملة الفرنسية كأحد أسباب انتقال مصر من العصور الوسطى إلى العصر الحديث ووجهة النظر المضادة لها بصفتها احتلال يجب مقاومته، والغريب أن الجمهور كان يصفق للمنطقين، بل أن بعض النقاد تساءلوا عن موقف لينين شخصيا هو مع من وضد من.

مميزات لينين

وأضاف "السيد" أن من مميزات لينين الرملي أيضا أنه مكتشف للمواهب، مساند لها، ولن اتحدث عن نجوم التمثيل الذين تحمس لهم لينين في بداياتهم، حيث بدأت العلاقة بواقعة غريبة، عندما اتى لينين لمشاهدة عرض "عجبي" على المسرح القومي والذي جسد بطولته صديق عمره الفنان الكبير "نبيل الحلفاوي" فيومها صافحني لينين بعد العرض صامتا ولم يتكلم إطلاقا، وعلمت فيما بعد أن لا يطيق سيرة الزعيم جمال عبدالناصر التي كانت رافد أساسيا في العرض الذى كان يروى سيرة الشاعر الكبير "صلاح جاهين"، متابعًا: وبعدها بفترة وجيزة تعاون لينين، المؤلف ذائع الصيت والذى يتمنى العمل معه كبار المخرجين، مع المخرج الشاب – وقتها - الزميل "محمد أبو داوود" في تقديم أول نصوص لينين للقطاع العام "عفريت لكل مواطن" من بطولة الفنان نبيل الحلفاوي أيضا ومعه بطلة مسرحيتي "عجبي" الفنانة الرائعة عبلة كامل.

 وأضاف: "وعندما تولى الفنان محمود ياسين مسؤولية إدارة المسرح القومي طلب من لينين كتابة نص خصيصا للمسرح القومي، وفوجئت باختيار لينين لي لإخراج هذا النص برغم أن أمامه العديد من المخرجين، كما أن الفنان الكبير محمود ياسين وافق على الاختيار أيضا، وبعدها تعاون لينين مع مخرجين شباب آخرين منهم الصديقان محسن حلمي وخالد جلال، وإذا كان لينين يبحث عن المواهب الإخراجية ويدفع بها في فرص حقيقية، فإنه أيضا يبحث عن المواهب التمثيلية ويتحمس لها خصوصا في أعماله التي أخرجها بنفسه، و لم يتعاون مع النجوم في تلك الأعمال سوى مرة واحدة أو مرتين فقط.

واختتم حديثة قائلا: "تحية إلى رجل المسرح لينين الرملي الذي صنع ضحكا كالبكاء، سخرية من أحوالنا المتردية وتناقضاتنا الشديدة وحملت في داخلها نبوءات، ولم تفقد أثرها على مر الزمن، فمسرحيته "في بيتنا شبح" كتبت في عام 2004 وقدمت في عام 2012 فظن الجميع أنها كتبت في التو واللحظة، ومسرحيته "أهلا يا بكوات" قدمت لأول مرة في عام 1989 وعندما أعيد تقديمها عام 2006 ظن البعض أنه أجرى عليها تعديلات، حتى اضطررنا إلى كتابة إقرار في برنامج العرض أنه مطابق للنسخة الأولى وكأن لينين كان يرى ما سيحدث".


مواضيع متعلقة