عذرًا يا دكتور علي جمعة.. «ومن أحياها»

على سرير الموت، راقدًا لا يستطيع الحركة، تحوَّل جلده إلى اللون الأصفر، واحمرت عيناه من تليف الكبد، والأطباء ينصحون أهله بسرعة العثور على متبرع.. الأم تبكي شباب ولدها المأسوف عليه، ووالده على المقهى المواجهة للمستشفى يحكي لصديق دربه كيف أنفق السنوات الطوال من عمره، وأجرى وزوجته عمليات جراحية ليستطيعا معًا إنجاب الولد الذي سيخطفه طائر الموت بعد أيام، وربما ساعات، إن لم يُزرع له كبد جديد.

أسوق هذا المشهد لمفتي الديار المصرية السابق، الدكتور علي جمعة، بعد فتواه التي صدمتني، ولم أكن أتوقعها على الإطلاق، حيث قال في معرض رده على سؤال حول التبرع بالأعضاء: «لا يجوز للإنسان التبرع بأعضائه.. الجسد ملك الله لا الإنسان». «جمعة»، صاحب أجرأ الفتاوى، والذي يُشار إليه على أنه من المُجددين، والذي أفتى بأن الزواج عرفيًا بشهود ودون ولي صحيح، ويعتبر طلاقه واقعًا. متحديًا بذلك من وصفوه بـ«الزنا».

وهنا أتساءل؛ من من البشر غير نبي الله عيسى، استطاع بإذن الله أن يحيي الموتى؟، لأن رب العزة يقول في القرآن الكريم: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.».. كيف لي كشخص عادي غير مؤيد بمعجزات السماء، أن أُحييها ويكون ثوابي كإحياء الناس جميعًا، إن صح قولك.

إن كنت أستطيع العيش بـ«كلية واحدة»، أو «نصف رئة»، وإن لم يكن استقطاع جزء من كبدي خطيرًا على حياتي، فما الضرر من مشاركتها مع الآخرين، هذا في حياتي.. أما بعد شهر واحد من موتي ودفني في التراب كيف سأستخدم أعضائي وأنا ميت، ولماذا لا أتبرع بها مساهمة في إحياء الناس؟.

إذا كانت هذه الفتاوى تصدر عن علمائنا التنويريين الوسطيين، فما بالنا بأئمة التشدد والتطرف. من قال يا مولانا إن التبرع بالعضو الذي هو ملك لله اعتداء على ملكية الله، لأنه بالقياس على ذلك يكون إخراج الصدقة من رزقي الذي هو ملك الله غير جائز أيضًا.

خلال تواجد الرسول صلى الله عليه وسلم، بجسده الشريف، وسط المسلمين الأوائل، علمهم أن الناس أدرى بأمور دنياهم، وأن يستفتي المرء قلبه، لم تكن هناك وظيفة تحت مسمى رجال الدين.

مع احترامي لعلمكم الوفير.

إن كان أحد أعضائي سيحيي نفسًا فهذا هو ما يرضي الله ورسوله. إن كان سيحمي طفلًا من معاناة ومرارة اليتم فهو خير من التصدق ببناء مسجد.

إن كان سيمسح دموع أم تخشى فقدان ولدها فهذا هو الخير، عين الخير.

إن كان سيمنع كسر قلب والد مُسن يرى ابنه الوحيد على فراش الموت ولا حيلة له، فهو ورب البيت يساوي الدنيا وما فيها.

أفزعني يا مولانا، أن أرى أئمة الوسطية يتبارون للدفاع عن حقوق الله ضد البشر الأشرار، حالهم كحال مشايخ التطرف ومنابر الكراهية التي تُكفر الناس، وتشحنهم إلى جهنم وبئس المصير، أشعر للوهلة الأولى أنهم موظفون في «ريسيبشن» الجحيم، وبين أيديهم سجلات وارديها.