صاحب بحث ضبط التقويم القبطي: الاقتراح لا يمس العقيدة أو يغير الكنيسة

كتب: مصطفى رحومة:

صاحب بحث ضبط التقويم القبطي: الاقتراح لا يمس العقيدة أو يغير الكنيسة

صاحب بحث ضبط التقويم القبطي: الاقتراح لا يمس العقيدة أو يغير الكنيسة

عاصفة من الجدل أثارها بحث للقمص يوحنا نصيف، كاهن كنيسة السيدة العذراء للأقباط الأرثوذكس فى شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، حول ضبط التقويم القبطى وتعديل موعد الاحتفال بعيد الميلاد، الذى أرسله إلى البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، وأعضاء المجمع المقدس بالكنيسة لدراسته وأبدى استعداده للمثول أمامهم لمناقشتهم فيه.

القمص يوحنا نصيف: «ضبط التقويم» يحتاج قراراً سيادياً.. والكاتدرائية تستطيع تحريك المياه الراكدة

«الوطن» تواصلت مع الكاهن القبطى، وحصلت على نسخة من بحثه المثير للجدل، مؤكداً أن البحث لا يسبب بلبلة للأقباط، وأن اقتراحه لن يغير من شكل الكنيسة أو يمس العقيدة وثوابتها، كاشفاً أن التقويم الغربى هو الأدق وأن التقويم القبطى به خطأ فى الحساب الزمنى بسيط.

* يخشى البعض من أن فكرتك بضبط التقويم القبطى ستُنقِص من هيبة الكنيسة، ما رأيك؟

- الموضوع لا يختصّ بهيبة الكنيسة.. فالهيبة ليست فى التقويم الفلكى، لكن فى حضور الله فى الكنيسة، والموضوع أيضاً ليس فى كَون الكنيسة قائدة أو تابعة، لأنّنا فى تعديل التقويم لسنا تابعينَ لأحد، نحن فقط نصحّح تقويماً خاصاً بنا، بعد أن كشف العِلم الحديث أنّ به خطأً بسيطاً جداً فى الحساب، نحن سنظلّ كنيسة قائدة فى عقيدتها، وتقاليدها الأصيلة، وآباؤها العظام معلّمو المسكونة.

* يرى البعض أن تغيير التقويم القبطى سيؤثر بالسلب على الحوار اللاهوتى مع الكنائس الخلقيدونية والبيزنطية؟

- فى الحقيقة، هذه ادّعاءات ليس لها أى أساس من الصِّحة، فنحن لا نغيّر فى العقيدة، بل فقط نضبط تقويمنا الخاصّ، وهذا ليس له دخل فى الحوار اللاهوتى مع الكنائس نهائياً.

بالإضافة إلى ذلك، لك أن تَعلَم أنّ الغالبيّة العظمى من كنائس العائلة الأرثوذكسيّة الخلقيدونيّة تتبع التقويم الجديد، ويعيّدون عيد الميلاد فى 25 ديسمبر، ويتبقّى فقط كنيستان تسيران على التقويم اليوليانى القديم، وهما الكنيسة الروسيّة والكنيسة الصربيّة، وتعيّدان فى 7 يناير، بل إنّ الكنائس الشقيقة لنا من العائلة الأرثوذكسيّة اللاخلقيدونيّة مثل الكنيسة السريانيّة والكنيسة الأرمنّية يعيّدون أيضاً بحسب التقويم الجديد الجريجورى، فى يوم 25 ديسمبر.

بوجه عام، توقيت الاحتفال بالأعياد لا يمسّ العقيدة، ولا يؤثّر على الوحدة، وموضوع ضبط التقويم القبطى لن يتسبّب فى خسائر، بل بالعكس سنجنى منه مكاسب عديدة، ويساعدنا أيضاً على التقارُب من مُعظم الكنائس.

* هل التعديل يعنى أن التقويم الجريجورى هو الأصح وأن التقويم القبطى خطأ؟

- الحقيقة أنّه ليس هناك خطأ فى هذا أو ذاك، سأشرح لك باختصار الفِكرة الفلكيّة:

الأرض تدور حول الشمس فى مدارٍ ثابت، وتكمّل دورتها كلّ سنة، أى ترجع لنفس النقطة فى المدار كلّ 365 يوماً وستّ ساعات إلاّ 11 دقيقة و14 ثانية، وعندها بالضبط تكون السنة قد اكتملت، وإذا حسبنا أنّ السنة تتكوّن من 365 يوماً ورُبع، أى ستّ ساعات كاملة.. تكون الأرض قد تحرّكت عن النقطة التى بدأت من عندها لمدة هذه الـ11 دقيقة و14 ثانية أى وصلت لنقطة مختلفة عن النقطة التى بدأنا منها حساب السنة.. وهنا الخطأ الواجب تعديله، لكى ننهى السنة بالضبط من نفس النقطة التى بدأتها الأرض فى دورتها حول الشمس، ومجموع هذه الدقائق والثوانى يصنع بعد مئات السنين أيّاماً وبالتحديد كلّ 400 سنة تقريباً يصنع 3 أيام فرقاً. حين اكتشف العلماء فى القرن السادس عشر هذا الخطأ الحسابى بأنّ الأرض فى مكانٍ على المدار متقدّمٍ عن المحسوب فى التوقيت وقتها (عام 1582)، انتقلوا إلى التوقيت السليم المناسب لمكان الأرض على المدار فقفزوا من 4 أكتوبر إلى 15 أكتوبر فى اليوم التالى، وهذا هو الحساب السليم لوضع الأرض وقتها على المدار، وبالطبع نحن الأقباط كنّا فى وادٍ آخَر فى ذلك الوقت فى عصر مظلم تحت الاحتلال العثمانى وبدون أى تواصُل مع العالم المتقدّم، وبالتالى لم نعدّل تقويمَنا، فظلّ الخطأ الحسابى يتراكم فى حسابات تقويمنا، كمّا أنّ مصر فى ذلك الوقت كانت تستعمل التقويم القبطى والهجرى فقط، وليس لها علاقة بالتقويم الميلادى الذى تعدّل.. فالتقويم الميلادى دخل لمصر لأوّل مرة فى منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ العمل به فى دواوين الحكومة بدلاً من التقويم القبطى الذى كان مُستعملاً قبل ذلك. وفى التقويم القبطى الآن فرق فى التوقيت لأنّنا ما زلنا كما قلت نحسب السنة 365 وربع بدون حساب الدقائق البسيطة الفارقة الزائدة، وقد تجمّعت هذه الفروق الآن (عام 2019) لتصير 13 يوماً وسبع ساعات و29 دقيقة، وسيصير الفارق 14 يوماً فى عام 2100، ومن هنا يتّضح أنّ اقتطاع الأيام الذى ذكرته فى البحث هو مجرّد ضبط لهذا الخطأ الحسابى فى التقويم لمرّة واحدة لكى تتوافق الأيام مع وضع الأرض الحقيقى على مدارها الآن.

 

التقويم الغربى هو الأدقّ وتمّ حسابه بوسائل حديثة و«القبطى» به خطأ زمنى بسيط

* أيّهما أدقّ التقويم القبطى أم الجريجورى؟

- التقويم الجريجورى هو الأدقّ، لأنّه أحدَث، وتمّ حسابه بوسائل حديثة لمعرفة موقع الأرض بدقّة على مدارها حول الشمس، وهو مُثبَت الآن بشكل واضح بالدقيقة والثانية وأجزاء الثانية بعد تقدّم العِلم فى عصرنا، أمّا التقويم القبطى فلأنه قديم ففيه خطأ زمنى بسيط، لم يكُن ممكناً اكتشافه فى عصره، لغياب وسائل الحساب الدقيقة المتطوّرة الموجودة الآن، وأعود وأؤكّد أنّ هذا الخطأ الزمنى البسيط لا يمسّ إيماننا الأُرثوذكسى فى شىء.

* يدافع البعض عن صحة التقويم القبطى بأنه أدق تقويم بارتباطه بمواسم الزراعة فى مصر؟

- التقويم القبطى هو تقويم عريق وهو أقدم من التقويم اليوليانى الغربى المأخوذ عنه، ولكنّه فى حقيقته مرتبط أيضاً بالشمس، وتوقيتات الزراعة دائماً مرتبطة بالمناخ، والمناخ مرتبط بدوران الأرض حول الشمس، حيث تتغيّر فصول السنة نتيجةً لهذا الدوران، لذلك فالمنطق يؤكّد أنّ المواسم الزراعيّة لا بد أن تكون مرتبطة بحركة الأرض حول الشمس أى بالتقويم الشمسى، أمّا لماذا لم يحسّ المزارعون بفارق حتى اليوم مع وجود خطأ حسابى متراكم فى التقويم القبطى، فالسبب أنّ الخطأ ليس كبيراً حتّى الآن، فالتقويم المصرى القديم هو تقويم دقيق إلى حدّ بعيد، ولكنّه يحتاج لضبط طفيف جداً مع تصحيح الخطأ الحسابى المتراكم فيه حتّى الآن، وهذا لا يقلّل من قيمته، ولا يجعلنا نتخلّى أبداً عنه.

* لماذا تضيّع وقتك فى موضوع يسبّب بلبلة فى الكنيسة؟

- ضبط التقويم لا يسبب بلبلة، وإنّما الشائعات وخلط الأمور والاتهامات الباطلة هى التى تسبّب البلبلة، فلا شىء من كتب الكنيسة سيتغيّر على الإطلاق، ولن نحتاج لطباعة أى كتاب من جديد، لأنّنا كنّا وما زلنا وسنظلّ نستعمل التقويم القبطى فى كلّ أعيادنا وأصوامنا ومناسباتنا، وسنحتفل بها فى نفس الأيام من التقويم القبطى.. الذى سيتغيّر فقط، بعد ضبط التقويم، هو المقابل الميلادى للأيام القبطيّة، ولكنّنا سنظلّ نحتفل بعيد الميلاد يوم 29 كيهك وعيد البشارة 29 برمهات وعيد الصليب 10 برمهات و17 توت وهكذا، فلا داعى لترويج شائعات ليس لها أساس من الصحّة.

أتوقّع فى غضون سنوات قليلة أن يبدأ البعض فى المناداة بالانفصال عن الكنيسة الأم فى مصر

* البعض يتهمك بأنك تريد تغيير شكل الكنيسة لتكون مماثلة للكاثوليك والانسياق للتيار الغربى؟

- ضبط التقويم ليس فيه أى تغيير لشكل الكنيسة، ولا داعى للحساسية غير المبرّرة من الكاثوليك، أمّا عن الانسياق للتيار الغربى فهذه تُهمة باطلة تماماً، إذ الحقيقة أنّ الغرب لا يتحدّث إطلاقاً عن موضوع ضبط التقويم القبطى أو غيره من التقاويم، فهُم يحترمون كلّ التقاليد الوافدة من الشرق، ويعرفون أنّ هناك بعض كنائس قليلة تتبع التقويم القديم (هكذا يسمّونه) وأُخرى تتبع التقويم الحديث فى الاحتفال بالأعياد، والمجتمع الغربى يحترم الجميع ولا يتدخّل فى هذه الأمور من قريب أو بعيد. القضيّة الرئيسيّة التى جعلتنى أبحث وأجتهد لكى أجد حلاً لتوحيد موعد الأعياد هى مسئوليّتى الرعويّة ككاهن وخادم لأجيال فى المهجر أراهم يعانون من هذا الأمر، والفكرة المُقترَحَة تختصّ بضبط زمنى فلكى، وكيفيّة تنفيذ هذا الضبط بطريقة مُنَظّمة، ولا تمسّ أى شىء من عقيدة الكنيسة أو طقوسها أو أعيادها التى ستظلّ فى مواعيدها القبطيّة الثابتة.

البحث وصل البابا والمجمع المقدّس قبل طرحه على الناس وهدفى من النشر هو التنوير وتكوين رأى شعبى

 

* كيف يكون توحيد الأعياد سبباً للوحدة بين الكنائس؟

- لم يقُل أحد أنّ توحيد الأعياد سيكون سبباً فى وحدة الكنائس، قد يكون مجرّد خطوة بسيطة للتقارب، لكنّ الوحدة الإيمانيّة تحتاج للكثير من الجهد فى الحوار والعودة لأصول الإيمان، مع الصلاة وروح التواضع، وعمليّة ضبط التقويم ليس فيها تنازُل عن شىء.

* يقال إنه تم اختيار يوم 7 يناير موعداً لعيد الميلاد لأنه أقصر نهار فى السنة وبعده يبدأ فى الزيادة وذلك بعد مولد المسيح الذى يوصف بأنه «نور العالم»؟

- يوم 7 يناير ليس هو أقصر نهار فى السنة، بل أقصر نهار هو بين 20 و24 ديسمبر من كلّ عام فى نصف الكرة الأرضيّة الشمالى، وبين 20 و24 يونيو من كلّ عام فى نصف الكرة الجنوبى، والكنيسة فى احتفالها بعيد الميلاد غير مرتبطين بيوم 7 يناير، ولكنّنا مرتبطون بيوم 29 كيهك، وهو حالياً يوافق 7 يناير، وفى عام 2101 سيوافق 8 يناير إذا لم نضبط التقويم القبطى، أمّا إذا ضبطناه فإن 29 كيهك سيوافق 25 ديسمبر بدون تغيير إلى المجىء الثانى للمسيح.

* يقترح البعض أن تغير كل الكنائس موعد عيد الميلاد ليكون 1 يناير، ما رأيك؟

- الفكرة طيّبة، ولكنّها تكاد تكون مستحيلة التنفيذ، لأنها ستحتاج لمفاوضات مع كلّ الكنائس، إذ إنه سيكون مطلوباً من الجميع أنّ يغيّروا أنظمتهم وتقاويمهم، نحن أيضاً ككنيسة قبطيّة لا نقبل أن نغيّر الاحتفال بعيد الميلاد بعيداً عن يوم 29 كيهك، إذ إنه مرتبط بالطقس القبطى ككل، وأى تغيير لا بد أن يكون مبنياً على أُسس علمية سليمة حتى يحترمه الجميع، وهذا لا يتوافر فى هذه الحالة، وموعد الاحتفال بالعيد ليس هو المشكلة فى توحيد الفكر بين الكنائس، وإنّما المشكلة فى الاختلافات العقيديّة، التى تحتاج لتفاهم ومناقشات وصلاة واتضاع ومحبّة وعودة للأصول كما ذكرت من قبل.

* لماذا يتم طرح الفكرة على الناس قبل أن يبت فيها المجمع المقدّس، ألا يكون هذا مثيراً للبلبلة؟

- البحث وصل لقداسة البابا وللمجمع المقدس قبل طرحه على الناس، وهدفى من النشر هو التنوير، لأنى أؤمن بمبدأ «ازرع فكراً تحصد عملاً»، وأعتقد أن تكوين رأى شعبى سيساعد المجمع المقدس فى حالة اتخاد قرار بضبط التقويم، لأنى لا أتصور أن يتخذ المجمع قراراً مثل هذا بدون تهيئة شعبية أولاً.

* لماذا قمت بهذا البحث؟

- البلبلة الحادثة والأسئلة المتكرّرة كل عام عن لماذا لا تعيّد الكنائس معاً؟ وعلى المدى البعيد مع وجود بعض الكنائس القبطية التى تتجه إلى الاحتفال بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر، لأن شعبها كله من الجيل الثانى والثالث للمهاجرين وأغلبهم متزوّج من أجانب، فبقاء الوضع الحالى سيُحدِث شروخاً فى الوحدة الوجدانية للكنيسة، كما ذكرتُ مِن قَبل، بل وأتوقع فى غضون سنوات قليلة أن يبدأ البعض فى المناداة بالانفصال رعوياً وإدارياً عن الكنيسة الأم فى مصر.

* هل ترى أن هذا التعديل سيساهم فى التقارب مع الكنائس الغربية؟

- نعم، ولكن التقارب هو خطوة على طريق طويل، أما الوحدة فهى ليست أمراً سهلاً، لذلك نحن نعمل ما علينا بقدر طاقتنا بدون تغيير لإيماننا المستقيم.

* هل من حق الكنيسة أن تقوم بضبط التقويم، أم أنه تراث مصرى عالمى لا يمكن المساس به؟

- نعم التقويم المصرى هو مِلك لكل المصريين، وهو تراث مصرى عالمى، ولكن هذا لا يمنع ضبطه، وبالطبع الأمر يحتاج لقرار سيادى من الدولة، ولكن عملياً، الكنيسة القبطية هى التى تستعمل هذا التقويم، ولم يعُد أحد يستعمله غيرها، ومن هنا فالكنيسة هى الجهة الأساسية القادرة على تحريك المياه الراكدة، وقيادة عملية ضبط التقويم بناءً على أسس علمية سليمة.


مواضيع متعلقة