أسماء الله الحسنى.. بين الجلال والجمال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة» وليس المقصود هنا من كلمة أحصاها عدها وحفظها، فالبر والفاجر يحفظان هذه الأسماء، ولكن العمل بمقتضاها والتعبد بها لا مجرد تكرارها.. فرب قارئ للقرآن لا يجاوز حنجرته، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وأسماء الله الحسنى أكثر من 99 اسماً ولكن هذا العدد هو أشهرها وأهمها بدليل الحديث الشريف «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك».. فهذه الأسماء الـ99 مبسوطة للخلق جميعاً، ولكن هناك أسماء أخرى مأثورة فى الغيب أو معلمة لأحد خواصه سبحانه، وبعضها استأثر بها الله لنفسه لم يعلمها لملك مقرب أو نبى مرسل.. وأسماء الله الحسنى تنقسم إلى قسمين: أسماء جمال، وأخرى للجلال، وأسماء الجمال كثيرة ومنها الكريم والرحيم والودود والمحسن والصبور والصادق.. إلخ.

وهذه ينبغى على المؤمن أن يأخذ منها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وينهل منها بحسب طاقته الإيمانية واستعداداته لفيوضات السماء، فيحرص أن يكون كريماً ودوداً رحيماً صادقاً عادلاً محسناً، ولكن الفرق بين العبد وبين مولاه سبحانه أن لله مطلق هذه الصفات، فهو الرحيم بمطلق الرحمة والودود بمطلق الود والصادق بمطلقه والعدل بمطلقه.. أما عباده فيتمتع كل واحد منهم بنسبية هذه الصفة، فهذا له جزء من الكرم أو الصدق، أو العدل، ولكن أحداً من البشر لا يستطيع العدل المطلق أو الرحمة المطلقة، وكلما ذبت فى حب الله واقتربت من مولاك وأحببت الله بكل جوارحك أفاض عليك من فيوضات أسمائه وصفاته، زاد كرمك وحلمك وعدلك ورحمتك، وكلما نهلت من معين أسماء الجلال وأخذت قبساً نورانياً وراء قبس من هذه الصفات اقتربت من معية الله ونهلت من أسماء الجمال أعظم الصفات وأنبل الخصال.. فمن عاش بقلبه وجوارحه مع اسم الكريم صار مع المجاهدات الصادقة كريماً ومن عاش مع اسم الله الودود بكل أنفاسه وخلجات نفسه أصبح مع الوقت ودوداً وهكذا، وكلما تحلى العباد بهذه الصفات سمت البشرية وتكاملت وتراحمت فيما بينها وتحولت عن طباعها الشهوانية نحو الفضيلة وتركت الصراعات على حطام الدنيا وكراسى السلطة وزهدت فيما عند الخلق انتظاراً لجوائز السماء وعطاء الله الأعظم الذى لا يدانيه عطاء، وهكذا تفعل الأسماء الحسنى الخاصة بالجمال، إذ تحول الدنيا من غابة يأكل فيها القوى الضعيف وتسفك فيها الدماء وتنتهك فيها الحرمات إلى واحة جميلة رائعة من الحب والسلام والود والتآلف، ولكن أغلب الناس أعرضوا عن التفكير فى أسماء الجمال، فضلاً عن إعراضهم أن يعيشوا فيها ويتخلقوا بأخلاق الله التى تحملها أو أن يتذاكروها بقلوبهم ومشاعرهم ويعيشوا فيها ومعها بجوارحهم، أما القسم الثانى من أسماء الله الحسنى فهى أسماء الجلال، وهى تخص الله وحده ولا ينبغى لأحد من الخلق أن يسمى نفسه بها أو يغتر بنفسه فيرتدى ثوب الألوهية، فيظن نفسه إلهاً من دون الله، فمنهم من يسمى نفسه ملك الملوك شاهنشاه مثلاً، وقد نهى رسول الله عن التسمية بهذا الاسم وسماه «أخنع الأسماء»، وهى لا تعنى الاسم ولكن ما ينطبع فى قلب صاحبها من التأله الكاذب والفرعونية صاحبة شعار «أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى»، ومن أسماء الجلال الأول والآخر، فهو وحده الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء والظاهر بلا احتواء والباطن بلا اختفاء، وهو الأول قبل كل شىء والآخر بعد كل شىء، ولا يجوز لأحد من العباد أن يتسمى بهذه الأسماء، ومنها القدوس الذى تنزه عن كل العيوب، فكل الخلائق بلا استثناء لها عيوب، ومنها الخافض الرافع يرفع من يشاء بفضله ويخفض من يشاء بعدله.