قبرص الشمالية "مسمار جحا".. تركيا تسعى للسطو على ثروات شرق المتوسط

كتب: محمد حسن عامر

قبرص الشمالية "مسمار جحا".. تركيا تسعى للسطو على ثروات شرق المتوسط

قبرص الشمالية "مسمار جحا".. تركيا تسعى للسطو على ثروات شرق المتوسط

قبرص الشمالية "مسمار جحا" الحجة التركية التي بسببها أعلنت أنقرة عمليات تنقيب عن الغاز حتى سبتمبر، في محاولة جديدة من محاولات السطو على ثروات الطاقة في شرق المتوسط، ولم تجد هذه الخطوة إلا تنديدا واستهجانا لما تقوم به تركيا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ومصر وروسيا. 

وندد وزير الخارجية اليوناني جورج كاتروجالوس، ووزير الدفاع الوطني اليوناني إيفاجيلوس أبوستولاكيس، بمحاولات تركيا التنقيب غير القانوني في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ويأتي الموقف اليوناني في أحدث ردود فعل على التحركات التركية غير الشرعية في منطقة شرق المتوسط، والتي بدأتها الجمعة وسط رفض دولي.

وترصد "الوطن" في الأسطر التالية القصة الكاملة لأزمة الحفر عن الثروات في منطقة شرق المتوسط.

 

- أهمية منطقة شرق المتوسط على صعيد ثروات الطاقة

لا يوجد تحديد واضح لحجم الثروات الموجودة في هذه المنطقة، إلا أن الاكتشافات المتتالية تقول إن ما خفي كان أعظم. وقدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 2010 ثروات منطقة شرق المتوسط بنحو 122 تريليون متر مكعب من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، إضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج، وهي إحصاءات أو تقديريات لم تشمل منطقة دلتا النيل.

ولا تقتصر أهمية ثروات شرق المتوسط على هذه المنطقة فقط فهي تقع ضمن منطقة الشرق الأوسط التي تضم نحو 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم، كما أنها تحمل الآمال لتحقيق كثير من المكاسب الاقتصادية والأمنية في هذه المنطقة.

- اكتشافات الطاقة في شرق المتوسط وصولا إلى حقل ظهر

تشكل الفترة بين عامي "2009 - 2011" البداية الحقيقية لظهور موارد الطاقة والغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط بعد اكتشاف حقلي تمار وليفياثان قبالة السواحل الإسرائيلية، كما اكتشف كذلك حقل أفروديت قبالة سواحل قبرص، ما يعني الإقبال على استثمارات في مجال الطاقة وتصديرها، لكن في إسرائيل لم يكن هناك توافق حول إدارة موارد الغاز، وفي قبرص التي تعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة ظهرت تقارير تقلل من حجم الاكتشافات وأهميتها، فقلت الحماسة إلى مسألة الاستثمار في الطاقة والبحث عن الاكتشافات الجديدة.

ظلت هذه الحالة تخيم على المنطقة حتى تمكنت شركة "إيني" الإيطالية من اكتشاف حقل ظهر قبالة السواحل المصرية، كأكبر اكتشاف على الإطلاق في البحر المتوسط، والذي بدأ إنتاجه بالفعل يظهر في ديسمبر من عام 2017، ومعه حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بعد أن كانت مستوردا، كما أن مصر سيكون بمقدورها التنسيق مع دول أخرى في المنطقة لتصدير الغاز الطبيعي والذي سيكون له عوائد اقتصادية صخمة في ظل امتلاك مصر الإمكانات والخيارات اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي المكتشف.

- الاحتياجات التركية من الطاقة

تركيا هي الدولة الوحيدة التي لا تملك ولو برميل نفط أو وقود واحد، إذ إنها تعتمد على الاستيراد من الخارج بنسبة 90% من دول مثل إيران وروسيا وأذربيجان، ما جعل تركيا لديها أغلى أسعار الوقود في العالم، حيث يتجاوز سعر لتر البنزين الواحد نحو دولارين ونصف، وفي يوليو من عام 2017 عقد وزير الطاقة التركي بيرات البيرق اجتماعا مع عدد من الأكاديميين كشف خلاله عن خطط تركيا للتنقيب عن الفنط والغاز، والتي حدد لها الربع الأخير من عام 2017، وتتجه أطماع "أنقرة" إلى منظقة شرق المتوسط في ظل الاكتشافات المصرية المذهلة، وسط تقارير تؤكد أن الغاز الطبيعي سيكون المصدر الأهم للطاقة خلال المائة عام المقبلة.

 

- قبرص الشمالية "مسمار جحا" للتسلل إلى شرق المتوسط وثرواته

تمثل قبرص الشمالية الجمهورية غير المعترف بها إلى من قبل تركيا "مسمار جحا" الذي تحاول تركيا من خلاله النفاذ إلى ثروات الطاقة في شرق المتوسط. وتشل قبرص الشمالية نحو ثلث مساحة حزيرة قبرص، حيث اجتاحتها تركيا عسكريا عام 1974 بعد انقلاب في قبرص أراد ضم الجزيرة بالكامل إلى اليونان، فانقسمت قبرص بين شمال قبرص حيث يتواجد الأتراك، وقبرص اليونانية. وعادة ما يردد مسؤولون أتراك عبارات بشأن لتبرير تحركاتها من قبيل أن أنقرة تتمسك بحقوق قبرص الشمالية في غاز شرق المتوسط. حتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه قال في نوفمبر 2018، إن تركيا لن تسمح باستخراج غاز شرق المتوسط إذا جرى استبعاد تركيا وحلفائها في شمال قبرص.

 

- التحرك التركي يبدأ للحصول على نصيب غير مستحق من كعكة الغاز

إزاء تلك الخطة بدأت تركيا في 2017 عمليات تنقيب غير شرعية في مناطق تابعة لقبرص، عندما أطلقت السفينة "خير الدين بربروس باشا"، التي جرى شراؤها من النرويج عام 2013. وواصلت تركيا انتهاكاتها في فبراير 2018، عندما اعترضت سفنها الحربية سفينة تابعة لشركة "إيني" الإيطالية، التي كانت تستكشف حقول الغاز في مياه قبرص الإقليمية، ما يمثل خرقا لقواعد القانون الدولي.

وجاء شهر مايو من عام 2018 وفي مايو ليشهد إطلاق تركيا أول سفينة حفر سمتها "الفاتح"، ووصفها المسؤولون الأتراك بـ"البداية الحقيقية" لاكتشافات الغاز والطاقة. وأبحرت سفينة الاستكشاف التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، بمساندة 3 سفن لوجيستية في أكتوبر الماضي، ليعلن بعدها بـ4 أشهر وزير الخارجية التركي، أن سفن التنقيب التركية ستنتقل من عمليات المسح إلى التنقيب. حتى جاء الجمعة الماضي لتعلن البحرية التركية نيتها إجراء عمليات تنقيب عن الغاز حتى سبتمبر المقبل، في منطقة من البحر المتوسط، تقول السلطات القبرصية إنها تندرج ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة.

- منتدى الطاقة يفاقم الأوجاع والمخاوف التركية

في ديسمبر 2018 جرى التوصل إلى اتفاق بين مصر وقبرص نص على الالتزام بإيجاد والحفاظ على الظروف المناسبة لإنشاء خط أنابيب يربط حقل أفروديت للغاز الطبيعي في المياه القبرصية بمحطات الغاز الطبيعي المسال في مصر. ثم يأتي يناير العام الجاري ليحمل ضربة جديدة لتركيا، لكنها ضرب على صعيد التنسيق بين دول شرق المتوسط، حيث التقى وزراء الطاقة من قبرص ومصر واليونان والأردن وإسرائيل، إلى جانب ممثلين عن إيطاليا والسلطة الفلسطينية، في القاهرة لمناقشة التعاون الإقليمي في الغاز البحري.

وكأحد ثمار تلك المباحثات أطق منتدى غاز شرق المتوسط، وهي منصة تهدف لتطوير سوق غاز طبيعي إقليمي واستغلال البنية التحتية القائمة الخاصة بالغاز الطبيعي المسال في مصر. وشكل المنتدى استبعادا تاما من خطط التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط أو الاستفاتدة منه اقتصاديا من خلال وجود قاعد تصدير مهمة للغاز غلى أوروبا دون الحاجة إلى اتفاق مع تركيا، وخصوصًا في ظل وجود خلافات متعددة الأسباب بين الدول المؤسسة للمنتدى مصر وقبرص واليونان مع تركيا.

 

- الموقف الدولي: أوروبا تدعو لوقف التحركات غير القانونية.. وواشنطن تعبر عن قلقها

وواجه إعلان تركيا الأخير رفضا دوليا من انتهاكها لحقوق دول الجوار، إذ طالبها الاتحاد الأوروبي، الذي سعت تركيا طويلا للانضمام إليه، إلى وقف الأعمال غير القانونية واحترام الحقوق السيادية لقبرص. وحذرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، تركيا، من أن الاتحاد سيرد على تلك الخطوات "بشكل ملائم وبتضامن كامل مع قبرص".

وحض مسؤولون أمريكيون تركيا على عدم المضي قدما بأنشطة تنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل القبرصية، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، مورجان أورتاجوس، في بيان إن "الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء النوايا المعلنة لتركيا بشأن البدء بعمليات تنقيب في منطقة تعتبرها جمهورية قبرص منطقتها الاقتصادية الخالصة".

وأضافت المتحدثة: "هذه الخطوة بالغة الاستفزاز وتهدد بإثارة التوترات في المنطقة.. نحض السلطات التركية على وقف هذه العمليات ونشجع جميع الأطراف على ضبط النفس".


مواضيع متعلقة