نهار رمضان.. ساحة السيدة: كنافة وقطايف.. و«مدد يا أم العواجز»

كتب: آية صلاح

نهار رمضان.. ساحة السيدة: كنافة وقطايف.. و«مدد يا أم العواجز»

نهار رمضان.. ساحة السيدة: كنافة وقطايف.. و«مدد يا أم العواجز»

صوت صفير مميز ينطلق من عربات مترو الأنفاق عند توقفه فى محطة السيدة زينب، ينبه الركاب بفتح أبواب عرباته بعد ثوان، ينزل جمع من الناس قاصدين السلم الكهربائى، أما السلم العادى فلا يستخدمه أحد، حالة من الهدوء تغلف المكان، البطء سمة غالبة على حركة المارة كما يليق بنهار رمضانى، بعد المرور من ماكينات المحطة نحو بوابة الخروج، تتراص فرشات الباعة الجائلين على جانبى الممر، تعرض كافة المنتجات والمقتنيات، وهذا ليس بجديد، لكن الجديد هو سيطرة الصمت على الأجواء، فى السابق كانت نداءات الباعة تخرق الآذان، وتهافتهم على المارة بعرض منتجاتهم جبراً أحياناً وربما يتنازعون على أحد الزبائن، أما الآن فهم تحت تأثير الصيام يوفرون ذلك المجهود الضائع بلا فائدة.

أمام بوابة الخروج يتكدس حشد من سائقى التكاتك مستقلين مركباتهم، يتنافسون على اجتذاب المارة، الذين يبدو عليهم جميعاً الإرهاق، فركب عدد كبير منهم حتى الشباب من بينهم التكاتك المتوجهة لأماكن متفرقة، من بينها ميدان ومسجد السيدة زينب، الذى لا يبعد سوى عدة دقائق سيراً على الأقدام من محطة المترو، السائر خلال هذه الدقائق ينتبه لدرجة الحرارة المرتفعة مقارنة بعربات المترو المكيفة، وتتسابق ذرات الغبار المتطايرة فى الهواء على رشق عينيه نتيجة تقلبات الجو وانتشار الغبار والأتربة التى تشوش الرؤية قليلاً، لكن سرعان ما تهدأ ويبرز ميدان السيدة زينب يتوسطه المسجد الشهير.

تتراص أمام مبنى المسجد خيم مخصصة لعرض ياميش رمضان، تضم كافة منتجات الشهر الكريم، تغزوها أجولة البلح متجاورة بمختلف الأسعار والأنواع والأحجام، مغروس أعلاها ورقة كرتون تعلن عن سعر الكيلو، الذى يتراوح من ١٥ جنيهاً كحد أدنى لسعره ويتدرج فى الزيادة حتى يصل إلى ٢٧ جنيهاً مقابل الكيلو الواحد، وهو المنتج الأكثر رواجاً، بجانبه تبرز أوانٍ بلاستيكية تحوى مساحيق ملونة مكتوباً عليها «مسحوق عصير برتقال»، «مسحوق عصير أناناس»، «مسحوق عصير مانجو»، تزاحمها المنتجات التموينية المفروشة بنظام، بحيث تظهر للرائى بشكل واضح وتحثه على الشراء، من الأعلى تتدلى لافتة كرتونية بنية اللون مخطوط عليها باللون الأسود بخط عريض «قراصيا وياميش زبيب ومكسرات».

على بعد خطوات تظهر خيمة ضخمة، تحوى مئات الفوانيس، تتدلى من أعلاها بأشكالها وأحجامها وألوانها وخاماتها المختلفة، تتراص أمامها سلال كبيرة الحجم تحوى مجموعات مختلفة من الفوانيس، بعضها مصنوع من الأركت وبعضها من الخشب وبعضها مصنوع من البلاستيك وأخرى مصنوعة من الصفيح، بعضها عادية، والآخر بالحجارة وهناك فوانيس مزودة بفيشة وتعمل بالكهرباء، هناك المخصص منها لأغراض الديكور فقط، ملفوفة بقماش الخيامية الأحمر المبهج، وبعضها للأطفال مصنوع على هيئة أشكال وشخصيات كرتونية، ومنها صغيرة الحجم ومتناهية الصغر التى تعلق داخل السيارات أو فى حامل المفاتيح، تبدأ أسعارها من ٣٥ جنيهاً وتتدرج فى الارتفاع حتى تصل إلى ١٨٠ جنيهاً للفانوس الذى يتراوح طوله بين متر ونصف ومترين.

مقاهٍ خاوية وأخرى تقدم خدماتها للزبائن بعد أن تخفيهم عن العيون حرصاً على مشاعر الصائمين

الفراغ يسيطر على معظم مقاهى الميدان، أعمدة طويلة من الكراسى المتشابكة فوق بعضها، فليس هناك زبائن، تخلو القهاوى سوى من عامل أو اثنين، إلا أن هناك مقهى خالف تلك القاعدة، نصب كراسيه بمحيط مساحة القهوة الأصلية وضبط التليفزيون على إحدى القنوات الفضائية التى تبث مسلسلات رمضان، ووقف العامل يحضر مشروبات زبائنه، كل شىء يسير كما فى الأيام العادية إلا أن هناك اختلافاً واضحاً وهو أن مالكى المقهى أحاطوه بستار طويل مصنوع من قماش الخيامية الأحمر المميز حتى يجب الرؤية عن المارة فى الشارع حرصاً على مشاعر الصائمين.

فى شارع ضيق متفرع من ميدان السيدة زينب، ركود واضح وقلة إقبال على المحال المتجاورة، التى تعرض منتجاتها المختلفة سواء ملابس أو مخبوزات أو فواكه، إلا أن هناك حشداً ظاهراً على دكان صغير المساحة، مبعثر الهيئة، تبيع صاحبته كنافة وقطائف، تصطف أمامها السيدات فى صفوف متوازية، بدا أنه لا يعرض خدماته سوى فى الشهر الكريم فقط، لذا فلم تفتح أبوابه منذ العام الفائت سوى منذ يومين للتجهيزات والتحضيرات، يملك ذلك الدكان تاريخاً طويلاً، فهو موروث لأصحابه الحاليين أباً عن جد، عندما افتتح أول مرة كان كيلو الكنافة يباع مقابل ٣ قروش، أما حالياً فهو بـ١٨ جنيهاً، يتردد على الدكان زبائنه القدامى، ومن خلف طاولة مرصوص عليها الكنافة والقطايف تقف سيدة أربعينية بشوشة الوجه مبتسمة المحيا تقفز البسمة من ثغرها إلى وجوه زبائنها متلحفة برداء أسود حزناً على زوجها الذى توفى قبل عامين، وبجوارها شاب عشرينى يرتدى تيشرت أزرق زاهياً يتسم بالحركة والنشاط الشديدين فى تلبية طلبات زبائنه.

أمام بوابة المسجد، يتجمع حشد من السيدات حول فتاة تمسك بيديها حقائب بلاستيكية تحوى عشرات أرغفة الخبز الأبيض الساخن الطازج، وتوزعه عليهن دون مقابل، خلال ذلك تتسرب إلى الأنف رائحة المخللات الشهية، فى الجهة المقابلة للمسجد يقبع محل طرشجى، تتعالى صيحات النساء المتجمعات حوله بعبارات: «اعمل لى ٣ أكياس على ٥ جنيه»، «بكام البرطمان»، «عايزة كيس بعشرة جنيه»، «مشينى الأول عشان معايا طلبات ساحت»، من خلف الطاولة يتحرك صاحب المحل بخفة ونشاط وسرعة وقد اصطبغت يداه باللون الأحمر لمياه المخلل الذى يبيعه، وصراع الأطفال يتداخل مع صيحات الزبائن يحثونه على السرعة، وضوضاء الازدحام المرورى لأوتوبيسات هيئة النقل العام التى تمر بجوار مسجد السيدة، تبرز رؤوس ركابها من النوافذ الزجاجية على محل المخللات ومعروضاته المختلفة التى تحرك الشهية، برطمانات شفافة مختلفة الأحجام تحوى زيتوناً وليموناً وجزراً ولفتاً، وأخرى تحوى تشكيلة من كل ذلك، وروائحها التى تغزو وتسيطر على محيط المكان، يقطع كل هذا ارتفاع أذان الظهر، وجلجلة صوت المؤذن قائلاً «الله أكبر».


مواضيع متعلقة